ظنها علاقة عابرة لن تدوم لأكثر من ليلة، أو لقاء حب لن يضر أحدًا. مَن سيكتشف؟ كان جمالها آخاذًا، وكانت ضعيفة من نحوه بشكل خاص، لكن في نهاية المطاف -بعد ما استعملها للحظات معدودات من المتعة- وجدت نفسها بكل أسف حُبلى.
وبينما تصف هذه الكلمات حوادث كثيرة قديمة وجديدة وصفًا دقيقًا، إلا إن الحادثة محل الحديث هنا هي استغلال داود لبثشبع في سفر ٢صموئيل ١١. أخطأ داود خطأ فادحًا، وفشل فشلًا ذريعًا. وتعلَّم -كما يجب علينا أيضًا أن نتعلم-
أن الخطية أيًا كان نوعها لا يمكن طمرها وإخفاؤها تحت ستار الماضي، فالخطية لا تتلاشى بضغطة زر الإلغاء.
الخطية والذنب لا يُستأصلان عندما نقول في أذهاننا: "حسنًا، لا أريد التفكير في الأمر مُجدَّدًا، فهو في عِداد الماضي على أية حال. كل شيء على ما يُرام الآن." لا، إنه ليس كذلك!
حتى لو لم تعاقبها المحاكم، وحتى لو لم تكشفها الفضائح العامة، وحتى لو تمكنا من إخفائها، فإن الخطية ستؤدي في النهاية إلى الانحلال في حياتنا. سوف تكون رائحة العفن كريهة للغاية بحيث لا يمكن لأي شيء تغطيتها. لا توجد وسيلة لتجنب آثارها المتعفنة. سوف تضربنا بالشلل من الداخل إلى الخارج. وعلى حد تعبير جون لينون John Lennon، "الشيء الوحيد الذي لا يمكنك إخفاءه هو عندما تكون مقعدًا من الداخل"١. أو كما تقول الليدي ماكبث Lady Macbeth: "ماذا، ألن تكون هاتان اليدين نظيفتين أبدًا؟… كل عطور الجزيرة العربية لن تُعطِّر هذه اليد الصغيرة"٢.
لدى الكثير من الناس نظام مُتفق عليه لكي يُشعروك أنك شخص أفضل -ربما أب/أم أفضل، أو طالب أذكى، أو موظَّف ذو إنتاجية أعلى. ربما بإمكانك قراءة كتاب، أو حضور ورشة عمل، أو مشاهدة سلسلة حلقات، وقد تنجح كل هذه الأدوات في تحقيق أهدافها كما هو مُعلَن، لكن لن تنجح أي خطة بشرية في معالجة آثار الخطية. ليس لأي منها القدرة على محو الشعور بالذنب، ولا توجد خطة من سبع خطوات يمكنها مسح تعدياتك ضد الله.
إذًا عندما نجد أنفسنا وجهًا لوجه مع إخفاقاتنا، ويُثقِل إحساسنا بالذنب عاتقنا، أين نتوجه؟ هل هناك ملجأ؟ هل من كلامٌ يمكننا قوله؟ هل من حلٌ يُطهِّرنا من خطيانا؟
ملجأ وحيد
حين تواجه الملك داود مع فداحة جُرمه، اعترف لناثان: "... قَدْ أَخْطَأْتُ إِلَى ٱلرَّبِّ..." (٢صموئيل ١٢: ١٣). جديرٌ بأن نتوقف هنا لنتأمل عمق الحَدَث أن ملك إسرائيل، المشهود له أنه رجل حسب قلب الله (١صموئيل ١٣: ١٤)، لم يَخَف من أن تُعلَن خطيته أمام ناثان، وأمام شعب الرّبّ، و-الأهم من كل ذلك- أمام الرّبّ ذاته. يكشف مزمور ٥١ الستار أكثر فأكثر عن اعتراف داود ويُرينا كيف التجأ مباشرةَ لإلهه:
اِرْحَمْنِي يَا ٱللهُ
حَسَبَ رَحْمَتِكَ.
