
نعيش وسط ثقافة يقل فيها تقدير الانخراط في الكنيسة شيئًا فشيئًا. وحتى بين المؤمنين يتزايد عدد أولئك المستعدين لقضاء يوم الرب في فعل أي شيء آخر غير اجتماع القديسين. يدَّعي البعض محبتهم ليسوع وتوقهم للوجود معه ومع شعبه بطول الأبدية، على ألا يكون ذلك صباح يوم الأحد.
ربما يتمرد البعض على رياء مرتادي الكنائس أو عدم الاتساق الذي شهدوه في حياتهم. وربما -للبعض- أبدًا لم يتعدَّ حضور الكنيسة كونه مجرد طقس يبدو خارجًا عن السياق. أو -ربما- أضحى الجميع منشغلين بدرجة معها سقطت الكنيسة من قائمة أولوياتهم. وحين يُسألون تأتي الإجابات مشابهة لعبارات مثل:
- "لا يلزمني الذهاب لمبنى معين للقاء الرب."
- "بإمكاني قراءة كتابي المقدس والصلاة في أي مكان كان."
- "أحب يسوع، لكني ضد الدين المُنظَّم."
قطعًا بإمكاننا اللقاء مع الرب في أي مكان، لكن هل هذا سبب كافٍ لفصل أنفسنا عن كنيسة محلية؟ شكرًا للرب أذ أن كلمته لم تغفل هذا الأمر.
نحتاج الكنيسة المحلية
كلنا يعلم التحريض المعلن في الرسالة إلى العبرانيين ١٠: ٢٤-٢٥:
"وَلْنُلَاحِظْ بَعْضُنَا بَعْضًا لِلتَّحْرِيضِ عَلَى ٱلْمَحَبَّةِ وَٱلْأَعْمَالِ ٱلْحَسَنَةِ، غَيْرَ تَارِكِينَ ٱجْتِمَاعَنَا كَمَا لِقَوْمٍ عَادَةٌ، بَلْ وَاعِظِينَ بَعْضُنَا بَعْضًا، وَبِٱلْأَكْثَرِ عَلَى قَدْرِ مَا تَرَوْنَ ٱلْيَوْمَ يَقْرُبُ"
يُذكِّرنا هذا المقطع الشهير أننا نحتاج للقاء مع شعب الرب. ففي هذا تزداد محبتنا للرب ونُدفَع نحو الأعمال الحسنة. نحتاج إخوة وأخوات يشجعوننا ويُصلُّون لأجلنا. نحتاج أناسًا في حياتنا يُصلحون طريقنا بنعمة وتفهُّم. قلوبنا نجيسة ولا يمكننا الوثوق بها، ولهذا نعتمد على آخرين حتى يساعدوننا على رؤية نقاطنا العمياء.
دبَّر الله الكنيسة المحلية لتكون هذا النوع من المجتمع الروحي. وإذا لم ننخرط في كنيسة محلية، ولم نقضِ أوقاتًا من حياتنا مع أناس لنا معهم عهد، أو إذا كنا نحاول ممارسة روحانية من نوع يُدعى "الأمر بيني وبين يسوع"، فإن نمونا الروحي سيتقزم. ولهذه الأسباب يحذرنا الرب ألا نتجاهل هذا الوقت الجوهري معًا.
حماية من قساوة القلب!
يُذكِّرنا الإصحاح الثالث من سفر العبرانيين باحتياجنا لإخوتنا وأخواتنا المؤمنين:
"اُنْظُرُوا أَيُّهَا ٱلْإِخْوَةُ، أَنْ لَا يَكُونَ فِي أَحَدِكُمْ قَلْبٌ شِرِّيرٌ بِعَدَمِ إِيمَانٍ فِي ٱلِٱرْتِدَادِ عَنِ ٱللهِ ٱلْحَيِّ. بَلْ عِظُوا أَنْفُسَكُمْ كُلَّ يَوْمٍ، مَا دَامَ ٱلْوَقْتُ يُدْعَى ٱلْيَوْمَ، لِكَيْ لَا يُقَسَّى أَحَدٌ مِنْكُمْ بِغُرُورِ ٱلْخَطِيَّةِ."
ما الذي سيحمينا من قساوة القلب؟ وعظ إخوتنا وأخواتنا في المسيح وتشجيعهم لنا! لقاء القديسين بانتظام هو مجتمع أرسى الرب قواعده لهذا الغرض عينه.
