(زكريا ٩: ٩)
"اِبْتَهِجِي جِدًّا يَا ٱبْنَةَ صِهْيَوْنَ، ٱهْتِفِي يَا بِنْتَ أُورُشَلِيمَ. هُوَذَا مَلِكُكِ يَأْتِي إِلَيْكِ. هُوَ عَادِلٌ وَمَنْصُورٌ وَدِيعٌ، وَرَاكِبٌ عَلَى حِمَارٍ وَعَلَى جَحْشٍ ٱبْنِ أَتَانٍ."
من أشهر المشاهد في حياة المسيح على الأرض، كانت دخوله أورشليم على حمار، وإستقبال اليهود له بسعوف النخل. التلاميذ فرحوا جدًا بوصول المسيح لأورشليم "وَلَمَّا قَرُبَ عِنْدَ مُنْحَدَرِ جَبَلِ ٱلزَّيْتُونِ، ٱبْتَدَأَ كُلُّ جُمْهُورِ ٱلتَّلَامِيذِ يَفْرَحُونَ وَيُسَبِّحُونَ ٱللهَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ، لِأَجْلِ جَمِيعِ ٱلْقُوَّاتِ ٱلَّتِي نَظَرُوا، " (لوقا ١٩: ٣٧). مفيش شك المشهد فكَّر التلاميذ بزكريا ٩: ٩ اللي بنقرا فيه " اِبْتَهِجِي جِدًّا يَا ٱبْنَةَ صِهْيَوْنَ، ٱهْتِفِي يَا بِنْتَ أُورُشَلِيمَ. هُوَذَا مَلِكُكِ يَأْتِي إِلَيْكِ. هُوَ عَادِلٌ وَمَنْصُورٌ وَدِيعٌ، وَرَاكِبٌ عَلَى حِمَارٍ وَعَلَى جَحْشٍ ٱبْنِ أَتَانٍ". ومز ١١٨: ٢٥، ٢٦ "آهِ يَارَبُّ خَلِّصْ! آهِ يَارَبُّ أَنْقِذْ! مُبَارَكٌ ٱلْآتِي بِٱسْمِ ٱلرَّبِّ".
ابن داود جه علشان يخلَّص، ملك إسرائيل أهو ومش بس إسرائيل لكن ملك كل الأرض ومن البحر إلى البحر (زكريا ٩: ١٠)، جاي لمدينته علشان يملك بالبر والسلام. غالبًا الموضوع كان شبه الهتاف الثوري، وكإنهم بيستعدوا للإنتصار، ومستنيين بس إشارة المسيح للهجوم. يا ترى هيعملها إزاي؟ إزاي هيخلَّصهم من الحكم الروماني؟ هيجيب نار من السماء زي إيليا ولا هيجيب ضربات زي الضربات العشرة بتاعة موسى؟ يمكن ناس كتير في أورشليم في اليوم ده إفتكرت الخروج من مصر وهزيمة فرعون وجيشه، وخاصة إن ناس كتيرة في أورشليم موجودة علشان تستعد للإحتفال بعيد الفصح، اللي بيفكرهم بالخروج من مصر!
اللي بيأكد الأفكار دي، هو هتاف الشعب في اليوم ده، اللي كان بيقول "أوصنا" يعني خلِّصنا وهما بيقتبسوا من مزمور ١١٨، لإن هو ده النداء اللي المفروض الشعب يقولوه وهما بينادوا على المسيا المُنتَظَر ابن داود. وكمان رد فعل الفريسيين بيوضَّح إنهم كمان كانوا فاهمين نفس الكلام، وده خلاهم يطلُبوا من المسيح يسكِّت التلاميذ، لإنهم كانوا متغاظين من شعبية المسيح ومن فكرة إن الناس شايفينه المسيا، الفريسيين كمان كانوا قلقانين جدًا من المشاكل اللي ممكن تحصل مع الرومان في الأوقات اللي زي دي اللي أصلًا بيبقوا مُتحفزين وقت الأعياد اليهودية ومُستعدين إنهم يتعاملوا بقسوة قدام أي إحتمال لثورة.
الغريب في المشهد إن المسيح ماستجابش للفريسيين ومارفضش هتاف التلاميذ، فمع إن فِهم التلاميذ للمشهد مكانش دقيق، لإنهم كانوا فاهمين إن الموضوع مرتبط بالخلاص من الحكم الروماني، لكن المسيح مارفضش اللي قالوه عنه ولا اللي اقتبسوه من العهد القديم. بالعكس ده حقق نبوة زكريا بالظبط ودخل راكب على جحش. فاللي قالوه التلاميذ في جوهرُه سليم، لكن أحداث بقيّة الأسبوع هتغيّر تفكيرهم علشان يفهموا المعنى الحقيقي لإنتصار المسيح.
