شقّ عليَّ الوصول لجذور خطيتي. أين مصدرها؟ شقّ اكتشاف كيفية محاربتي إياها وشعرت بالفشل المُستمر. فالتقليد الذي تربيت في كنفه يُعلِّم أن الخطية في الأصل هي "في العالم". فإن كنت فقط أستطيع أن أحفظ نفسي بلا دنس (مُنفصِلًا عن) من العالم، سأخطئ أقل. حاولت فعل هذا ولكن لم تقلّ خطيتي.
نشأت شاعرًا بالإحباط والإعياء من محاولاتي عيش الحياة المسيحية. كان اعتمادي على قوتي الشخصية في الصراع جزءًا من مشكلتي، بينما كان الجزء الآخر في تركيزي [الزائد] على مصدر هجمة الخطية.
بحسب التقليد الذي نشأتَ في ظله ستتكون لديك وجهة نظر مُعينة عن كيفية مهاجمة الخطية لنا. ويبدو أن مصدر هجوم الخطية هو أحد ثلاثة أنواع: إبليس، والعالم، والجسد. بينما تأملت هذه الأنواع بعُمق، طفا سؤالان إلى السطح:- ما هي عيوب كل نوع، من حيث علاقته بكيف أو لماذا نخطئ؟- هل يُجدي أحد الأنواع الثلاث نفعًا أكثر من غيره في مُحاربة الخطية؟
ثلاث طُرق لهجمات الخطية
إذا كنتَ قد نشأتَ في تقليد مائل أكثر للكارزماتية، فعلى الأرجح يتعلق الأمر كله بإبليس وأرواحه النجسة. إن صُدمت سيارتك، فالسبب إبليس. إن أخطأتَ، فإبليس جربَّك لترتكب الخطأ أو "إبليس جعلك تفعلها" حتى . ولذلك ينصَّب التركيز في مُحاربة الخطية على امتلاك إيمان وقوة إرادة كافيين لمواجهة إبليس وهجماته.
وقد تكون نشأت في تقليد إنجيلي مُحافِظ أكثر، وعلى الأرجح عندها يتعلق الأمر كله بـ"العالم". لقد كان علينا أن نتعلّم أننا في العالم ولكن لسنا من العالم، كلام صحيح وكتابي. ولكن أصبح الحل هو الاختباء من العالم لكي لا نتلوث "بالخطية التي فيه". أبعدنا عنا فكرة وجودنا في العالم بسبب كثرة الخطية التي فيه. ومنها اجتمعنا على فكرة أننا لن نُخطيء إن لم ننخرط في العالم بتاتًا.
وإذا نشأتَ في سياق أكثر إصلاحًا [ينتمي لحركة الإصلاح]، على الأرجح سيتعلق الأمر كله بـ"الجسد". فبحسب هذا التقليد، تُهاجمنا الخطية من الداخل، بينما لا يُمنَح "العدو" أو "العالم" اهتمام كبير. هذا التقليد يرى الإنسان كله ساقطًا وفاسدًا. الأمر كله يتعلق بقلبي الخاطىء، وبعدم قدرتي على فعل ما يدعوني الله لفعله.
الثلاث أنواع صحيحة. فإبليس يُخطّط ضدنا، والعالم ساقط ومليء بالخطية، ونحن ساقطون وفاسدون بالخطية. هل سيكون من الخطر أن نمنح نوعًا منهم تركيزًا أكبر مما نمنحه لغيره؟
نواقص الأنواع الثلاثة!
أولًا، بالنظر للتقليد الأكثر كارزماتية والأكثر تركيزًا على "إبليس". هناك عدو حقيقي كأسد زائر يلتمس أن يُدمرنا ويبتلعنا (1 بطرس 5: 8). إنه عدو حقيقي جدًا يأمل أن يُجربنا ويوقعنا أيضًا في الخطية. نحتاج أن ننظر لعدونا بجدية.
لكن الجزء الأول في (1 بطرس 5: 8)، يقول لنا اصحوا واسهروا. إبليس لا يقدر أن يجعلنا [بمعنى أن يُجبرنا] نُخطئ، وخطيتنا ليست في الأساس غلطة إبليس. يقول الكتاب المقدس:
"لَمْ تُصِبْكُمْ تَجْرِبَةٌ إِلاَّ بَشَرِيَّةٌ. وَلكِنَّ اللهَ أَمِينٌ، الَّذِي لاَ يَدَعُكُمْ تُجَرَّبُونَ فَوْقَ مَا تَسْتَطِيعُونَ، بَلْ سَيَجْعَلُ مَعَ التَّجْرِبَةِ أَيْضًا الْمَنْفَذَ، لِتَسْتَطِيعُوا أَنْ تَحْتَمِلُوا." (1 كورنثوس 10: 13)
سيُعطينا الله طريق الخروج، أو طريقًا لاحتمال تجربة العدو. لسنا مضطرين للتركيز كثيرًا على العدو ومَن يقف ضدنا، إذ أن من شأن هذا إلهائنا عمَن هو فينا ويُحارب عنّا. نحن مدعوون أن نخضع لله فنقدر على مقاومة إبليس وسيهرب منا (يعقوب 4: 7).لا يتعلق الأمر بحشد قدر كافٍ من الإيمان، أو استحضار قوة الإرادة الكافية لمقاومة الشيطان. الأمر مُتعلق بموضوع إيماننا؛ يسوع، وقوة الروح القدس فينا.