المسيح هو الرأس الذي يقدِّم الغذاء لباقي الجسد، وكل مؤمن يحتاج هذه التغذية. إذا قطعنا أنفسنا عن جسد المسيح لفترات طويلة، فهناك خطورة أن نصبح عميانًا من نحو خطايانا وأن تتقسى قلوبنا ببطء.
صحيحٌ بإمكاننا عبادة الرب في أي مكان، لكن الله رتَّب اجتماعنا معًا ليتمم ما لا يمكن تتميمه ونحن بمفردنا في غرفة معيشتنا. لم يدعونا الرب لخدمته أفرادًا منعزلين، بل دعانا لنكون أعضاء في جسد كامل حيث نعبد معًا ونعظ أحدُنا الآخر ونشجع بعضنا البعض.
أتنشأ فوضى عند اجتماع الخطاة معًا؟ نعم! ستطرأ مشكلات وستظهر تداعيات خطيتنا، لكن الرب في حكمته خطط لاستخدام مؤمنين آخرين لتقديسنا وضمان صالحنا. لا يسعنا أن نصبح قديسين بالاعتماد على أنفسنا.
لا يتعلق الأمر بك فحسب
يعلِّمنا الإصحاح الرابع من الرسالة إلى أهل أفسس أن الرب يعطي كل مؤمن عطايا "لِأَجْلِ تَكْمِيلِ ٱلْقِدِّيسِينَ لِعَمَلِ ٱلْخِدْمَةِ، لِبُنْيَانِ جَسَدِ ٱلْمَسِيحِ" وكوننا أعضاء في جسد الرب يعني أن أستخدم مواهبي وطاقتي ومواردي المتاحة لمساعدة الجسد على النمو الروحي في صحة وحيوية.
بيد أن تفكيرنا عن الكنيسة غالبًا ما يتمحور حول ذاتنا، وفي معظم الأوقات لا نولي اعتبارًا إلا لما يمكننا الحصول عليه. يندر أن نفكر في كيفية تأثير وجودنا أو غيابنا على الآخرين.
إذا كنتَ مؤمنًا، فجسد المسيح يحتاج إليك وإلى المواهب المحددة التي حباك بها الرب. منحك الرب التمكين والدعوة لاستخدام مواهبك وإمكاناتك لأجل فائدة الكنيسة وصالحها. وكما تحتاج أنت للتشجيع والصلوات والتوبيخ ... إلخ من آخرين، هكذا يحتاج الآخرون نفس هذه الأمور منك.
يجب أن نكون ملتزمين بالكنيسة المحلية لفعل هذا. نعم، هناك كنيسة جامعة أعضاؤها هم المؤمنون حول العالم، لكن حتى نستخدم مواهبنا كما تعلِّمنا الكلمة المقدسة يجب أن نكون جزءًا من اجتماع محلي للمفديين. إذا لم نلتقِ مع جسد المسيح نحرم الآخرين من البركة المقصود أن تنساب من خلالنا.
يذكِّرنا بولس في رسالته الأولى إلى أهل كورنثوس ١٢: ١٢، "لِأَنَّهُ كَمَا أَنَّ ٱلْجَسَدَ هُوَ وَاحِدٌ وَلَهُ أَعْضَاءٌ كَثِيرَةٌ، وَكُلُّ أَعْضَاءِ ٱلْجَسَدِ ٱلْوَاحِدِ إِذَا كَانَتْ كَثِيرَةً هِيَ جَسَدٌ وَاحِدٌ، كَذَلِكَ ٱلْمَسِيحُ أَيْضًا" وبنفس الطريقة التي بها سيتضرر الجسد المادي إذا قطعتَ أحد أعضائه، كذلك بقطعك نفسك عن جسد المسيح تُلحِق ضررًا بالجسد كله.