فالتلاميذ كانوا مستنيين النجاح والنُصرة، وخاصة وهو بيعمل معجزات ويقوِّم الموتى، وبالنسبة ليهم دلوقتي المفروض يسوع رايح مدينته علشان يقضي على أعدائه. فأورشليم بالنسبة للتلاميذ هي مكان المجد والسلطان والقوة والنجاح والمكانة. ومع إنها فعلًا المكان اللي هيتحقق فيه النُصرة على الأعداء، لكنهم مكانوش شايفين الأعداء الحقيقيين اللي المسيح رايح يهزمهم، الموت والخطية وإبليس. كمان كانوا فاكرين إن النُصرة والمجد هايتحققوا على طول أول ما يوصل أورشليم، لكن مكانوش شايفين إن النُصرة دي هتتحقق بالألم والموت موت الصليب.
كانت أورشليم بالنسبة للتلاميذ مكان المجد وإعلان السلطة لكن بدون ألم وموت، لكن بالنسبة للمسيح أورشليم كانت مكان المجد والملك، لكن من خلال الألم والموت. علشان كده المسيح ثبَّت وجهه ناحية أورشليم (لوقا ٩: ٥١). المسيح ماهربش، ومكانش ضحية في إيد اليهود والرومان، المسيح كان عارف هو رايح علشان إيه، هو كان جاي مخصوص علشان الساعة دي.
المسيح كان رايح للألم والموت بإرادته... "لَيْسَ أَحَدٌ يَأْخُذُهَا مِنِّي، بَلْ أَضَعُهَا أَنَا مِنْ ذَاتِي. لِي سُلْطَانٌ أَنْ أَضَعَهَا وَلِي سُلْطَانٌ أَنْ آخُذَهَا أَيْضًا…" (يوحنا ١٠: ١٨).
سفر الرؤيا بيورينا مشهد شبه دخول المسيح لأورشليم، لكن بيورينا المشهد اللي هنكون عليه في النهاية. "بَعْدَ هَذَا نَظَرْتُ وَإِذَا جَمْعٌ كَثِيرٌ لَمْ يَسْتَطِعْ أَحَدٌ أَنْ يَعُدَّهُ، مِنْ كُلِّ ٱلْأُمَمِ وَٱلْقَبَائِلِ وَٱلشُّعُوبِ وَٱلْأَلْسِنَةِ، وَاقِفُونَ أَمَامَ ٱلْعَرْشِ وَأَمَامَ ٱلْخَرُوفِ، مُتَسَرْبِلِينَ بِثِيَابٍ بِيضٍ وَفِي أَيْدِيهِمْ سَعَفُ ٱلنَّخْلِ وَهُمْ يَصْرُخُونَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ قَائِلِينَ: «ٱلْخَلَاصُ لِإِلَهِنَا ٱلْجَالِسِ عَلَى ٱلْعَرْشِ وَلِلْخَرُوفِ»." (رؤيا ٧: ٩، ١٠).
اللي شُفناه في أورشليم يوم دخول المسيح، كان بروفة للمشهد النهائي ده! لكن لو كان المسيح قعد على العرش على طول وقت مجيئه الأول، زي ما التلاميذ كانوا عايزين وزي ما إحنا كتير بنعوز، لو كان وافق على المجد من غير ألم، مكُناش هنشوف ولا هنقرأ المشهد الموجود في سفر الرؤيا.
فبين المشهد الأول والمشهد الأخير، في أهم حدث وهو موت المسيح وقيامته. الموت اللي حقق فيه المسيح الخلاص والنصرة، مفيش نُصرة ولا تمجيد بدون ألم، فأعدائنا هزمهم ملِّكنا بموته. علشان كده اللي ماسكين سعوف النخل في سفر الرؤيا مش بيقولوا خلصنا لكن بيقولوا: "ٱلْخَلَاصُ لِإِلَهِنَا…" الخلاص تم فعلًا. مش بس كده دول كمان لابسين ثياب بيضا والثياب البيض دي مغسولة بدم المسيح "... وَقَدْ غَسَّلُوا ثِيَابَهُمْ وَبَيَّضُوا ثِيَابَهُمْ فِي دَمِ ٱلْخَرُوفِ" (رؤيا ٧: ١٤). فالإحتفال النهائي واللي بنعملُّه بروفة النهاردة، هو إحتفال باللي عمله المسيح ونصرته اللي حققها بدمه.
والنهاردة المسيح بيدعونا لطريق النُصرة، بإننا نثبِّت وجهِنا ناحية أورشليم، مش اللي هناخد فيها المناصب والمراكز العالية، لكن اللي هنحمل فيها صليبنا وإحنا بنتبع الملك وإحنا فاكرين "... إِنْ كُنَّا نَتَأَلَّمُ مَعَهُ لِكَيْ نَتَمَجَّدَ أَيْضًا مَعَهُ؟" (رومية ٨: ١٧).
- قرأت 1003 مرات