لا شك أن أحدهم سألكَ هذه الأيام: "هل أنت مُستعد لعيد الميلاد؟" وعادةً ما يعني هذا السؤال: "هل اشتريت الهدايا وغلَّفتها، وعلَّقت الزينة، وتممت باقي قائمة مهامك؟"
فنحن نعلم أننا نحتاج أن نستعد لشيء، ولكن ما هو؟
غالبًا، نحن نتوقع أنَّ علينا الاستعداد لهذه اللحظة الساحرة في صباح عيد الميلاد حين نلتف حول الشجرة ونوزِّع الهدايا على أحبائنا، وقد تسأل نفسك مثلي: "هل هذا كل ما في الأمر؟"
وتجد أن حدسك يخبرك بأنك أخطأت في إصابة الهدف من وراء كل هذا.
عيد الميلاد يبدأ عند "مذبح"!
نشكر الله، فإن الكلمة المُقدسة تُعطينا الدليل للكيفية التي يُريدنا بها الله أن نستعد لعيد الميلاد. وهنا، لا نحتاج أن ننظر إلى ما هو أبعد من البداية المُفاجئة لقصة الميلاد.
نحن نفترض أن المشهد الافتتاحي للقصة هو لرجُلٍ يهودي يصطحب حِماره وخطيبته -التي على وشَك الولادة- أثناء عاصفة ثلجية إلى مدينة صغيرة في بيت لحم. لكن الواقع أنَّ قصة الميلاد تبدأ قبل هذا الحدث بخمسة عشر شهر، بزوجين عجوزين، ليس لهما أطفال. هما ليسا فقط زوجين في انتظار ولادة طفل، ولكنهما أيضًا زوجان عُرِفا بانتظارهما لمولود منذ زمن ولكنه لم يأتي إلى الآن! (أنظر لوقا 1: 5- 25).
زكريا وزوجته أليصابات من نسل هارون، أول رئيس كهنة يهودي، ووصفهما الكتاب بأنهما: "بَارَّيْنِ أَمَامَ اللهِ، سَالِكَيْنِ فِي جَمِيعِ وَصَايَا الرَّبِّ وَأَحْكَامِهِ بِلاَ لَوْمٍ." (لوقا 1: 6).
بصفته كاهنًا، كان زكريا يَكْهنُ في الهيكل، وكان يؤدي مهامه حين ظهر له فجأة ملاك الرب. لم يكن هذا الظهور الملائكيّ في هذا المكان من قبيل المصادفة، فقد كان ممكنًا أن يظهر له جبرائيل في البيت، أو بينما يعمل في الحقل، أو خلال سفره. ولكن الله قَصَد عن عمدٍ أن يُعلن عن خطّته لزكريا بينما هو في الهيكل، عند المذبح. قَصَدَ الله أن يُعطي أول إعلان عن "الميلاد" في مكان العبادة، ليُنبهنا أن مربط هذه القصة هو العبادة.
مُشكلة عبادة إسرائيل
عبر التاريخ كان لإسرائيل مذابح مُشوشة! الشعب الذي كثيرًا ما تَركَ الله الذي حرَّرَهم واختصَّهم لذاتهِ- شعبًا له. وهذه البداية العظيمة تزيد الأمر مأساوية، إذ كثيرًا ما تتحول قصّتهم إلى التمرُّد، والرفض، وعبادة الأوثان. إنهم دائمًا ما حوَّلوا القفا لله، ودنسوا مذابحهم بفوضى الأوثان والآلهة المُزيفة (2 أخبار الأيام 33: 4-5). وكعادتهم زنوا في عبادتهم، وأبقوا الله ي الخارج بعيدًا بأن ملئوا حياتهم ومذابحهم بأشياء أخرى.
عندما دخل زكريا الكاهن الهيكل ليُبَخِّر، كان يقود الشعب في العبادة بالأساس (لوقا 1: 10) ويُمثِّلهم أمام الله. وعلى الرغم من وصفهِ بأنه بارّ وبلا لوم، إلّا أنه ينتمي إلى شعبٍ غارقٍ في عبادة الأوثان، والفوضى، والضلال. ابتعدوا عن الله، وعاشوا متناحرين بعضهم الآخر، رافضين طُرق الله، وسالكين في العصيان. إنَّ مُعضِلة عبادة إسرائيل هذه هي سياق إعلان الملاك جبرائيل.