صورة للسماء
في رؤيا يوحنا ٧: ٩-١٢ نرى لمحة للسماء فيما تلتقي جماهيرٌ من الشعوب حول العرش ليُسبِّحوا الرب:
بَعْدَ هَذَا نَظَرْتُ وَإِذَا جَمْعٌ كَثِيرٌ لَمْ يَسْتَطِعْ أَحَدٌ أَنْ يَعُدَّهُ، مِنْ كُلِّ ٱلْأُمَمِ وَٱلْقَبَائِلِ وَٱلشُّعُوبِ وَٱلْأَلْسِنَةِ، وَاقِفُونَ أَمَامَ ٱلْعَرْشِ وَأَمَامَ ٱلْخَرُوفِ، مُتَسَرْبِلِينَ بِثِيَابٍ بِيضٍ وَفِي أَيْدِيهِمْ سَعَفُ ٱلنَّخْلِ، وَهُمْ يَصْرُخُونَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ قَائِلِينَ: «ٱلْخَلَاصُ لِإِلَهِنَا ٱلْجَالِسِ عَلَى ٱلْعَرْشِ وَلِلْخَرُوفِ». وَجَمِيعُ ٱلْمَلَائِكَةِ كَانُوا وَاقِفِينَ حَوْلَ ٱلْعَرْشِ، وَٱلشُّيُوخِ وَٱلْحَيَوَانَاتِ ٱلْأَرْبَعَةِ، وَخَرُّوا أَمَامَ ٱلْعَرْشِ عَلَى وُجُوهِهِمْ وَسَجَدُوا لِلهِ قَائِلِينَ: «آمِينَ! ٱلْبَرَكَةُ وَٱلْمَجْدُ وَٱلْحِكْمَةُ وَٱلشُّكْرُ وَٱلْكَرَامَةُ وَٱلْقُدْرَةُ وَٱلْقُوَّةُ لِإِلَهِنَا إِلَى أَبَدِ ٱلْآبِدِينَ. آمِينَ!».
حتى في السماء سنلتقي مع القديسين لتسبيح الرب! المرة الوحيدة التي نرى فيها ملمحًا من رؤيا ٧ على هذه الأرض هي حين يجتمع المفديون معًا بشخصهم لعبادته.
يمكنك التغني بترانيم وقضاء وقت في التأمل حول أمور الرب في بيتك (بل وينبغي لك!)، لكن كل هذا لا يعكس صورة رؤيا ٧. عندما تجتمع الكنيسة كل أسبوع فهي ترسم ظلًا جميلًا عتيدًا للمؤمنين المجتمعين حول العرش في السماء. إنها الصورة الوحيدة التي تضاهي صورة السماء هنا على الأرض!
لا تفقد أفضل ما قصده الرب لك
نبرهن على أننا جزء من شعب الرب (الكنيسة الجامعة) بحضورنا الاجتماع مع شعب الرب بانتظام (الكنيسة المحلية). اختيارنا للمكان حيث نقضي وقتنا يكشف حقيقة ما نُقدِّره، وما نوليه أهميةً واهتمامًا يعكس حقيقة إيماننا. حين نمنح اجتماع الكنيسة المحلية أولويةً فنحن نظهر لأولادنا أن الكنيسة ليست طقسًا يعكس تدينًا خاويًا، بل هي مجتمع القديسين المُخلَّصين بالنعمة والملتزمين نحو بعضهم البعض، وهو مجتمع نحتاج إليه في حياتنا. فيما نلتقي كل أسبوع نظهر للعالم المُمزَّق حولنا صورةً للملكوت الآتي حيث يجتمع شعب الرب حول عرشه بصوت واحد لتسبيح اسمه.
لا تُفوِّت ما قصده الرب لك وما يقصد تتميمه من خلالك فيما يجتمع القديسون معًا. نعم، هناك آلاف المهام الأخرى التي قد نقوم بها بدلًا، لكن ما عساه أن يكون أجمل من الاتحاد مع جسد المسيح؟ أي أمر آخر نمنحه أولوية يخبو جماله حين يُقارن بهذا الاجتماع.
أحثكم على عدم ترك اجتماعنا كما لقوم عادة، لمجد الرب، ولخيرنا، ولأجل صالح مَن هم حولنا.
يَشْغَلُ جيمس ويليامز James Williams منصبَ القسِّ المساعد في كَنيسة FBC أتلانتا بتكساس، ويعمل كاتبًا في فريق GCD. هو وزوجته جيني لديهم أربعة أطفال، ويشاركان بنشاط في خدمة رعاية الأطفال بالتبنِّي. يتميَّز جيمس بشغفه في التأمُّل بجمال الله ومساعدة الآخرين على أن يفعلوا ذلك أيضًا.
تُرجِم هذا المقال عن الأصل الإنجليزي God is Everywhere, Why Go To Church? بعد الحصول على إذن من GCD





