كيف نقترب من الكتاب المُقدّس؟ أربعة دروس من نحميا

كلمة الله هي نقطة ارتكاز أغلب خدمات العبادة الكنَسيّة. لكن لماذا تُعطي الكثير من الكنائس أولَويّة كبيرة للقراءة العلنيّة للكتاب المُقدّس والوعظ به أمام جمهور الحاضرين في الكنائس؟ وكيف ينبغي للكنائس الاستجابة؟

هذه أسئلة مشروعة -ولا يوجد أفضل من الكتاب المُقدّس نفسه للإجابة عن هذه الأسئلة. فالكتاب المُقدّس، في نهاية المطاف، هو السلطة العليا المُطلقة حول طبيعة العقيدة المسيحية. إذًا فبينما يبدو أننا ندور في دائرة مُفرغة حين نسأل ما إذا كان استخدامنا للكتاب المُقدّس كتابيًا حقًا، لكن الحقيقة هي أنه لا يوجد أمامنا طريق أفضل إذا أردنا اقتلاع تأثير تفضيلاتنا أو ثقافتنا حتى نصل إلى قلب كيفية تناولنا لكلمة الله.

يُخبرنا العهد الجديد بالكثير حول كلمة الله ومركزيتها عند اجتماع شعب الرّبّ -مثلًا تحريض بولس للوعظ بها (٢تيموثاوس ٤: ٢)، وقراءتها علنًا (١تيموثاوس ٤: ١٣). على أنه بإمكاننا الرجوع إلى مثال أقدم، في نحميا ٨، لنرى أربع طرق ينبغي من خلالها لشعب الرّبّ الاقتراب إلى كلمته.

١- أن يجتمعوا متوقعين

يُستهَل الإصحاح الثامن من نحميا بوصف لشعب إسرائيل مجتمعين للاستماع إلى تعليم من كلمة الله:

"ٱجْتَمَعَ كُلُّ ٱلشَّعْبِ كَرَجُلٍ وَاحِدٍ إِلَى ٱلسَّاحَةِ ٱلَّتِي أَمَامَ بَابِ ٱلْمَاءِ وَقَالُوا لِعَزْرَا ٱلْكَاتِبِ أَنْ يَأْتِيَ بِسِفْرِ شَرِيعَةِ مُوسَى ٱلَّتِي أَمَرَ بِهَا ٱلرَّبُّ إِسْرَائِيلَ." (نحميا ٨: ١)

يمكننا أن نستدِل من الإصحاح السابع من سفر نحميا على وجود حوالي خمسين ألف شخصًا مجتمعين في ذلك اليوم. هذا جمع كبير! والكتاب المُقدّس يخبرنا أنه اجتمعوا "... كَرَجُل وَاحِدٍ..."، بمعنى أنهم اجتمعوا في روح من الوِحدة، ولهم نفس الرغبات والتكريس.

نرى في نحميا ٨: ١ أن الشعب وجدوا شركة في رغبتهم المشتركة لسماع كلمة الرّبّ. يمكنك سماعهم يقولون: "نريد أن نسمع ما يريد الله أن يقوله لنا، وما يوصينا به. لا نريد الاستماع للكثير من كلماتك أنت يا عزرا – لكن نريد أن نستمع للكثير من أقوال الله! فقط اقرأ الشريعة على مسامعنا، وفسِّر الشريعة لنا، وأرِنا تطبيق الشريعة العملي، ولك امتناننا العميق."

لن تتمتع أي كنيسة بروح الوِحدة والالتزام أبدًا بدون التكريس والأشواق المشتركة.

يدعونا بولس لهذا النوع من الوِحدة في ١كورنثوس ١: ١٠ "وَلَكِنَّنِي أَطْلُبُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا ٱلْإِخْوَةُ، بِٱسْمِ رَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ، أَنْ تَقُولُوا جَمِيعُكُمْ قَوْلًا وَاحِدًا، وَلَا يَكُونَ بَيْنَكُمُ ٱنْشِقَاقَاتٌ، بَلْ كُونُوا كَامِلِينَ فِي فِكْرٍ وَاحِدٍ وَرَأْيٍ وَاحِدٍ." ومع تسليمنا أن المؤمنين في كنيسة واحدة قد لا يتفقون على كل شيء، إلا إن انتماءنا لعائلة المسيح ينطوي على التزام مشترك بأولويّة الصلاة، وسلطان الكتاب المُقدّس، ومركزيّة يسوع وتقدُّمه في كل شيء، والضرورة القصوى للكرازة، وأهمية العبادة.