ثانيًا، ننظر للتقليد الإنجيلي المُحافِظ الذي يُركز على الخطية "في العالم"، علينا ألا نكون من العالم (رومية 12: 1-2، يعقوب 4:4). هناك أشياء خاطئة في العالم ولا يجب أن ننخرط فيها. لكن بعد التأمل، ندرك حقيقة تأصُّل الخطية فينا. فهي ليست مُجرد "خطية خارجنا" لكنها خطية لا يمكن الهروب منها.
ليس هذا فقط، بل أبقانا الله في العالم لنُظهِر محبته ونعمته. لن نستطع فعل هذا إن لم ننخرط في العالم لأننا منعزلون عن العالم، وكل ما نفعله هو انتظار مجيء يسوع مرة أخرى. يدعونا الله للانخراط مع الناس الذين في العالم لنتمكن من إظهار محبة مُختلفة لهم.
قد يكون جُزء من المُشكلة هو ما يتعلّق بسُمعَتنا، وبرّنا الذاتي، ومظهرنا الجيّد. نحن نعتزل العالم حتى لا يرانا الآخرون وكأننا أصدقاء له.
"لأَنَّهُ جَاءَ يُوحَنَّا لاَ يَأْكُلُ وَلاَ يَشْرَبُ، فَيَقُولُونَ: فِيهِ شَيْطَانٌ. جَاءَ ابْنُ الإِنْسَانِ يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ، فَيَقُولُونَ: هُوَذَا إِنْسَانٌ أَكُولٌ وَشِرِّيبُ خَمْرٍ، مُحِبٌّ لِلْعَشَّارِينَ وَالْخُطَاةِ. وَالْحِكْمَةُ تَبَرَّرَتْ مِنْ بَنِيهَا». (متى11: 18، 19)
ربما علينا ألا ننشغل كثيرًا بصيتنا، لأن الناس سيقولون ما يريدون بغض النظر عما نفعله. كوننا في المسيح يُحرّرنا من رأي الآخرين (نحن لا نحتاج موافقتهم). كوننا في المسيح يُحرّرنا من القلق بشأن ما سيفكرونه عنّا (فهُم لا يُعرِّفوننا ولا يملكون حق الحكم علينا). إن صدقنا هذا، سنتحرر فنذهب إلى أماكن نكون "فيها" دون أن نكون "منها"، لأننا عندها سنصل لأُناس يُريدنا يسوع أن نصل لهم. سنتحرر لنستضيف "هذه النوعيات" من الناس في بيوتنا، أو لنحضر مناسباتهم بغرض محبتهم كما المسيح أيضًا.
ثالثًا، بحسب التقليد المُصلَح من حيث أن الخطية "من الجسد"، ترى بعض وجهات النظر حول "الفساد الكليّ"، بأننا "في غاية السوء" و"خُطاة حتى النخاع"، ولماذا إذًا نحاول مُقاومة الخطية؟ من ثمَّ يمكن التأرجُح من "أنا سيء جدًا" إلى "أنا حرٌ جدًا" فإني أقدر أن أفعل وأنغمس في أي شيء. ولكن، بينما نحن بالحقيقة أحرار في المسيح، هذه الحرية ليست رُخصة للخطية، وهذا ما يُحذرنا منه الرسول بولس ( غلاطية 5: 13). يُكمِل بولس قوله بأننا تحررنا من الخطية لنحب قريبنا وليس أنفسنا. فالروح القدس في داخلنا يُعطينا أشواقًا ورغبات جديدة حتى لا نُخطىء.
هل يُجدي أحد الأنواع الثلاثة نفعًا أكثر من غيره؟
يُساعدنا التقليد المُصلَح في تحديد جذور الخطية بشكل أفضل. فالخطية "ساكنة فينا".
"وَلكِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يُجَرَّبُ إِذَا انْجَذَبَ وَانْخَدَعَ مِنْ شَهْوَتِهِ. ثُمَّ الشَّهْوَةُ إِذَا حَبِلَتْ تَلِدُ خَطِيَّةً، وَالْخَطِيَّةُ إِذَا كَمَلَتْ تُنْتِجُ مَوْتًا." (يعقوب 1: 14، 15)
بينما يقدر العالم والعدو بأكاذيبه التأثير علينا، وغوايتنا، وخداعنا، ولكننا نختار ارتكاب الخطأ. نُخطىء لأننا نريد أن نُخطىء. نُخطىء لأن الخطية لا تزال فينا. نحن لا نستطيع الهروب من الخطية، ولكننا نستطيع تعلم كيف نُعرِّف خطيتنا ونحاربها.
يلزمنا أن نُعرِّف خطيتنا. يلزمنا أن نرى تأثير الخطايا على من حولنا كما علينا. يلزمنا أن نعرف كيف نُجرَّب، ولكن كلما زاد تركيزنا على الخطية وجدنا أنفسنا نغرق أعمق فيها. الطريق الوحيدة للحرية من الخطية هو في المسيح يسوع. فلنُفكر فيمن خلَّصنا وما فعله لأجلنا. المُفتاح هو تقليل التركيز على خطيتنا، وتكثيف التركيز على مُخلِّصنا وما فعله ليُحررنا من الخطية. نفعل هذا بالنظر إلى يسوع رئيس إيماننا ومُكمِّله.
يلزمنا النظر إلى يسوع ورؤية تمام عمله. عندما نتذكر أن خلاصنا قد أُكمل في المسيح، فالله ينظر إلينا ولا يرى خطيتنا بل يرى برّ المسيح، عندها ننظُر إلى خطيتنا لنتصدى لها. الطريقة التي نقاوم بها هجمة الخطية؛ سواء بصوت إبليس الخدَّاع، أو بشهوات العالم التي تغوينا وتخدعنا، هي أن نتذكر هويتنا وما فعله لأجلنا لنكون مِلكهُ.
نحتاج أن نتذكر هويتنا في المسيح وما فعله لنكون له (أفسس 1: 3- 14، 2: 1-10). نحتاج أن نصغي للروح القدس إذ يقودنا. فالروح يهبنا ويُطبّق علينا كل ما فعله المسيح لأجلنا، ويشهد لأرواحِنا أننا أولاد الله الحي (رومية 8: 15- 16، غلاطية 4: 1- 7).
عندما نرى هويتنا في المسيح، ونتذكر ماذا فعل لأجلنا بحياته المثالية، وموته الكفاري، وقيامته المجيدة، وسيادته وتسلطه الآن على العالم، سنستطيع رفض الخطية وقبول نعمته.
لُطفه يقتادنا إلى التوبة (رومية 2: 4). نستطيع التحوّل عن خطايانا إلى مُخلِّصنا. هو ينتظر عودتنا، ويعُطينا نعمته، ويقوّينا بالروح القدس لنطلب طاعة جديدة في نور إنجيله.
كرعاةٍ وقادة، لنقدّم للناس الإنجيل الذي يُغيِّرنا بدءًا من الداخل للخارج. بينما نوجِّه الناس للرجوع للمسيح ولكل ما فعله، تُغيِّرنا نعمته وتُمكِّننا من مقاومة الخطية. وحين يُدرك الناس خطيتهم ويدركون كينونة ذاك الذي تصدّى لها، يتهيئون لمواجهة ومحاربة هجمات إبليس وهجمات العالم.
الآن، نحن متأهبون بشكل أفضل لمُحاربة الخطية التي تهاجمنا من النوعين الآخرين (إبليس والعالم). ونستطيع مواجهة العدو بكذبه وإسكاته. نستطيع الانخراط مع العالم بمحبة، ونعمة، وحق دون أن "نكون منه". نستطيع أن نرى الخطية الساكنة فينا، ولكن دون أن تغرينا أو تغوينا، لأنها لم تعُد تُعرِّفنا وليس لها تحكم أو سُلطان علينا. نحن لله وهو لنا. كما تقول ترنيمة قديمة:
"حوِّل عينيك إلى يسوع، وتفرَّس في شخصه، فسيفقد العالم بريقه في حضرة مجد الإله."
تُرجِم هذا المقال ونُشِر بالاتفاق مع موقع Gospel-Centered Discipleship وضمن سلسلة من المقالات القيّمة التي ستقوم خدمة "الصورة" بنشرها باللغة العربية تباعًا في إطار الشراكة مع خدمة "تلمذة مركزها الإنجيل".
يمكنكم قراءة المقال الأصلي باللغة الإنجليزية من خلال الرابط: 3 Ways Sin Attack