معجزة أن نصير مؤمنين

 كيف يحدث أن نصير مؤمنين؟ بالنسبة للبعض يسهل إجابة هذا السؤال عن طريق التأمل في خبرتهم الشخصية للخلاص، وهو الأمر الذي يتعين على كل مؤمن القيام به من وقت لآخر بهدف التشجيع. ولكن يفتقر البعض لإطار مرجعي يسمح لهم بإعطاء إجابة واثقة عن هذا السؤال.

وقد تُفاجئك معرفة أن إحدى أفضل الطرق لرؤية كيفية تحوُّلنا إلى الإيمان أو كيفية صيرورتنا مؤمنين، هي من خلال التأمل في قصة حقيقية وقعت أحداثها من ألفي عام بطلاها يسوع المسيح ورجل مصاب بالبَرَص. وسواء أردتَ تذكيرًا مفيدًا من كلمة الكتاب المقدس (لوقا ٥: ١٢- ١٥) أو وجدت نفسك تقرأ هذا المقال بحثًا عن إجابات، فإن هذه القصة تُروى من أجلك.

سجين داخل جلده

بينما تنقل يسوع من بلدة لأخرى معلنًا بشارة الملكوت، التقى رجلًا لم يُذكر اسمه في إحدى بلدات اليهودية يقول المقطع إنه "... مَمْلُوءٌ بَرَصًا..." (لوقا ٥: ١٢). كان مرضًا مرعبًا آنذاك، وتمكَّن المرض من الرجل بشكل كامل.

لم يكن البَرَص مؤلمًا فحسب، ولكنه حمل أيضًا وصمة عار للمصابين به. كل من أصابه المرض كان يُنفَى بعيدًا عن مجتمعه الأصلي. حُرم البُرْص من بركات عادية مثل التمتع بالوجود بين عائلة، أو مع صحبة الأصدقاء، كما من مزايا الوظيفة. وعند الاقتراب من آخرين، كان يتعين عليهم الصراخ قائلين "... نَجِسٌ، نَجِسٌ." (لاويين ١٣: ٤٥) بهدف تحذير مَن حولهم لئلا يتنجسوا حال اقترابهم من الأبرص.

عندما التقى هذا الرجل مع المسيح، كان وضعه أشبه بميتٍ يمشي، فقد كان سجين جلده، وكان يعي تمامًا حاجته للتطهر والشفاء.

بينما انتشرت الأخبار عن قدوم ذلك الواعظ المتجول إلى المدينة وهو الآتي "...، لِأُنَادِيَ لِلْمَأْسُورِينَ بِٱلْإِطْلَاقِ..." و"... لِأُبَشِّرَ ٱلْمَسَاكِينَ،..." (لوقا ٤: ١٨)، لا بد وأن الأنباء استرعت انتباه الرجل القابع تحت تلك الظروف المأساوية. لم يكن مفاجئًا إذًا حين التقى يسوع وجهًا لوجه، يُسجِّل لنا لوقا أنه "... خَرَّ عَلَى وَجْهِهِ وَطَلَبَ إِلَيْهِ قَائِلًا: «يَا سَيِّدُ، إِنْ أَرَدْتَ تَقْدِرْ أَنْ تُطَهِّرَنِي»" (لوقا ٥: ١٢). ويتضح لنا من تضرعه اليائس أنه كان على قناعة تامة بقدرة يسوع على شفائه، لكن تساؤلَه الأوحد دار حول ما إذا أراد يسوع أو لم يُرِد.

نرى من خلال النص أن يسوع يفعل ما لم يكن متصوَّرًا، إذ يمدُّ يده ويلمس الرجل. لم يكن أحد يلمس البُرْص في ذلك الوقت! ولكن بتحنن عميق، مدَّ يسوع يده ولمس الرجل، مُعبِّرًا بذلك عن إرادته في معالجة وضعه الميؤوس، وفي الحال برُأَ الرجل.

حالتنا الميؤوسة

إن تطهير الأبرص خير مثال على التطهير الروحي الذي يقدمه يسوع، حيث يُعد البَرَص أحد أوضح صور الكتاب المقدس التي تُجسِّد المأزق الذي نعيشه كوننا خطاة. وحياتنا، مثل قصة الرجل في لوقا ٥، اعتراها فساد أبدي. قد لا نعاني من علة جسدية، ولكن تنجست نفوسنا بسب بَرَص الخطية.

