ميلاد المسيح والشعور بالذنب

كنت أتحدَّث في اجتماعٍ للشباب عن مشكلة الخطيَّة، وعن الخلاص في المسيحيَّة وخاصَّةً عن الفرق بين الاتِّكال على النعمة والاتِّكال على الأعمال في الخلاص سواء من عقاب الخطيَّة أو سلطانها وسيادتها. وفي وقت الأسئلة الذي كان يعقب العظة، سألتني إحدى الشابَّات التي كان يبدو عليها الذكاء والتركيز طوال العظة: "لماذا تقوم المسيحيَّة بشكلٍ كبير على بثِّ الشعور بالذنب في قلوب الناس؟".

كان سؤالاً مُفاجئًا. للإجابة، قضيتُ وقتًا أحاول فيه مساعدتها للتفرقة بين "الذنب" و"الشعور بالذنب".[1] وبعدها حاولتُ أفهِّمها أنَّ رسالة المسيحيَّة لا تخلق الذنبَ، بل تكشفه لأنَّه موجود بالفعل، والأهمُّ هو أنَّها الرسالة الوحيدة التي تقدِّم حلًّا حقيقيًّا للذنب وللشعور به.

"الذنب" و"الشعور بالذنب" مرتبطان بشدَّة لكنَّهما ليسا متطابقين. يكون الإنسان مُذنِبًا عندما يكسر وصايا الله الأخلاقيَّة. فالإنسان مذنبٌ في حقِّ الله عندما يعصيه سواء شعر بهذا العصيان أم لم يشعر به تمامًا، مثلما تنال غرامة مادِّيَّة عندما تتعدَّى السرعة المُحدَّدة في أثناء قيادتك لسيَّارتك سواء رأيت كاميرا السرعة أم لا. الوضع الطبيعيُّ هو أن يشعر الإنسان بالذنب عندما يُخطئ ويكون مذنبًا. ولكن عادةً ما ينخفض، وربَّما يختفي، شعور الإنسان بالذنب عندما يستبيح في تكرار إحدى الخطايا. ولكنَّ انخفاض أو اختفاء الشعور بالذنب بعد ارتكاب خطيَّةٍ ما، لا يقلِّل من جُرمها. فالجُرم لا يُقاس على أساس الشعور الذي يلي الخطيَّة، بل يُقاس بالمعيار الإلهيِّ غير المتغيِّر. وعلى الصعيد الآخر، يمكن لضمائرنا أن تشعر بالذنب دونما نكون مجرمين في حقِّ الوصايا الإلهيَّة المُعلَنة. هذا ما فعله الفرِّيسيُّون عندما كانوا يُشعِرون الناس بالذنب عندما لا يغسلون أيديهم قبل الأكل معتبرين ذلك كسرًا لوصيَّة إلهيَّة (راجع مرقس ٧).

ما حاولت تأكيده في إجابتي للمتسائلة هو أنَّ الرسالة المسيحيَّة لا تخلق الذنبَ، بل تكشف حقيقة وجوده. وشرح كلمة الله عادةً ما يُنهِض الضمير خاصَّةً ذلك الذي اعتادَ الخطيَّة وأدمنَ إسكات الشعور بالذنب. ولكنَّ الرسالةَ المسيحيَّةَ، الخبرَ السارَّ، لا تتوقَّف عند كشف المشكلة، بل إنَّها تقدِّم الحلَّ الوحيد لها. في الحقيقة، تحاول معظم المعتقدات والفلسفات أن تتعامل بطريقة أو بأخرى مع الذنب والشعور به. يكون هذا عادةً بتشجيع الإنسان على النسيان، أو تجاهل هذا الشعور والانشغال بأمورٍ أخرى، أو بعمل بعض الأعمال الصالحة لكي تعادل أو تلغي هذه الذنوب وتسكت صوت الضمير المنادي: "مذنب"!

