٦ أسباب تجعلنا في حاجة إلى قراءة المزيد!

لقد كان يومًا طويلاً. أنجزتَ مهامَّك اليوميَّة في العمل، وتناولتَ عشاءك، واستمتعتَ ببعض الوقت مع أسرتك، ثمَّ وضعتَ الأطفال في أسرَّتهم. والآن، حان وقتك الخاصُّ. فماذا عساك أن تفعل؟ هل تبحث عن مسلسلٍ جديدٍ على نتفليكس Netflix؟ أم تمسك بذراع التحكُّم لتلعب لعبة فيديو جديدة؟

تخيَّل نفسك جالسًا في غرفة انتظار مزدحمة بعيادة الطبيب. ومن خلال تجاربك السابقة وعدد المنتظرين من حولك، تعلم أنَّك ستنتظر وقتًا طويلاً. وبشكلٍ شبه تلقائيٍّ، تُخرِج هاتفك لتتصفَّح مواقع التواصل الاجتماعيِّ في محاولة لقتل الوقت.

هل لي أن أقترح عليك خيارًا آخر في مثل هذه اللحظات؛ وغيرها من المواقف التي نواجهها كثيرًا؟ بدلاً من أن تلجأ مباشرةً إلى التلفاز أو الهاتف، لمَ لا تستثمر ذلك الوقت في القراءة؟

تثير القراءة لدى الكثيرين مشاعرَ النفور، كما لو أنَّ أظافر تخدش سبُّورة! ومع أنَّ القراءة تبدو وكأنَّها فنٌّ اندثر، إلَّا أنَّ قيمتها كانت وما تزال موضعَ تقديرٍ عبر التاريخ البشريِّ. وأعتقد أنَّ على مجتمعاتنا أن تعيد الاعتبار لهذا النشاط العميق، لا سيَّما نحن المسيحيِّين.

ستَّة أسباب تدعو المسيحيِّين إلى القراءة

1- لأنَّ الله أعلن ذاته بالكلمة المكتوبة

السبيل الذي نعرف به أنا وأنت مَن هو الله إنَّما هو الكتاب المقدَّس. فمن دونه، ما كنَّا لنعرف يسوع، ولا البشارة العظيمة بالإنجيل! ما كنَّا لندرك نعمة الله المذهلة، ولا بغضه للخطيَّة، ولا الحقيقة المروِّعة بأنَّنا جميعًا نستحقُّ الموت. كنَّا سنظلُّ في جهلٍ بالرجاء المجيد الذي أعدَّه الله للذين يثقون به، ذلك الموضع الذي لا يكون فيه خطيَّة ولا ألم. لقد أعلن الله ذاته لنا، وأعطانا كلمته لكي نقرأها، وندرسها، ونحفظها، ونتأمَّل فيها، بل ونكنزها في قلوبنا.

ومع ذلك، فإنَّ عددًا متزايدًا من الإنجيليِّين يُعْرِضون عن قراءة الكلمة. ثمَّة عوامل عديدة تُسهم في ذلك، لكن يبدو أنَّ أحد الأسباب الجوهريَّة هو ببساطة أنَّ عددًا أقلَّ من الناس باتوا يقرؤون.

أنا أحبُّ الجري. عندما أتمرَّن بانتظامٍ، أستطيع بسهولة أن أخرج وأجري خمسة أميال بوتيرة مريحة دون مشقَّة تُذكَر. لكن إن حاولت قطع المسافة نفسها بعد انقطاع دام أشهر، فغالبًا ما أُصاب بالإرهاق الشديد، وربَّما أغيب عن الوعي. لماذا؟ لأنَّ لياقتي تراجعت. جسدي لم يعد قادرًا على تحمُّل هذا النوع من الضغط، وعليَّ أن أبذل جهدًا لأستعيد قدرتي على أداء النشاط المُجهِد من جديد.

لقد وجدتُ أنَّ الأمر ذاته ينطبق على القراءة. فعندما أمرُّ بفترة تنشغل فيها أوقاتي بمتابعة المسلسلات التلفزيونيَّة أو ألعاب الفيديو بدلاً من الكتب، أجد أنَّ العودة إلى القراءة تصبح أمرًا شاقًّا. أحتاج إلى أن أعيد ترويض ذهني، وأن أدرِّب نفسي على التحمُّل والانتباه، بعدما أُغرقَتْ في صور مرئيَّة سهلة الهضم، عوضًا عن الجهد العقليِّ العميق الذي تتطلَّبه القراءة. وأنا، كغيري، أستمتع بمسلسلٍ جيِّد على إحدى القنوات أو لعبة مسلِّية، فالمقصود هنا ليس التهجُّم على هذه الوسائل الترفيهيَّة، بل تصويب اعتمادنا المُفرِط عليها الذي يجعلنا نهمل القراءة.

فإن لم يكن المؤمنون في "لياقة قرائيَّة" (Reading-shape)، فستتأثَّر حتمًا قدرتهم على قراءة كلمة الله ودراستها.