حَسَبَ كَثْرَةِ رَأْفَتِكَ
ٱمْحُ مَعَاصِيَّ.
ٱغْسِلْنِي كَثِيرًا مِنْ إِثْمِي،
وَمِنْ خَطِيَّتِي طَهِّرْنِي.
لِأَنِّي عَارِفٌ بِمَعَاصِيَّ،
وَخَطِيَّتِي أَمَامِي دَائِمًا.
إِلَيْكَ وَحْدَكَ أَخْطَأْتُ، (الآيات من ١-٤)
لاحظ أنه على الرغم من بشاعة جُرم داود ضد بثسبع، وأوريَّا، وكل إسرائيل، إلا أنه عَلِمَ أنه في نهاية المطاف قد أخطأ أمام الله. لا نحتاج لقراءة الكثير من آيات الكتاب حتى ندرك يقينه أيضًا أن طبيعة الله الأصيلة هي رحمته وكثرة رأفته. رأى داود كثرة رأفة الرّبّ مرة بعد مرة عبر تاريخ شعبه وخلال رحلته هو الشخصية المحفوفة بالمخاطر. إلى هذا الإله التجأ داود وأمامه اعترف.
في هذه النقطة من التاريخ الفدائي حيث نقف،
نرى كثرة رأفة الله بأوضح طريقة في صليب ربنا يسوع المسيح. هناك فقط نجد بلسم الغفران المُطهِّر الذي نحتاجه كلنا بشدة.
قول وحيد
لا يمكننا ادعاء أن لنا دورًا نلعبه في هذا الغفران العظيم، فالله يهبه مجانًا (رومية ٦: ٢٣). لكن هذا لا يعني أيضًا أننا نقبله تلقائيًا. ما يحدث هو إنه بنفس الطريقة التي لا تُبقي أمامنا إلا ملجأ واحد لنهرب إليه -أي صليب المسيح- أيضًا ليس أمامنا إلا تقديم تضرُّع وحيد ليساعدنا أمام الإله القدوس. ومثل داود يتعيّن علينا الاعتراف بخطايانا وتحويل وجوهنا رجوعًا إلى الله "... لِتُمْحَى خَطَايَاكُمْ (خطايانا)،..." و"...، لِكَيْ تَأْتِيَ أَوْقَاتُ الْفَرَجِ مِنْ وَجْهِ الرَّبِّ." (أعمال الرسل ٣: ١٩، ٢٠).
يعترف داود من فوره: "لأَنِّي عَارِفٌ بِمَعَاصِيَّ، وَخَطِيَّتِي أَمَامِي دَائِمًا." (مزمور ٥١: ٣)، ويتوقّف عن اختلاق الأعذار. يُقلع داود عن محاولاته لمحو خطيته، كأنما بإمكان أي إنسان إخفاؤها عن أعين الله في المقام الأول! كما لا يحاول داود أيضًا تعليق إثمه على الظروف المواتية -الضغط الذي يواجهه في العمل، أو الضيق الذي تجتازه عائلته. تَيَقَّنَ داود أنه مُخطِئ حتى النُخاع (الآية ٥) وإنه يحتاج للتطهير (الآية ٧)، لذلك بادر بالتصريح بالتعديات التي ارتكبها.
أحيانًا تأخذ "توبتنا" مِنوالًا كهذا: نُخطِئ، ولا نشعر حقًا بالسوء إِزاء ما فعلنا، لكن يكتشف أحدهم فعلتنا ويكشف الستار عن الأمر برُمَّتِهِ. لذا نغضب أن سِّرنا انكشف، وعندها فقط نشعُر "بالأسفِ" حِيال خطيتنا. على أننا حين نُمنح الفرصة ثانيةً وحين تطل الخطية برأسها مرة أخرى، نُبلي بلاءً أفضل تلك المرة في إبقائها مخفية.