لكنَّ المسيحية تقدِّم خبرًا سارًّا. فقد وُلِد يسوع المسيح في عالمنا لكي يحقِّق خلاصًا مجيدًا أحد أبعاده هو التعامل مع الذنب بأخذه دينونته، والتعامل مع الشعور بالذنب بإعطاء وعوده بالغفران، وهذا كلُّه متاحٌ لكلِّ مَن يؤمن بيسوع الذي «يُخَلِّصُ شَعْبَهُ مِنْ خَطَايَاهُمْ» (متَّى ١: ٢١).

نقرأ في رومية ٨: ١، ٣: «إِذًا لَا شَيْءَ مِنَ الدَّيْنُونَةِ [لا يُوجد حكم "مُذنب/مُدان"] الْآنَ عَلَى الَّذِينَ هُمْ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ... لِأَنَّهُ مَا كَانَ النَّامُوسُ عَاجِزًا عَنْهُ [ما تفشل فيه كلُّ أعمالنا وحسناتنا وطاعتنا]، فِي مَا كَانَ ضَعِيفًا بِالْجَسَدِ، فَاللهُ إِذْ أَرْسَلَ ابْنَهُ فِي شِبْهِ جَسَدِ الْخَطِيَّةِ، وَلِأَجْلِ الْخَطِيَّةِ، دَانَ الْخَطِيَّةَ فِي الْجَسَدِ [أي جسد المسيح]».

يمكننا قراءة العدد الأوَّل على أنَّه وعد بأن يتعامل الله مع الذنب. فهو وعد من الله أن يرفع "الآن" الدينونة الواقعة علينا بسبب ذنوبنا. هذا وعد وليس أمنيَّة بعيدة المنال. وأساس هذا الوعد راسخ. فالأمر ليس وكأنَّ الله تجاهل مشكلة الذنب، ولا هو يدعونا لأن ننسى الذنب أو نتجاهل مشكلته أو نحاربه بأعمالنا الصالحة. لكنَّ أساس هذا الوعد هو أحدُ أهمِّ أسباب إرسال الله لابنه. "فَاللهُ إِذْ أَرْسَلَ ابْنَهُ... دَانَ الْخَطِيَّةَ فِي الْجَسَدِ". نعم لا دينونة على من يضعون ثقتهم في المسيح، لأنَّ الله تعامل مع ذنب الخطيَّة في موت المسيح يسوع.

وُلِد المسيح يسوع، لكي يحمل عنك الذنب.

عاش يسوع المسيح لكي يحمل عنك الذنب.

مات يسوع المسيح وقام لكي يحمل عنك الذنب.

نعم، أرسل الله ابنه لكيلا تبقى أسيرًا للشعور بالذنب.

وُلِد يسوع وعاش ومات وقام لكي تكون حرًّا من حكم الذنب، حرًّا لكي تحبَّ مَن حرَّرك، حرًّا لكي تفرح بمخلِّصك، حرًّا لكي تحارب الخطيَّة كمن تحرَّر من ذنبها، حرًّا لكي تحارب الشعور بالذنب بوعوده بالغفران، حرًّا لكي تخبِّر الآخرين بأنَّ ميلاد يسوع كان ميلادًا لحياة الحرِّيَّة لضميرك الذي كان قبلاً أسيرًا، وموت يسوع كان موتًا لحياة العبوديَّة للذنب. كانت هذه الدعوة بالحرِّيَّة مُقدَّمة لصديقتي صاحبة السؤال، والآن أقدِّمها لك. ميلاد المسيح وموته وقيامته دعوة لأن تأتي بذنبك عند أقدامه لتأخذ منه هديَّة الميلاد، ضميرٌ حرٌّ ليخدم الله الحيَّ.


[1] بحسب ما أتذكَّر أوَّل من لفت انتباهي ببساطة ووضوح لهذه الفكرة هو اللاهوتيُّ أر. سي. سبرول.