٢- أن يستمعوا بإنصات

بعدما اجتمع الناس وطلبوا الشريعة بدأ عزرا القراءة بصوت جهوري:

"فَأَتَى عَزْرَا ٱلْكَاتِبُ بِٱلشَّرِيعَةِ أَمَامَ ٱلْجَمَاعَةِ مِنَ ٱلرِّجَالِ وَٱلنِّسَاءِ وَكُلِّ فَاهِمٍ مَا يُسْمَعُ، فِي ٱلْيَوْمِ ٱلْأَوَّلِ مِنَ ٱلشَّهْرِ ٱلسَّابِعِ. وَقَرَأَ فِيهَا أَمَامَ ٱلسَّاحَةِ ٱلَّتِي أَمَامَ بَابِ ٱلْمَاءِ، مِنَ ٱلصَّبَاحِ إِلَى نِصْفِ ٱلنَّهَارِ، أَمَامَ ٱلرِّجَالِ وَٱلنِّسَاءِ وَٱلْفَاهِمِينَ. وَكَانَتْ آذَانُ كُلِّ ٱلشَّعْبِ نَحْوَ سِفْرِ ٱلشَّرِيعَةِ." (نحميا ٨: ٢، ٣)

حتى يوعَظ بالكلمة المُقدّسة يلزم أن يأتي الحضور والواعظ مُصلِّين إلى الله ومُنصتين لصوته. إذا تحدَّث الواعظ فقط ليسمع صوت نفسه أو ليُبهِر السامعين، أو إذا استمعت الجماعة فقط لهدف الترفيه، فلن يكون هناك إعلان حقيقيّ ولا تفاعل ذو معنى.

في نحميا ٨ يمكننا أن نستشف أن عزرا -أو شيخًا آخر ممن يتواجدون ضمن الحضور- يقف ويقرأ جزءًا من الشريعة ثم اللاويون المنتشرون وسط الجماعة يلتفتون لمن حولهم قائلًا: "هل تفهمون ما قرأه للتو؟" فإذا أجاب الشعب بالنفي أو إذا أثارت القراءة سؤالًا لديهم، فإن اللاويين يقرأون الشريعة مرة أخرى و"يفسرون" أو "يشرحون السياق أو يُبيِّنون المعنى" حتى يتمكن الأفراد من فهم الوصايا وتطبيقها في حياتهم (نحميا ٨: ٧، ٨).

نرى هنا مبدأً مهمًا لكنائسنا: لا يمكن، بأي حال من الأحوال، لأي فرد ممن لهم امتياز إعلان كلمة الله الإجابة على كل الأسئلة التي تنبع من الكلمة المُقدّسة، فلن يكون لهم أبدًا القدرة، ولا الوقت، ولا الانتباه الكافين لهذا. أما إذا كان هناك عدد من شيوخ الكنيسة "صَالِحين لِلتَّعْلِيمِ" (بحسب ٢تيموثاوس ٢: ٢٤)، عندها يمكن لهؤلاء الرجال الإجابة على الأسئلة التي تطرحها الجماعة بينما يخدمون وسط الشعب. يتضمن عمل المشيخة، بعبارة أخرى، التأكد من نمو أعضاء جماعتك في فهمهم وتطبيقهم الشخصي لكلمة الرّبّ.

يقينًا لم تكن لمساعدة اللاويين أن تحمل قيمة عظيمة لو لم يكن لدى الشعب النية للاستماع. تشير لنا الآية الثالثة "... كَانَتْ آذَانُ كُلِّ الشَّعْبِ نَحْوَ سِفْرِ الشَّرِيعَةِ."، كما تُظهِر لنا الآية الخامسة أن كل الجماعة وقفت فيما فتح عزرا كلام الرّبّ أمامهم. لم تكن الجماعة مجرد مجموعة من المتفرجين، بل كانوا مشتركين اشتراكًا فاعلًا بملء الإصغاء.

