عنصران أساسيان للوعظ التَّفسيريّ

كان ويليام ستيل William Still أحد خدام بآبردين، بسكوتلندا المعروفين بالتزامه بالوعظ التَّفسيريّ. قيل إنه في أحد المناسبات علَّق أحد الزوار أثناء تحية ستيل في نهاية العظة قائلًا: "لكن يا سيد ستيل، أنت لا تعظ." سأله ستيل عن قصده، فرد الرجل: "حسنًا، أنت فقط تأخذ مقطعًا من الكتاب المُقدّس وتشرح معناه." أجابه ستيل: "أخي، هذا يُدعى الوعظ."

يتبع ستيل وآخرون مثله نهج الوعظ التَّفسيريّ الذي أسسه عزرا ورفاقه في نحميا ٨ حين يقرأ الرجال الأتقياء كتاب الله ويشرحونه بحيث يتسنى للمستمعين فهم ما يدعوهم النص لفهمه أو عمله. على أن هذه القصيرة تثير سؤالًا هامًا: ما هي المبادئ الأساسية للوعظ التَّفسيريّ؟

إجلال النص الكتابي المقدَّس

أول كل شيء يبدأ الوعظ التَّفسيريّ دائمًا بنص من الكلمة المُقدّسة. ولا يعني هذا أننا يجب أن نبدأ كل عظة بالعبارة: "رجاءً افتحوا كتبكم المُقدّسة لنقرأ من ..."، لكنه قطعًا يعني أننا حتى إذا بدأنا عظاتنا بموضوع هامشي -مشيرين مثلًا إلى حدث يكثر الحديث حوله، أو حتى كلمات إحدى الترانيم المعاصرة- فإننا نُبقي على الكلمة المُقدّسة كأساس يُبنى عليه برنامج عظتنا.

لا يبدأ الواعظ التَّفسيريّ بفكرة أو بتوضيح يشرح فكرته ومن ثم يبحث عن المقطع الكتابي الملائم! لا، بل يبدأ بالكلمة المُقدّسة نفسها ثم يسمح للنص المقدَّس بوضع إطار العظة ومحتواها.

كما قال جون ستوت John Stott: "كل الوعظ المسيحي الحقيقي هو وعظ تفسيري."١ إذا تأملنا الوعظ التَّفسيريّ على أنه مجرد واحد من أساليب وعظ متعددة، فنحن نسلك الطريق الخطأ. في واقع الأمر لا يُعدُّ الوعظُ وعظًا حتى نتوجه إلى أحد المقاطع الكتابية موضِّحين معناه. حتى إذا اعتمدتَ أسلوب العظات الموضوعية (متناولًا موضوعًا بعينه)، فأنت تفنِّد نصًا (أو أكثر) معيَّنًا من الكلمة المُقدّسة -مثل يعقوب ١ للحديث حول التجارِب- بدلًا من أن نجوب الكتاب المُقدّس ذهابًا وإيابًا مستشهدًا بآيات من هنا ومن هناك لمجرد أنها ترتبط برسالتك. إذا تبنيتَ أسلوب العظات الموضوعية، فما يزال عليك الوعظ بطريقة تفسيرية أيضًا.

إذا كنا سنقدِّم الكتاب المُقدّس إلى شعب كنيستنا بهذه الطريقة، فعلينا تجنُّب إلقاء عبارات لاهوتية ضخمة وعسرة الفهم أمامهم. فإننا بذلك نشبه الجزار الذي يُقطِّع قطعًا كبيرة من اللحم ويقدِّمها لك قائلًا: "أجائع أنت؟ اقضم هذه!" إن مهمة الواعظ، كما يقول ستوت هي كشف المُخفَى، وتبسيط المبهم، وتفكيك المُعقَّد، وتفنيد ما يصعب فهمه.٢ تلقينا هذه الدعوة حتى نتمم العمل الجاد في إجابة أسئلة حضور الكنيسة، الذين مثلهم مثل الخصيّ الحبشيّ حين سُئل: "أَلَعَلَّكَ تَفْهَمُ مَا أَنْتَ تَقْرَأُ؟"، فأجاب: "كَيْفَ يُمْكِنُنِي إِنْ لَمْ يُرْشِدْنِي أَحَدٌ؟" (أعمال الرُّسل ٨: ٣٠، ٣١). إن شرح النص الكتابي هو الامتياز العظيم الممنوح للواعظ التَّفسيريّ.