يتحدث الكتاب المقدس بوضوح عن أن الموت الروحي دخل إلى العالم نتيجةً لخطية آدم وحواء، وأخلَّ هذا الموت بشركة الله مع خليقته، ما أدى إلى اغتراب البشرية عن الله، وعبودية الخطية، ومشقات الحياة. في لحظة وحيدة من فشل البشر سُلب من الحياة كلِّها كمالها، وإتقان صنعها. ومن ذلك اليوم فصاعدًا اشترك كل إنسان في فساد آدم وحواء وذنبهما، إذ يولد كل منَّا سجين جسده، وكلنا ميتٌ يمشي. كل يوم تواجهنا طبيعة حالتنا المُفسَدة.

ويمكن أن نرى دلائل تمردنا في كل ما حولنا، في الإثم الذي يجتاح مجتمعاتنا، كما في شهواتنا الشخصية أيضًا، وريائنا، وغيرتنا، ومخاوفنا، وحتى في قلب أطفالنا المتمرد. ونرى تمردنا في شعورنا بالاستياء، وخيبة أملنا، وندمنا، وكبريائنا. يعاني البشر من جميع هذه الأمور إذ تصيب الرجال والنساء كوباء الطاعون القاتل، وتُفسد حياتنا، وتدمر بيوتنا، وتسلبنا كل مشاعر الرضا والسلام الدائمَين.

تكمن خطورة وضعنا في عجزنا الحقيقي عن تصحيح ظروفنا. إذا كان ليوجد إنقاذ لنا، فلا بد أن يأتي من خارجنا.

تحنُّن المسيح العميق

كما تغرَّب الرجل الأبرص بعيدًا عن مجتمعه، كذلك أصبحنا نحن غرباء عن الله، وفي حاجة ماسة للمصالحة معه. ولأن الخطية لوثتنا ولطخت قلوبنا، نحن عطشى لغفرانه أيضًا. وما لم يأتِ أحدهم من خارجنا ليفعل بدلًا عنا ما نعجز نحن عن نفعله لأنفسنا، فالحُكم ضدنا بالضياع، والعبودية، والموت باقٍ، ولا بارقة رجاء أمامنا.

ولكن الأخبار السارة أنه في اللحظة المناسبة تمامًا، حين يتبدد كل رجاء لنا بالنجاة، يأتي المسيح.

في اقتراب المسيح من الرجل الأبرص، يدلِّل لنا عن كيفية مجيء ملكوته. فكأنما يقول المسيح لنا: "أنا مستعد لأن أصير مثلك، إنسانًا تحت الدينونة، حتى تتمكن أنت من أن تصير مثلي وتتمتع بكل الحرية والغفران المُقدَّمَين لك". يروي الإنجيل قصة هذه المبادلة العظمى، المبادلة التي تقع عند الصليب، حيث أخذ يسوع مكاننا وحمل عنا غضب الله المستحَق على خطايانا حتى نتمكن من قبول البِرّ الذي لا يستحقه أي منا.

لهذا السبب قصة الإنجيل جذابة للغاية، حيث يقول الرسول بولس: "وَلَكِنَّ ٱللهَ بَيَّنَ مَحَبَّتَهُ لَنَا، لِأَنَّهُ وَنَحْنُ بَعْدُ خُطَاةٌ مَاتَ ٱلْمَسِيحُ لِأَجْلِنَا." (رومية ٥: ٨)، ويتناول الرسول بطرس نفس الموضوع فيقول "فَإِنَّ ٱلْمَسِيحَ أَيْضًا تَأَلَّمَ مَرَّةً وَاحِدَةً مِنْ أَجْلِ ٱلْخَطَايَا، ٱلْبَارُّ مِنْ أَجْلِ ٱلْأَثَمَةِ، لِكَيْ يُقَرِّبَنَا إِلَى ٱللهِ،..." (بطرس الأولى ٣: ١٨). بتعبير آخر إذا كانت حالتنا الراهنة هي الاغتراب عن الله، أي تحنُّن هذا الذي أظهره الله حتى يقدِّم في ابنه المصالحة التي نحتاجها! نعم، نحتاج إلى مُصالِح. نعجز عن مصالحة أنفسنا بأنفسنا تمامًا كما يعجز الأبرص عن تطهير جروحه والتغيير من حالته.