٣- أن يستجيبوا بشكل ملائم

نرى فيما اختتم عزرا تعاليمه دليلًا على مشاركة الشعب مشاركة فاعلة من خلال استجابتهم:

"وَبَارَكَ عَزْرَا ٱلرَّبَّ ٱلْإِلَهَ ٱلْعَظِيمَ. وَأَجَابَ جَمِيعُ ٱلشَّعْبِ: «آمِينَ، آمِينَ!» رَافِعِينَ أَيْدِيَهُمْ، وَخَرُّوا وَسَجَدُوا لِلرَّبِّ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلَى ٱلْأَرْضِ." (نحميا ٨: ٦)

لم تُصغِ الجماعة فحسب، بل استجابوا استجابة ملائِمة لقراءة كلمة الرّبّ والوعظ بها. رفعوا أياديهم عابدين، وخرُّوا على وجوههم منسحقين ونادمين، وترينا الآية التاسعة أنهم ناحوا أيضًا.

لماذا ناحوا؟ لأن كلمة الرّبّ نخست قلوبهم! أصاب سفر الشريعة هدفه في قلوبهم بدقة تامة كاشفًا احتياجهم، ولهذا ناحوا وبكوا. أترون؟ ليس كل شعور بالذنب خطأً، إذ يثمر الرّوح القدس فينا شعورًا بالذنب الصحيح حين يتحرك الرّبّ في قلوبنا وكأنما يقول: "لم تُصلِّ كما ينبغي أن تصلي، ولم تعِش كما ينبغي أن تعيش، ولم يسمع أي ممن حولك حتى كلمة واحدة عن يسوع من شفتيك."

إلا إن الأخبار السارة هي أن الرّبّ حين يُبكِّتك بكلمته بمثل هذه الطريقة ويُخزَى قلبك، فإنه أبدًا لا يريدك أن تبقى نائحًا. الروح يُظهِر لنا حاجتنا لمُخلِّص، وللتوبة، وللإيمان، ويقودنا بلطف إلى الصلاة، والعيش، الشهادة مجددًا كما ينبغي.

فيما نستمع إلى الرّبّ ونطيع إرشاده، يضرم هو شعلة الفرح من جديد، حتى ولو من فتيلة مدخنة.

٤- أن ينصرفوا بفرح

حين رأي عزرا رد فعل الجماعة، قدَّم لهم كلمات التعزية:

" «... لَا تَحْزَنُوا، لِأَنَّ فَرَحَ ٱلرَّبِّ هُوَ قُوَّتُكُمْ»... فَذَهَبَ كُلُّ ٱلشَّعْبِ لِيَأْكُلُوا وَيَشْرَبُوا وَيَبْعَثُوا أَنْصِبَةً وَيَعْمَلُوا فَرَحًا عَظِيمًا، لِأَنَّهُمْ فَهِمُوا ٱلْكَلَامَ ٱلَّذِي عَلَّمُوهُمْ إِيَّاهُ." (نحميا ٨: ١٠، ١٢)

يتعيّن علينا ملاحظة العلاقة السببية بين كلمة الرّبّ ورد فعلنا الفَرِح. نرى في عدد ١٢ أن الشعب انصرف في حالة من السرور والرضا "... لِأَنَّهُمْ فَهِمُوا ٱلْكَلَامَ ٱلَّذِي عَلَّمُوهُمْ إِيَّاهُ." اجتمعوا متوقِّعين، واستمعوا مُنصتين، وأثمرت الشريعة استجابةً ملائِمة، والآن بإمكانهم الانصراف فَرِحين -كل هذا بسبب أن الله تحدَّث إليهم وهم أصغوا لكلماته.

نرى هنا أن الرّبّ يُسَرُّ أن يبارك شعبه -وإحدى الطرق التي يفعل ذلك بواسطتها هي كلمته المُسجَّلة لنا في الكتاب المُقدّس. إذا أرادت كنائسنا اختبار الفرح الذي هو قوتنا، فليس لدينا ممارسة أنجح من الاجتماع حول الكتاب المُقدّس. وفيما نجتمع لتكن أصدق صرخاتنا أن نسمع صوته وننصرف فَرِحين عالمين أننا التقينا الإله الذي يتكلّم من خلال كل صفحة من صفحات الكتاب المُقدّس.


تُرجِم هذا المقال ونُشِر بالاتفاق مع موقع Truth For Life وضمن سلسلة من المقالات القيّمة التي ستقوم خدمة "الصورة" بنشرها باللغة العربية.

يمكنكم قراءة المقال الأصلي باللغة الإنجليزية من خلال الرابط: How Do We Approach the Bible? Four Lessons from Nehemiah