2- لأنَّ القراءة شكلٌ من أشكال التلمذة

لقد تسلَّلت الفرديَّة التي تطبع مجتمعنا المعاصر إلى طريقة تفكيرنا، حتَّى أصبحنا نظنُّ أنَّ مسيرتنا الروحيَّة هي مسألة بيننا وبين الله فقط. غير أنَّ الكتاب المقدَّس يقدِّم صورةً أكثر جماعيَّة للإيمان المسيحيِّ، إذ يُعلِّمنا أنَّنا أعضاءُ جسدٍ واحد. نحن في حاجةٍ بعضُنا إلى بعضٍ: للتشجيع، والتقويم، والمحبَّة، والعون، والتعليم.

وأحد السبل التي يمكننا أن نتعلَّم بها من الآخرين هو قراءة كتبهم. فعندما نقرأ، فإنَّنا نُقرُّ بأنَّنا لا نعرف كلَّ شيء، وأنَّنا مستعدُّون لنتعلَّم من غيرنا. لقد منح اللهُ رجالاً ونساءً مواهبَ في الكتابة، وباركنا بفرصة أن نتعلَّم من دراساتهم للكتاب المقدَّس ومن خبراتهم. وإذا كان الله قد أعطى كنيسته معلِّمين (أفسس ٤: ١١)، فمعنى ذلك أنَّ المسيحيِّين مدعوُّون أن يتعلَّموا، أي أن يكونوا أيضًا قرَّاءً.

تجد صعوبة في فهم عقيدة الثالوث؟ أنصحك بقراءة كتاب "Delighting in the Trinity".  ترغب في فهمٍ أعمق لصفات الله وقداسته؟ اقرأ "The Attributes of God " (صفات الله) [متاح باللغة العربية في سلسلة الكلاسيكيات المسيحية] وThe Holiness of God (قداسة الله). تشعر بالإرهاق والانشغال؟ جرِّب Crazy Busy. تُصارع الغضب؟ اقرأ Good and Angry. ولا تخف من أن تطلب ترشيحات للكتب من أصدقاء كثيري القراءة! فأنا شخصيًّا أستمتع بالحصول على توصيات من أصدقائي أو من مدوَّنات تساعدني على متابعة أحدث الإصدارات.

3- لأنَّ لغة القراءة مهمَّة

في كتابه Lit! ، يبيِّن توني راينكي Tony Reinke حاجتنا في كلِّ ثقافة إلى كلٍّ من الصور البصريَّة واللغة. غير أنَّ ثقافتنا الحديثة قد مالت ميلاً مفرطًا نحو الصورة، وأهملت اللغة في كثيرٍ من الأحيان. وبينما كلتاهما ضروريَّتان، فإنَّ اللغة تمتاز بالدقَّة والقدرة على التعبير عن حقائق مجرَّدة أو غير مرئيَّة (مثل الله، والسماء، والملائكة، والشعور بالذنب، والتبكيت، إلخ). الصور تُعبِّر أيضًا، لكنَّ قدرتها محدودة. قد تُحزِنُني صورة رجلٍ يبكي، لكنَّني لا أعرف سبب بكائه دون كلمات. وغالبًا ما تزداد قوَّة الصورة إذا سمعنا القصَّة الكامنة وراءها، لكنَّ هذا لا يمكن أن يحدث من دون اللغة. يقول راينكي: "اللغة هي الأساس في علاقتنا بالله، وهي وسيلة شخصيَّة عميقة لنختبره".

إذا لم يكن المسيحيُّون قرَّاءً، فسيخسرون تدريجيًّا القدرة أو الصبر على استنباط المعنى من الكلمات. فالصور أسهل، وتتطلَّب جهدًا أقلَّ، وهذا ما يدفعنا غالبًا إلى الانجذاب نحو التلفاز بدلاً من الكتاب. وكما يقول توني راينكي أيضًا: "إنَّ الجهد العقليَّ المطلوب لاستخلاص الفائدة من الكتب يتعارض مع الجاذبيَّة الفوريَّة للصور". ومن ثمَّ، "فالمسألة المهمَّة هي ما إذا كان المسيحيُّون سيتحلَّون بما يكفي من الصبر لاكتشاف المعنى الكامن في الكلمات، أو ما إذا كنَّا سنرضى باللذَّات السطحيَّة التي تقدِّمها لنا الصور المتغيِّرة بسرعة في ثقافتنا".

حتَّى شخصيَّات "الأومبا لومبا" (Oompa-Loompa) في قصَّة "تشارلي ومصنع الشوكولاتة" حذَّروا من خطورة الإفراط في مشاهدة التلفاز، وقالوا:

يُفسدُ ما لدينا من حواسَّ ويقتلُ في العقولِ خيالَ ناس ويُغلقُ بابَ فكرٍ كان حرًّا ويُغرقُهُ بفوضى دونَ قياس ويجعلُ عقلَ طفلٍ طَيِّبِ القلبِ طريًّا مثلَ جبنٍ دونَ بأس ويُطفئُ فيه نورَ الفكرِ حتَّى يعيش فقط ينظر ولا يدري الأساس!