نحن أيضًا نعاني مُشكلة عبادة
وكما كان بنو إسرائيل في الماضي، هكذا نحن في الحاضر، نعاني مُشكلة عبادة جاء المسيح ليحلّها. ومن ثمَّ كان إعلان الملاك جبرائيل لزكريا، موضِحًا الدور الذي سيُتمّمه ابنه الآتي، يوحنا المعمدان:
"وَيَرُدُّ كَثِيرِينَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَى الرَّبِّ إِلهِهِمْ. وَيَتَقَدَّمُ أَمَامَهُ بِرُوحِ إِيلِيَّا وَقُوَّتِهِ، لِيَرُدَّ قُلُوبَ الآبَاءِ إِلَى الأَبْنَاءِ، وَالْعُصَاةَ إِلَى فِكْرِ الأَبْرَارِ، لِكَيْ يُهَيِّئَ لِلرَّبِّ شَعْبًا مُسْتَعِدًّا»." (لوقا 1: 16، 17)
كان عمل يوحنا أن يتقدَّم أمام يسوع ويصنع تحوّلًا ثلاثيّ الأوجه.
الوجه الأول: التوبة؛ أن يرُدّ "كَثِيرِينَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَى الرَّبِّ إِلهِهِمْ" من الأوثان التي أربَكَت مذابحهم. والثاني: المُصالحة؛ أن يرُدّ "قُلُوبَ الآبَاءِ إِلَى الأَبْنَاءِ..." فعندما يُصالح الله الإنسان معهُ، يفعل بالمثل ويُصالح بين الإنسان وأخيه. والثالث: التغيير؛ أن يرُدّ "الْعُصَاةَ إِلَى فِكْرِ الأَبْرَارِ..." .
إنَّ الكتاب المُقدس عادةً ما يضع الحُكَماء [الأبرار] في مقارنة مع الحمْقى [العُصاة]. فالحكماء عادلون وصِدِّيقون وطائعون، بينما الحمْقى ظالمون وأشرار وغير طائعين. عمل الله هو أن يجعل من الحمْقى حُكماء؛ ومن العُصاةِ أبرار (أنظر إرميا 31: 33-34؛ 32: 36-41؛ حزقيال 36: 26-27)
لأي شيء نستعِد؟
كان دور يوحنا المعمدان الأساسي أن "يُهَيِّئَ لِلرَّبِّ شَعْبًا مُسْتَعِدًّا" (لوقا 1: 17). ولكن "مُستعِدًا" لماذا؟
هناك نصَّان مترابطان، يضفيان وضوحًا لهدف هذا الاستعداد، كما يمنحانا فهمًا أعمق لأهداف تجهيزاتنا لعيد الميلاد؛ وهي الاستعداد لرؤية مجد الله والتجاوب معه بالعبادة.
نستَعدّ لنرى مجد الله. وضعَ إشعياء الوصف الوظيفي ليوحنا المعمدان قبل ميلاده بمئات السنين:
"صَوْتُ صَارِخٍ فِي الْبَرِّيَّةِ: «أَعِدُّوا طَرِيقَ الرَّبِّ. قَوِّمُوا فِي الْقَفْرِ سَبِيلاً لإِلَهِنَا. كُلُّ وَطَاءٍ يَرْتَفِعُ، وَكُلُّ جَبَل وَأَكَمَةٍ يَنْخَفِضُ، وَيَصِيرُ الْمُعْوَجُّ مُسْتَقِيمًا، وَالْعَرَاقِيبُ سَهْلاً. فَيُعْلَنُ مَجْدُ الرَّبِّ وَيَرَاهُ كُلُّ بَشَرٍ جَمِيعًا، لأَنَّ فَمَ الرَّبِّ تَكَلَّمَ»." (إشعياء 40: 3- 5)
التشبيه هنا هو الفوضى وعدم التهيئة التي تشوب كل وطاء والجبال والمعوجات والعراقيب، والتي تتماثل مع صعوبة طُرق العالم وحياتنا أيضًا. هذه هي الطُرق التي صنعناها لأنفسنا، ونحاول السير فيها بدون الله. إنها طريق لله، ولكننا نحن مَن أشَعنَا الفوضى فيها. كان دور يوحنا أن يكون كأحد معدات تهيئة الأرض، أن يدير "جرافة روحية" على تلك الطُرق "ذاتية الصُنع"، ويهيئَ طريقًا به يأتي الله نفسه إلى شعبه.