العلاج المتحنِّن من الله

لا يتأتى الشفاء من طبيعتنا الخاطئة إلا حين نتجاوب مع رسالة الإنجيل. ففي حالة الأبرص، لم تكن المعرفة المجرَّدة بقدرة المسيح على الشفاء كافية لشفائه. وهكذا الحال معنا، فالإقرار عقليًا بأن الله يخلِّص لا يتساوى مع الإيمان المُخلِّص. حتى نصير مؤمنين، فإن إيماننا يجب أن يتضمن ثلاثة عناصر على الأقل:

  1. الإقرار بعجزنا التام.
  2. الإيمان بأن يسوع قدم لنا البِرّ الذي نحتاجه.
  3.  إلقاء رجائنا على رحمته الإلهية.

يقودنا ذلك إلى سؤال مهم: كيف يُمكن أن يحدث ذلك؟ إذا فهمنا عجز حالتنا فهمًا دقيقًا، وعلمنا أننا تائهون، ومستعبَدون، وبالحقيقة موتى في خطايانا. وضعنا غاية في السوء حتى أننا من أنفسنا لن نطلب ولن نستطيع حتى التفكير في طلب الغفران الذي قدَّمه الله. نعجز عن التقدم نحو المسيح بقوتنا. وليست الثقة في المسيح جزء من طبيعتنا، بل على العكس، فإن طبيعتنا هي عصيانه. ولذا فإنه حتى قبل الإقرار بعجزنا، أو الإيمان بما قدمه يسوع لنا، أو إلقاء أنفسنا على رحمته، يتعين علينا إدراك أولًا أن الأمر يتطلب معجزة.

إن الأخبار السارة هي أن ما يُتمِّمه الله في حياة كل مؤمن هو معجزة، لا أقل. فالله يعمل في داخلنا لخلق ما نعجز نحن عن فعله من خلال إنسانيتنا المائتة. يخلق الله حياةً في نفوس ميتة بواسطة ميلاد جديد (يوحنا ٣: ١- ٧). ودائمًا ما يتمِّم الله ذلك بنفس الطريقة، بكلمته وبروحه. وعندما يتكلم إلى دواخلنا، يمكننا حقًا استيعاب الأخبار السارة والتجاوب معها -سواء سمعناها للمرة الأولى أو الألف.

يُعلمنا إنجيل يوحنا أن كل من يؤمن بالمسيح مولود "... لَيْسَ مِنْ دَمٍ، وَلَا مِنْ مَشِيئَةِ جَسَدٍ، وَلَا مِنْ مَشِيئَةِ رَجُلٍ، بَلْ مِنَ ٱللهِ." (يوحنا ١: ١٣). لا يجب أن نتصور الله واقفًا عاجزًا منتظرًا ليرى إن كنا سنقرر "طلبه". هل طلب آدم وحواء الله بعد سقوطهما؟ كلا، بل كان الله هو من طلبهما! لهذا السبب يتعين على المؤمنين أن يكونوا أكثر الناس اتضاعًا. فعلى الرغم من هروبنا بعيدًا عن الله، إلا أنه بحث عنا وأعطانا حياة لم يكن في استطاعتنا الحصول عليها أبدًا بالاعتماد على أنفسنا.

ومثل الرجل الأبرص، نحتاج إلى معجزة تأتي من خارجنا لتشفي وضعنا المتردي. هل بدأت ترى بأنك أخطأت تجاه الله وأنك مستحّق غضبه؟ هل بدأت تشعر بأن الله الآب أرسل يسوع ليمنحك المغفرة؟ إذا كانت إجابتك بنعم، فإن هذا هو عمل روح الله.

إذا بدأ ضميرك الخاطئ بالصراخ قائلًا "يَا سَيِّدُ، إِنْ أَرَدْتَ تَقْدِرْ أَنْ تُطَهِّرَنِي"، فثق تمامًا أنك ستسمعه يجيب: "أُرِيدُ، فَٱطْهُرْ!"


تُرجِم هذا المقال ونُشِر بالاتفاق مع موقع Truth For Life وضمن سلسلة من المقالات القيّمة التي ستقوم خدمة "الصورة" بنشرها باللغة العربية.

يمكنكم قراءة المقال الأصلي باللغة الإنجليزية من خلال الرابط: What Does the Bible Teach about Becoming a Christian?