رسالة الإنجيل في أعمال الرُسُل

انتشار الإنجيل

سفر أعمال الرسل هو قصَّة نعمة الله المُتدفِّقة إلى العالم، من صليب وقيامة يسوع في أورشليم إلى أقصى الأرض. ليس هناك شيء أكثر وضوحًا في سفر الأعمال من انتشار الإنجيل. حيثُ وعدَ يسوع بامتدادٍ جغرافيٍّ لإنجيل في بداية السفر (أعمال الرُسُل ١: ٨)، ثم يُتابع سفر الأعمال أخبار موت وقيامة المسيح وهي تنتشر من أورشليم إلى اليهوديَّة والسامرة وإلى عاصمة روما البعيدة.

تُعد الكرازة بموت وقيامة يسوع مركزيَّة في سفر الأعمال. حيثُ وَرَدَ الفعل اليوناني "يكرزُ بالإنجيل" (Euangelizo) في هذا السفر أكثر من أي فعل آخر في العهد الجديد. فيتكوَّن حوالي ثُلث سفر الأعمال من عِظات، معظمها عبارة عن عِظات لبُطرس أو بولس للكرازة بالإنجيل. إنَّ أخبار الخلاص السارة التي تحقَّقت ووجدت اكتمالها في شخص المسيح، التي تُطبَّق بواسطة الروح القدس، تمتدُّ إلى "أقصى الأرض" من خلال الكرازة.

في سفر أعمال الرسل، يُعد مصطلح "النعمة" موازي لـ "الإنجيل" أو "الخلاص". حيث تتلخَّص رسالة يسوع على أنها "كلمة نعمته" (أعمال الرُسُل ٢٠: ٣٢)، ويُقال إنَّ المؤمنين قد نالوا "نعمةً" أو أنهم "ممتلئون نعمةً" (أعمال الرُسُل ٦: ٨)، وهم مُطَالبون بالاستمرار في النعمة. كذا كرزَ المُرسلون في أعمال الرسل بنعمة الله، فمن خلال هذه النعمة يستطيع الناس التجاوب بإيمانٍ.

السعي المُلتهِب بالمحبَّة

يكشفُ سفر أعمال الرسل عن سعي الله المُلتهِب بالمحبَّة نحو شعبه، بدءًا من أتْباعه في أورشليم، امتدادًا إلى السامرة، وصولًا إلى باقي العالم. في نهاية السفر نرى بولس يعيشُ في روما، "كَارِزًا بِمَلَكُوتِ اللهِ، وَمُعَلِّمًا بِأَمْرِ الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ بِكُلِّ مُجَاهَرَةٍ، بِلاَ مَانِعٍ" (أعمال الرُسُل ٢٨: ٣١). إنَّ الإنجيل يجذب الناس، ويُشكلَّهم ككنيسة تتمحور حول نعمة يسوع، ثم يُرسلهم خارجًا في إرسالية إلى العالم.  وتتميَّز (الكنيسة) مجموعة المؤمنين الجديدة، بالروح القدس، الذي يَخلقُ مجتمعًا مميزًا ينجذب إليه الآخرون، ويختبرون فيه نعمة الله. وفي الوقت ذاته، ينقلون رسالة الإنجيل إلى أناس جديدة وأراضي جديدة، ليجعلوا نعمة الله معروفة حتَّى أقصى الأرض.

إنَّ اِمتداد الإنجيل هو ذروة ما كان يفعله الله منذ البداية. لذا يؤسِّس لوقا باستمرار الخلاص على قصد الله القديم، الذي يتحقَّق بمبادرة شخصيَّة من الله. لذا يُظهِر سفر الأعمال أن الحركة المسيحيَّة الجديدة ليست طائفة هامشيَّة بلا أهميَّة، لكنها ذروة خطة الله للفداء. فما كان يُنظَر إليه باعتباره ظِلال فقط في العهد القديم، يكشفهُ الله بشكل أخير وكامل في يسوع المسيح.  فلا يُقدِّم سفر الأعمال بشكل أساسي نماذج بشريَّة لتقليدها أو تجنُّبها. لكنه يدعونا مِرارًا وتكرارًا إلى التفكير مَليًا في "عمل الله الذي تحقَّقَ في يسوع المسيح"، وفي "تأسيس الكنيسة بقوَّة الروح القدس". نحنُ مدعوُّون للدخول والمُشاركة في قصَّةٍ أكبر بكثير من قصتنا التي نعيشها الآن، "قصَّة الله".

يمتدُّ الإنجيل في سفر الأعمال ليس من خلال القوَّة البشريَّة، بل من خلال الضعف والمقاومة والاضطهاد؛ القوى الشيطانيَّة، والقوى والسُلطات الدُنيويَّة، والمقاومة السياسيَّة، والحواجز اللُغويَّة والثقافيَّة، والمُعاناة الشديدة والاضطهاد الدموي، والحبس الظالم، وعدم الإيمان، والانقسام الداخلي، حتَّى حُطام السفن والثعابين، كل هذه الأمور تُهدِّدُ بإبطاء تقدُّم الإنجيل. لكن المقاومة والمعاناة وهذه الأمور لا تعوق انتشار نعمة يسوع؛ لكنها تُغذِّيها.

ينتشرُ الإنجيل على الرغم من حواجز الجغرافيا والعِرق والثقافة والجنس والثروة.

يبدو أن العديد من هذه الحواجز مصونة لدرجة أنه عندما يُكرَز بالإنجيل لمجموعة جديدة من المجتمع، تندلعُ أعمال شغب. لكن لوقا يوضِّح أنَّه لا يوجد أحد خارج نطاق قوَّة الله الخلاصيَّة، ولا أحد مُستثنى من الحاجة إلى نعمة الله الفدائيَّة.

ينالُ أي إنسان نعمة الله من خلال رجل واحد، يسوع المسيح. لذا يذهبُ إنجيل يسوع إلى كلِّ الأماكن وكلِّ فئات الناس، لأنَّ يسوع هو ربُّ الجميع.


تُرجِم هذا المقال ونُشِر بالاتفاق مع موقع Crossway.org، هذه المقالة جُزء مِن سلسلة "المسيح في كلِّ الأسفار" ويمكنك قراءة المقال الأصلي باللغة الإنجليزية من الرابط التالي: The Gospel in Acts