أربع حقائق أساسية عن المجيء الثاني للمسيح

مجيء المسيح الثاني ركيزة أساسية للإنجيل، أمرٌ لا يتعلق بميلاد ابن الله، وحياته، وموته، وقيامته، وصعوده فحسب، بل أيضًا برجوعه. إنَّ هذا الحدث وما يحيط به من عقائد جزء لا يتجزأ من "... ٱلْإِيمَانِ ٱلْمُسَلَّمِ مَرَّةً لِلْقِدِّيسِينَ." (يهوذا ٣).

وعلى الرغم من أن عودة المسيح ثانيةً هو أمر رئيسي وواضح في كلمة الله المُقدّسة، إلّا أن العديد من وجهات النظر قد تبلورت حوله عبر الأعوام، حتى بين المؤمنين بعِصمة الكتاب وقرب المجيء؛ بدرجة سببت ارتباكًا، بل ونزاعًا فيما بينهم.

الغرض من هذا التأمل ليس محاولة الفصل في النزاع القائم ولا تقييم وجهات النظر المختلفة تلك، لكن الغرض هو التأكيد على الحقائق المتعلقة بعودة المسيح الموعودة، وهي حقائق ثابتة ثبوتًا لا يزعزعه شك.

أربع يقينيات حول المجيء الثاني

ما الحق الذي تساعدنا الكلمة المُقدّسة في رؤيته بوضوح في ظل وجهات النظر المختلفة المتعلقة بالمجيء الثاني للمسيح؟

١- موعد اليوم سريٌّ

أهم ما يجب التأكيد عليه في المقام الأول هو أن اليوم الذي سيشهد المجيء الثاني يومٌ لم يُفصَح عن ميعاده، إنه سرٌ وسيظل سرًا حتى "ظهور المسيح" مرة أخرى "Parousia". يخبرنا البشير (مرقس ١٣: ٣٢) "وَأَمَّا ذَلِكَ ٱلْيَوْمُ وَتِلْكَ ٱلسَّاعَةُ فَلَا يَعْلَمُ بِهِمَا أَحَدٌ، وَلَا ٱلْمَلَائِكَةُ ٱلَّذِينَ فِي ٱلسَّمَاءِ، وَلَا ٱلِٱبْنُ، إِلَّا ٱلْآبُ."

إذا كان ابن الله نفسه لا يعرف الميعاد الذي حدده الآب، فكيف لأي منا إطلاق التكهنات حول اليوم أو الساعة؟ حين تنحرف محاولات دراسة الأخرويات الجادة نحو التهويل والتوقعات المرتبطة بالأيام الأخيرة، عندها نعرف أننا تعدينا الحدود الواضحة في كلمة الله. ما يمكننا القطع به هو أنه "فِي سَاعَةٍ لَا تَظُنُّونَ يَأْتِي ٱبْنُ ٱلْإِنْسَانِ" (لوقا ١٢: ٤٠).

٢- ظهوره سيكون بغتةً

الأمر الثاني، هو أن عودة يسوع المسيح ستكون "بغتةً" تمامًا مثل "ٱلْبَرْقَ [الذي] يَخْرُجُ مِنَ ٱلْمَشَارِقِ وَيَظْهَرُ إِلَى ٱلْمَغَارِبِ" (متّى ٢٤: ٢٧) أو مثل سارق أو لص يأتي في الليل (متّى ٢٤: ٤٢- ٤٤؛ ١تسالونيكي ٥: ٢؛ ٢بطرس ٣: ١٠).

نجد في سفر أعمال الرُّسل ١: ١١ نصًّا مفتاحيًا يصف الطبيعة المفاجئة لظهور المسيح، فبعد صعود المسيح إلى السماء ظهرت ملائكة للتلاميذ المُنبهرين وسألوهم: "أَيُّهَا ٱلرِّجَالُ ٱلْجَلِيلِيُّونَ، مَا بَالُكُمْ وَاقِفِينَ تَنْظُرُونَ إِلَى ٱلسَّمَاءِ؟ إِنَّ يَسُوعَ هَذَا ٱلَّذِي ٱرْتَفَعَ عَنْكُمْ إِلَى ٱلسَّمَاءِ سَيَأْتِي هَكَذَا كَمَا رَأَيْتُمُوهُ مُنْطَلِقًا إِلَى ٱلسَّمَاء.ِ"