يجب أن نكون قادرين على أكثر من مجرَّد الرؤية؛ يجب أن نفكِّر ونستخدم اللغة. فالإنجيل، في نهاية المطاف، هي رسالة تُعلَن!

4- لأنَّ القراءة تُساعدنا على التفكير خارج الصندوق

كلُّنا نتشكَّل تلقائيًا بحسب المكان والزمان اللذين نعيش فيهما، وبحسب وجهات النظر التي تحيط بنا. ومن السهل أن نُكوِّن افتراضات مُسبَّقة لا ندركها. الخروج من سياقنا المألوف يكشف غالبًا عن هذه الافتراضات ويساعدنا على رؤية ما هو أبعد من ذواتنا.

ولهذا السبب، من المفيد أن نقرأ على نطاقٍ واسع. نقرأ لأناس من ثقافات مختلفة. نقرأ لأناس من عصور مختلفة. نقرأ لأناس يفكِّرون بشكلٍ مختلف ولديهم آراء متباينة. القراءة الواسعة تتحدَّى نقاط الضعف في طريقة تفكيرنا، وتسمح لنا بالنظر إلى القضايا من زاوية أخرى.

5- لأنَّ القراءة تُساعدنا على إدراك حاجات الآخرين والتعاطف معهم

قد يكون من الصعب أن نفهم أو نتعاطف مع بعض الأشخاص أو المواقف، لأنَّ خبراتنا محدودة. فالقراءة تتيح لنا نافذة نطلُّ من خلالها على معاناة وتجارب الآخرين. كما قال تيم تشاليز Tim Challies: "الكتب تُمكِّنك من النموِّ في فهم تحدِّيات الآخرين، وأفراحهم، وتجاربهم. وهذا بدوره يساعدك على النموِّ في رحمتك وقدرتك على المحبَّة".

قد لا أعرف كيف يكون الألم والمعاناة مع مشكلة العقم، لكنَّ قراءة كتاب Longing for Motherhood لـ تشيلسي سوبوليك، أو Walking Through  لـ ـماثيو أربو قد تساعدني على التعاطف مع من يعانون ذلك. وبما أنِّي لا أرى تجارة البشر في حياتي اليوميَّة، فقد أكون غافلاً عمَّا يحدث، لكنَّ قراءة كتاب Vulnerable لـ رالي سادلر قد تفتح عينيَّ على تلك الحقيقة المريعة. قد أكون نسيت كثيرًا من معاناة العزوبيَّة، لكنَّ قراءة 7 Myths About Singleness لـ سام ألبيري تساعدني على الفهم والتواصل والخدمة بشكلٍ أفضل. في كثيرٍ من الموضوعات المتنوِّعة، تفتح القراءة أبوابًا كانت مغلقة أمامي بسبب قلَّة خبرتي.

6- لأنَّ القراءة تُلهِمنا

سواء كان ذلك من خلال شخصيَّة خياليَّة مثل " فرودو" [من سلسلة سيِّد الخواتم] الذي تحدَّى كلَّ الصعاب ليقهر الشرَّ، أو من خلال مثالٍ حقيقيٍّ للشجاعة في سيرة ذاتيَّة مكتوبة بإتقان، كلُّنا نستمدُّ الإلهام من القصص. الحياة صعبة، وغالبًا ما نعجز عن رؤية الجمال وسط الألم، لكنَّ أحيانًا يستخدم الله قصَّة ملهمة ليمنحنا التشجيع اللازم لنثابر.

أخي المسيحي، لنحبَّ الربَّ إلهنا من كلِّ فِكْرِنا! ولنزدَادْ يومًا بعد يوم شوقًا لمعرفة المزيد عن مَنْ هو الله وعن صنيعه. لنغتسل يوميًّا من ينابيع الكتاب المقدَّس وننغمس في جلال وعظمة الله. لنتعلَّم من حكمة الله التي أودعها في قلوب المؤمنين بقراءة كتبهم. لِنَغُصْ في الأعمال اللاهوتيَّة العميقة أو الكتب النافعة في الحياة المسيحيَّة. لندرس وجهات نظر الآخرين من خلال قراءة حججهم، ولنوسِّع خيالنا بقراءة الروايات، ولنستفِد من الماضي بقراءة التاريخ. ومع الزمن، ستصبح القراءة متعة! كما قال الدكتور "سيوس" Seuss: "يا للمغامرات التي ستخوضها، فقط إن أخذت الوقت للقراءة!". 


يَشْغَلُ جيمس ويليامز James Williams منصبَ القسِّ المساعد في كَنيسة FBC أتلانتا بتكساس، ويعمل كاتبًا في فريق GCD. هو وزوجته جيني لديهم أربعة أطفال، ويشاركان بنشاط في خدمة رعاية الأطفال بالتبنِّي. يتميَّز جيمس بشغفه في التأمُّل بجمال الله ومساعدة الآخرين على أن يفعلوا ذلك أيضًا.


تُرجِم هذا المقال عن الأصل الإنجليزي 6 Reasons Christians Should Read More بعد الحصول على إذن من GCD