دمج النص مع العالم

في حين يبدأ الوعظ التَّفسيريّ بنص كتابي، فلا هو يعني تلاوة بعض العبارات التَّفسيريّة ولا هو ينطوي على حبات متراصة من دراسة معاني الكلمات مُركَّبةً معًا ومُزيَّنةً ببعض الإيضاحات. لا يجب أبدًا أن نفكر في الوعظ التَّفسيريّ على أنه اكتشاف عقيدة مركزية موجودة في نص ومن ثم إعلانها. كل هذه عناصر ومكوِّنات مهمة للوعظ، لكن الوعظ التَّفسيريّ يحقق ما هو أكثر من ذلك،

إذ يسعي الوعظ التَّفسيريّ للجمع بين العالم وحكمة الكتاب المُقدّس لشرح العالم الذي نحيا فيه الآن.

قد نعظ باستخدام الطريقة التَّفسيريّة -أي نقدِّم شرحًا نقديًا للنص- لكننا نفشل في الإجابة عن السؤال: "وماذا بعد؟". حين طلبت الجماعة من عزرا أن "يَأْتِيَ بِسِفْرِ شَرِيعَةِ مُوسَى ٱلَّتِي أَمَرَ بِهَا ٱلرَّبُّ إِسْرَائِيلَ" (نحميا ٨: ١) وقام عزرا بالوعظ، لم يكن الشعب أبدًا ليصنعوا مظالَّ (نحميا ٨: ١٣- ١٨) أعلى سقوف بيوتهم ما لم يقل لهم عزرا إن هذه كيفية تطبيق الحق الإلهي في زمانهم ووقتهم.

إذًا وبينما نُقرُّ بصحة ما قاله جون ستيل في التأكيد على أن الوعظ في أساسه ما هو إلا شرح أحد مقاطع الكلمة المُقدّسة، فإننا نعمل حسنًا حين نُضمِّن وعظنا ما هو أكثر من المعلومات المجردة. التفسير الصحيح يجب أن يكون ذا بُعد نَبَوِيّ يترك السامعين متيقنين أن ما سمعوه للتو نابع من الإله الحي. يجب أن يترك الوعظ فيهم ولو لمحة عابرة بأن كاتب هذا السفر الذي يدرسونه يعرفهم. فيما نكشف حقيقة كلمة الرّبّ كشفًا أمينًا، نفتح روح السامعين على ما هو أكثر من كلمات بالية ينطقها بشر.

تتعلق مهمة الواعظ في تفسيره بإعلان ما تقوله الكلمة المُقدّسة، وتفصيل معانيها، وإرساء تطبيقاتها بحيث لا يخطئ أحد ملاءمتها لزماننا ومكاننا. وعظ كهذا يشجع السامعين لفهم كيفية بقاء رسالة كُتبت في القرن الأول في كورنثوس ملائمةً لجماعة في القرن الحادي والعشرين يعيشون في زماننا الحديث ومدننا المتطوِّرة اليوم.

نعجز كوُعَّاظ عن فعل هذا بقوتنا الذاتية، إذ تعوزنا قوة الرّبّ. لأنه ما لم يقوينا حتى نُظِهر للناس أن كلمة الله هي الحق الأكثر نفعًا وحياةً وجرأةً وجاذبيةً من كل ما سيقرأون في حياتهم، فإن وعظنا سيدفع بالسامعين نحو الجمود الفكري واعتبار كلمة الله مثل أي قطعة أدب عالمية أخرى. وهكذا يلزمنا التفكير الواضح، والعمل الجاد، والسجود بوجهنا إلى الأرض أمام إلهنا بين الحين والآخر، وبعدها -بنعمته- نجمع شتات أنفسنا ونحاول مرة ومرات إلى أن يتضح أمامنا أن الله بالفعل يُعظِّم كلمته فيما تتدفق على ألسنتنا.

هذا المقال مُقتبس عن عظة "طبيعة الوعط التّفسيريّ" لأليستر بيج


١  John Stott, Between Two Worlds: The Art of Preaching in the Twentieth Century (Grand Rapids: Eerdmans, 1982), 125.

٢ Stott, 92.


تُرجِم هذا المقال ونُشِر بالاتفاق مع موقع Truth For Life وضمن سلسلة من المقالات القيّمة التي ستقوم خدمة "الصورة" بنشرها باللغة العربية.

يمكنكم قراءة المقال الأصلي باللغة الإنجليزية من خلال الرابط: Two Vital Elements of Expository Preaching