يحبُّ الله أن يفتخر الإنسان بهِ، ولكنه يكره أن يتفاخر الإنسان بنفسه. «مَنِ افْتَخَرَ فَلْيَفْتَخِرْ بِالرَّبِّ." (2كور 10: 17). "وَأَمَّا مِنْ جِهَتِي، فَحَاشَا لِي أَنْ أَفْتَخِرَ إِلاَّ بِصَلِيبِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ" ( غلا 14:6). "تُوضَعُ عَيْنَا تَشَامُخِ الإِنْسَانِ، وَتُخْفَضُ رِفْعَةُ النَّاسِ، وَيَسْمُو الرَّبُّ وَحْدَهُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ. فَإِنَّ لِرَبِّ الْجُنُودِ يَوْمًا عَلَى كُلِّ مُتَعَظِّمٍ وَعَال، وَعَلَى كُلِّ مُرْتَفِعٍ فَيُوضَعُ." ( إشعياء 2: 11-12).
هناك سببان، على الأقل، يجعلان الله يبغضُ تفاخرَ الإنسان بنفسهِ:
1) تفاخر الإنسان بنفسه يُزيغُه عن مصدر فرحه ويفسد حياته.
ينخدعُ الإنسان المتفاخر بنفسه فيستبدل مرآة بالبهاء [الحقيقي]. لم يُخلَق الإنسان ليمجِّدَ الإنسان. لقد خُلقَ ليمجِّدَ الله، ولقد أفسد الإنسان الفرح النابع من هذا التمجيد عندما حاول أن يجد لنفسه مجدًا قدرَ مجرَّة من مجرد انعكاسٍ لصورته هو. إن الله لا يُسرّ بالخراب الذي أحدثه الإنسان بسبب تفاخره بنفسه.
2) السبب الثاني الذي يجعل الله يكره تفاخر الإنسان بنفسه هو هذا:
تفاخر الإنسان بنفسه يعكسُ قناعةً بأن الإنسان أكثر روعةً من الله. وهذا، بالطبع، غير صحيح. لكننا قد نسيء الفهم إذا قلنا: "الله يكره الكذب ولذلك يكره التفاخر البشري لأنه كذبٌ في حد ذاته." كلا، هذا الفهم ليس دقيقًا؛ إنَّ ما يكرهه الله هو إهانته [عدم إكرامه]. الكذبُ هو أحد الأمور التي تهين الله كإله الحق. لذا، فالمشكلة الحقيقية في تفاخر الإنسان بنفسه أنه يستخفُّ بالله.
التفاخر بالرب، من جهةٍ أخرى، يحقق النقيض المزدوج: فيكرم الله من جهةٍ، ويمنح الإنسان الفرح الذي خُلِق لأجله: الانبهار بالوحيد المستحق إعجابًا لاحدود له.
حمدًا للرب أنه أبطلَ التفاخر البشري بطلانًا مزدوجًا بالكيفية التي بها خلَّص الخطاة.
أولًا) الإيمان يُبطلُ التفاخر البشري.كما شرح ذلك الرسول بولس في رسالته إلى أهل رومية: " فَأَيْنَ الافْتِخَارُ؟ قَدِ انْتَفَى. بِأَيِّ نَامُوسٍ؟ أَبِنَامُوسِ الأَعْمَالِ؟ كَلاَّ. بَلْ بِنَامُوسِ الإِيمَانِ" (27:3). لماذا ينفي الإيمانُ الافتخارَ؟ ليس السبب فقط أن الإيمان هو عطية من الله، مع أنه كذلك بالفعل. وكل ثمر الروح مُعطىً من الله. ومع ذلك ليس جميعه ينفي الافتخار بنفس الطريقة التي يفعلها الإيمان. الإيمان فريدٌ بين جميع أفعال النفس. إنه الفعل الأكثر ضعفًا وعجزًا، وقلة حيلةٍ. إنّه اعتماديٌّ تمامًا. وكأنَّ الإيمان فعلٌ ولا فعل في نفس الوقت.
ما أعنيه بذلك هو أن الذات البشرية لديها رغبة لطلب المساعدة بينما ليس لديها توقُّعات أن تلك الرغبة جيدة بما يكفي لنوال تلك المساعدة، حتى وإن كان الإيمان دافع تلك الرغبة. من بين كل أفعال النفس، فإنّ الإيمان فريد من نوعه. وحيث أن النفس مُفلسةٌ، فهي تنشد الفضيلة في آخر مغاير لها، ونفس الأمر من جهة الحكمة، والقوة. النفس انقيادية واعتمادية بطبيعتها. لذلك، لا فخر لها في ذاتها، لأنها غير قادرة ولا حتى أن ترى نفسها. إنها نوعًا ما شيءٌ بلا "ذات". وفور قيام الذات بفعلها الفريد، فإنه يُنسَب لآخر؛ ذاك الذي تستمد منه حقيقتها.
ثانيًا) الاختيار الإلهي يُبطل الافتخار:"بَلِ اخْتَارَ اللهُ جُهَّالَ الْعَالَمِ لِيُخْزِيَ الْحُكَمَاءَ وَاخْتَارَ اللهُ ضُعَفَاءَ الْعَالَمِ لِيُخْزِيَ الأَقْوِيَاءَ وَاخْتَارَ اللهُ أَدْنِيَاءَ الْعَالَمِ وَالْمُزْدَرَى وَغَيْرَ الْمَوْجُودِ لِيُبْطِلَ الْمَوْجُودَ لِكَيْ لاَ يَفْتَخِرَ كُلُّ ذِي جَسَدٍ أَمَامَهُ." (1كور1: 27-29).
قصد الاختيار الإلهي أن ينفي الافتخار. الفكرة هنا أن الله لم يخترْ البشر بناءً على أي ميزة فينا تعطينا الحق في التفاخر. الحقيقة أن رومية 11:9 تعلنها بوضوح أن الاختيار الإلهي يجعل قصد الله الخلاصي يتوقف تمامًا على الله وحده، وليس على أي فعل بشري: "لأَنَّهُ وَهُمَا {يعقوب وعيسو} لَمْ يُولَدَا بَعْدُ وَلاَ فَعَلاَ خَيْراً أَوْ شَرّاً - لِكَيْ يَثْبُتَ قَصْدُ اللهِ حَسَبَ الِاخْتِيَارِ لَيْسَ مِنَ الأَعْمَالِ بَلْ مِنَ الَّذِي يَدْعُو { الله اختار يعقوب وليس عيسو}". المقابل هنا للإيمان ليس الأعمال بل "الذي يدعو." الاختيار الإلهي يتوقف على الله وحده. هو الذي يقرر مَن سيؤمن ومَن سيخلص دون استحقاق.
الدعوة لنا الآن لنتحاشى النظر إلى أنفسنا. ولنكفّ عن التفاخر بالنفس وبالمنجزات البشرية، وليكن افتخارنا بالرب وحده.
تُرجِم هذا المقال ونُشِر بالاتفاق مع موقع هيئة خدمات ليجونير ضمن سلسلة من المقالات القيّمة التي ستقوم خدمة "الصورة" بنشرها باللغة العربية تباعًا في إطار الشراكة مع خدمة ليجونير.
يمكنكم قراءة النسخة الإنجليزية من الرابط التالي Godly Boasting