هذه ليست توبة، ولا تقترب حتى من الاعتراف. الازدواجيّة لا تقود إلى الغفران. وليس أمامنا إلا الاعتراف بإثمنا أمام الله حتى نختبر الحرية المُقدَّمة لنا في المسيح. فقط حين نتعلم احتقار التَستُّر على خطيتنا تابعين الوصية "اِعْتَرِفُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ بِٱلزَلَّاتِ،..." يمكننا اختبار النتيجة "...، لِكَيْ تُشْفَوْا..." (يعقوب ٥: ١٦).
حل وحيد مستدام
في النهاية ما يلزمنا جميعًا هو عملية زراعة قلب. يوضِّح دارد هذا في مزمور ٥١: ١٠ – ١٢
قَلْبًا نَقِيًّا ٱخْلُقْ فِيَّ يَا ٱللهُ،
وَرُوحًا مُسْتَقِيمًا جَدِّدْ فِي دَاخِلِي.
لَا تَطْرَحْنِي مِنْ قُدَّامِ وَجْهِكَ،
وَرُوحَكَ ٱلْقُدُّوسَ لَا تَنْزِعْهُ مِنِّي.
رُدَّ لِي بَهْجَةَ خَلَاصِكَ،
وَبِرُوحٍ مُنْتَدِبَةٍ ٱعْضُدْنِي.
كثيرًا جدًا ما نحاول تطهير أنفسنا من الخارج إلى الداخل إذ نسعى نحو رفع درجة المقاومة، ونحاول محاولات أكثر جدية، أو حتى نتبنى نظامًا تدريبيًا للعبادة حتى نبقى تحت الملاحظة دائمًا. لكن تغيير السلوك وبعضًا من تشذيب الحواف لن يمنحنا ما نحتاجه حقًا. الحل الوحيد المستدام لخطيتنا وشعورنا بالذنب هو قلب جديد كليةً، قلب نقي طاهر بلا دنس.
هنا نرى بأوضح ما يمكن سبب روعة الإنجيل وجوهر قيمته الثمينة. فالمسيح لا يدعونا لنحصل على مكانة جديدة ولا لنطهر أنفسنا بأنفسنا حتى نرقى لمعيار صعب التحقيق. خبر الإنجيل السار هو أن المسيح يأخذ كل خطيتنا وذنبنا على نفسه حاملًا إياهما نيابة عنا. وفقط ببدلية المسيح عنا "...، لنَصِيرَ نَحْنُ بِرَّ ٱللهِ." (٢كورنثوس ٥: ٢١). وحده يسوع يقدم الحل المستدام للتحول من الداخل إلى الخارج. ووحده يمنحنا قلبًا جديدًا.
قلوبنا تجيش بالخطية والذنب حتى في أفضل أيامنا. والتقديس يتطلب بعض النزع المؤلم للإنسان العتيق. نُخطئ بطول الطريق، وبعض أخطائنا أفدح من غيرها.
لكن لا يجب أن نكتم إخفاقاتنا أو نكنس خطايانا تحت بساط وقتي، بل علينا الالتجاء إلى الصليب مرة تلو الأخرى، والاعتراف بعمق خطيتنا، وطلب الرّبّ ليستمر بإعادة خلق قلوبنا، مرة ومرات.
إذًا بصرف النظر عن دورك في هذا العالم، سواء كنت قسًا أو كنتِ ممرضة، أبًا أو أمًا، طفلًا أو طفلةً، تأمل في مثال الملك داود، ثم التفت إلى يسوع من أجل الرجاء الأبدي والمغفرة. تعال بخطيتك أمام نور العالم عالمًا أنه عبر هذا الصراع، وهذا الاعتراف، وكل التطهير الضروري، "لاَ شَيْءَ مِنَ الدَّيْنُونَةِ الآنَ عَلَى الَّذِينَ هُمْ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ،..." (رومية ٨: ١).
١ John Lennon, “Crippled Inside” (1971).
٢ William Shakespeare, Macbeth, 5.1.
تُرجِم هذا المقال ونُشِر بالاتفاق مع موقع Truth For Life وضمن سلسلة من المقالات القيّمة التي ستقوم خدمة "الصورة" بنشرها باللغة العربية.
يمكنكم قراءة المقال الأصلي باللغة الإنجليزية من خلال الرابط: The Cry of a Fallen Leader