سيعود المسيح جسديًا عودةً مرئية ومُباغتة. تمامًا كيفما صعد إلى السماء، سيرجع إلى الأرض. قد يكون يومًا عاديًا مثل سابقيه حيث البعض في مكاتبهم، أو في حقولهم. سيحتفل البعض بأعراسهم في ذلك اليوم، أو يخضع بعضهم الآخر لعمليات جراحية، أو يقودون سياراتهم لتوصيل أولادهم إلى المدرسة -الكل يسير حسبما سار في اليوم السابق وحسبما هو متوقع في اليوم التالي (متّى ٢٤: ٣٧- ٤١). الفارق إنه لن يوجد غدٌ - على الأقل ليس كأي غدٍ عرفناه قبلًا.

٣- سيكون الحدث مُبهِرًا

مجيء يسوع الثاني سيكون أيضًا مختلفًا اختلافًا جوهريًا عن مجيئه الأول. كان لزامًا على الرعاة البحث عن ابن الله في مذود (لوقا ٢: ١٥، ١٦)، وكان على المجوس سؤال هيرودس -الملك حينئذ في أورشليم (متّى ٢: ١، ٢)، إلا أن المجيء الثاني ليسوع لن يكون كذلك على الإطلاق. مجيئه الأول كان مهينًا ومغمورًا، أما مجيئه الثاني فسيكون مدهشًا ومذهلًا:

"لِأَنَّ ٱلرَّبَّ نَفْسَهُ بِهُتَافٍ، بِصَوْتِ رَئِيسِ مَلَائِكَةٍ وَبُوقِ ٱللهِ، سَوْفَ يَنْزِلُ مِنَ ٱلسَّمَاءِ وَٱلْأَمْوَاتُ فِي ٱلْمَسِيحِ سَيَقُومُونَ أَوَّلًا." (١تسالونيكي ٤: ١٦)

لن تخطئ عينٌ مجيء يسوع ثانية لأنه سيكسر ويُهشِّم محدودية المكان والزمان كما نعرفهما.

لا يمكننا التنبؤ بالساعة، لكن لن يبقى مخلوق غافلًا حين يرجع رب الأرباب وملك الملوك لينقذ شعبه ويسحق المتمردين (رؤيا ١٧: ١٤).

٤- مجيئه الثاني سيجلب انفصالًا

آخر يقينية مؤكدة هي أن المسيح سيعود ديّانًا –"ليدين الأحياء والأموات"، كما يسطِّر لنا قانون إيمان الرُّسل وقانون الإيمان النيقاوي. إرسالية المسيح الأولى لم تكن بغرض الدينونة، بل جاء من أجل الخلاص (يوحنا ٣: ١٧). أما في مجيئه الثاني فإنه سيفصل بين المؤمنين والمتمردين (متّى ٢٤: ٣٨- ٤١). سيرث قطيع المسيح "ٱلْمَلَكُوتَ ٱلْمُعَدَّ [لهم] مُنْذُ تَأْسِيسِ ٱلْعَالَمِ" (٢٥: ٣٤-٤٠)، لكن أولئك الدين لم يحبّوا المسيح ولا إخوتهم كما أوصانا ربنا فسيُلقون إلى نيران العذاب الأبدية (متّى٢٥: ٤١- ٤٦).

تبعات مجيء المسيح الوشيك

هذه اليقينيّات الأربع مؤكدة، ولكنها ليست مجرد أفكار للتأمل. فينبغي أن يُغيِّر منظورنا لعودة الرب يسوع الوشيكة طريقة عَيشنا الآن، ينبغي له أن يؤثر علينا اليوم. يوضح الرسول يوحنّا الأمر لنا:

"أَيُّهَا ٱلْأَحِبَّاءُ، ٱلْآنَ نَحْنُ أَوْلَادُ ٱللهِ، وَلَمْ يُظْهَرْ بَعْدُ مَاذَا سَنَكُونُ. وَلَكِنْ نَعْلَمُ أَنَّهُ إِذَا أُظْهِرَ نَكُونُ مِثْلَهُ، لِأَنَّنَا سَنَرَاهُ كَمَا هُوَ. وَكُلُّ مَنْ عِنْدَهُ هَذَا ٱلرَّجَاءُ بِهِ، يُطَهِّرُ نَفْسَهُ كَمَا هُوَ طَاهِرٌ." (١يوحنّا ٣: ٢، ٣)

لسنا "مُكَمَّلين" بعد كما هو مُعدٌّ لنا مستقبلًا، لكن كلَّ مَن علَّق رجاءه بالسماء سيختبر تأثيرات الملكوت المُطهِّرة.