إن الطريق التي كان ليَعِدّهُا يوحنا (كذلك تقاليد موسم الميلاد، بطريقة ما) هي طريق استقبال وترحيب. هي طريق المَلِك، حيث يُبسَط السجاد الأحمر للاستقبال. إن موسم الميلاد هو وقت للتحضير لاستقبال المَلِك.
إن الهدف النهائي من وراء هذه التهيئة هو "(فَيُعْلَنُ) مَجْدُ الرَّبِّ (وَيَرَاهُ) كُلُّ بَشَرٍ جَمِيعًا" (إشعياء 40: 5). يُتيح الرب لنا هذه الفُرصة مرة أخرى، أن نرى مجده بوضوح، ولكي يحدث هذا، يجب أن يُنقَّى الطريق ويُعاد ترتيبه.
نستَعدّ لنستجيب بعبادةٍ.عندما وُلِد يوحنا، انفتح فمّ زكريا لأول مرة منذ تسعة أشهر، ورنَّمَ ترنيمة سُبح لله، فيها تنبّأ لابنهِ: "وَأَنْتَ أَيُّهَا الصَّبِيُّ نَبِيَّ الْعَلِيِّ تُدْعَى، لأَنَّكَ تَتَقَدَّمُ أَمَامَ وَجْهِ الرَّبِّ لِتُعِدَّ طُرُقَهُ. لِتُعْطِيَ شَعْبَهُ مَعْرِفَةَ الْخَلاَصِ بِمَغْفِرَةِ خَطَايَاهُمْ" (لوقا 1: 76، 77). يقول زكريا، أن كل هذا [ما سبق]، لعل الناس "..بلا خوف تعْبُدُهُ، بِقَدَاسَةٍ وَبِرّ قُدَّامَهُ جَمِيعَ أَيَّامِ حَيَاتِنَا." (لوقا 1: 74، 75)
ولأنّ يوحنا من نسل هارون، فهو أيضًا كاهن. هو بالطبيعة مُعِدٌّ: ليُنظف البيت، ويُرتّبه، ويُزيل أي عقباتٍ لكي لا ينشغل إسرائيل عن فِعل ما خُلِقَ لأجله: أي عبادة الله.
إذًا، ما الذي نستعدّ له في موسم الميلاد؟ نحن نستعدّ لنعبد!
موسم الميلاد: هو وقت للتهيئة [التصفية].
إن القصد من موسم الميلاد هو أن يستعدّ الناس لمجيء الملك. هو وقت لتصفية [وإزالة] الأشياء التي ألقينا بها في الطريق وعلى المذبح؛ فأعاقت عبادتنا، واستبدلت يسوع في وجداننا، وصرفت انتباهنا بعيدًا عنه.
موسم الميلاد هو إيقاع [تقليد] سنوي للانخراط المُتعمَّد مع الممارسات التي تُساعدنا على تهيئة أماكننا وأجنداتنا وجيوبنا وعقولنا وقلوبنا. هو وقتٌ لنقصد فيه أن نجعل بيوتنا مُستعدّة لذلك الشخص الذي جاء إلينا كطفل. إنّ تنقية "الكراكيب" هو فعل استضافة، هو بمثابة بسط السجاد الأحمر، وتجهيز، وإخراج كل شيء، لتهيئة المكان وللترحيب بالمَلِك.
موسم الميلاد هو وقتٌ لنا لنرجع إلى ما يدور حوله هذا الموسم، وحياتنا كلها أيضًا: العبادة. ليس فقط في موسم الميلاد ولكن دائمًا.
تُرجِم هذا المقال ونُشِر بالاتفاق مع موقع Gospel-Centered Discipleship وضمن سلسلة من المقالات القيّمة التي ستقوم خدمة "الصورة" بنشرها باللغة العربية تباعًا في إطار الشراكة مع خدمة "تلمذة مركزها الإنجيل".
يمكنكم قراءة المقال الأصلي باللغة الإنجليزية من خلال الرابط: Are you really ready for Christmas?