بمعنى آخر، كلُّ مَن يعترف بالمسيح ويؤمن بمجيئه ستزداد حياته اتساقًا مع حياة الرّب. فإذا أعطاك أحدهم ممَن يحيون حياة الخلاعة كتابًا حول الأحداث الدرامية ذات الصلة بمجيء يسوع ثانيةً، فإن أغلب الظن أنه لا يؤمن حقًا بما يعلنه الكتاب المُقدّس عن مجيء يسوع الثاني.

وفيما تُغيِّر هذه اليقينيّات الكيفيّة التي بها نحيا، فإن المجيء الثاني يضع علينا إلحاحًا في كرازتنا أيضًا. يوم عودة المسيح ثانيةً في قوة هو يقينًا يوم مجيد، لكنه أيضًا يوم مخيف لأولئك الذين لا يعرفون المسيح. فإن كان لك صديق، أو جار، أو زميل عمل، أو شخص تهتم لأجله ممن لم يضعوا رجاءهم في المسيح بعد، لِمَ لا تشاركهم الحياة الأبدية والفرح المتأصل في المسيح؟

كلمة أخيرة

بدا أن الرُّسل يتحدثون كما لو كان ظهور المسيح Parousia ثانيةً وشيكًا للغاية، لكن بعد مرور ألفي عام على كتابات العهد الجديد وأحداثه، لا زلنا ننتظر عودة ربنا. يلزمنا تذكر الحقيقة الآتية حين نُجرَّب بنفاد الصبر:

"وَلَكِنْ لَا يَخْفَ عَلَيْكُمْ هَذَا ٱلشَّيْءُ ٱلْوَاحِدُ أَيُّهَا ٱلْأَحِبَّاءُ: أَنَّ يَوْمًا وَاحِدًا عِنْدَ ٱلرَّبِّ كَأَلْفِ سَنَةٍ، وَأَلْفَ سَنَةٍ كَيَوْمٍ وَاحِدٍ. لَا يَتَبَاطَأُ ٱلرَّبُّ عَنْ وَعْدِهِ كَمَا يَحْسِبُ قَوْمٌ ٱلتَّبَاطُؤَ، لَكِنَّهُ يَتَأَنَّى عَلَيْنَا، وَهُوَ لَا يَشَاءُ أَنْ يَهْلِكَ أُنَاسٌ، بَلْ أَنْ يُقْبِلَ ٱلْجَمِيعُ إِلَى ٱلتَّوْبَةِ." (٢بطرس ٣: ٨، ٩)

إلهنا المتسلط على كل شيء هو كائنٌ خارج الزمن. لا يمكن لعقولنا استيعاب الزمن المتضمَن في ألفيتين -ناهيك عن الأبدية، لكن من منظور الله قد نكون في اليوم التالي لصعود المسيح. وحين نشعر بنفاد صبرنا، علينا أن نذكِّر أنفسنا أن الله، في عنايته ورحمته، اللتين لا تنضبان أبدًا، صبورٌ للغاية -أكثر كثيرًا مما نستحق. ولنذكر أنه، أيًا كان اليوم أو الساعة، وبصرف النظر عن مقدار بُعدِهما، فإن المسيح نفسه قد شهد: "نَعَمْ! أَنَا آتِي سَرِيعًا." وكل شعب الرّبّ يقول: "آمِينَ. تَعَالَ أَيُّهَا ٱلرَّبُّ يَسُوعُ" (رؤيا ٢٢: ٢٠).


تُرجِم هذا المقال ونُشِر بالاتفاق مع موقع Truth For Life وضمن سلسلة من المقالات القيّمة التي ستقوم خدمة "الصورة" بنشرها باللغة العربية.

يمكنكم قراءة المقال الأصلي باللغة الإنجليزية من خلال الرابط: Four Core Truths about the Second Coming of Christ