لعن شجرة التين

سلسلة: 

(هوشع ٩: ١٠)

"وَجَدْتُ إِسْرَائِيلَ كَعِنَبٍ فِي ٱلْبَرِّيَّةِ. رَأَيْتُ آبَاءَكُمْ كَبَاكُورَةٍ عَلَى تِينَةٍ فِي أَوَّلِهَا. أَمَّا هُمْ فَجَاءُوا إِلَى بَعْلِ فَغُورَ، وَنَذَرُوا أَنْفُسَهُمْ لِلْخِزْيِ، وَصَارُوا رِجْسًا كَمَا أَحَبُّوا."

المسيح عمل معجزات كتيرة جدًا في حياته، من شفاء وطرد شياطين وإشباع للجموع وإقامة موتى، وكان دايمًا بيعمل معجزات لخدمة الآخرين مش لنفسه. حتى لما الشيطان قاله يحوِّل الحجارة لخبز علشان ياكُل، رفض!... كمان معجزاته مكانش فيها أي لعنات أو دينونة!

لكن من أغرب المعجزات اللي عملها المسيح، كانت في الأسبوع الأخير قبل ما يتصلب، وهي لما لعن شجرة التين. الغريب في المشهد ده إن المسيح بيظهر وكإنه استخدم سلطانه وقدرته علشان احتياجه الشخصي، لإنه كان جعان وعايز ياكُل من شجرة التين، ولما ملاقاش فيها ثمر قام لعنها. ليه يعمل المسيح كده؟ ليه المعجزة دي مختلفة عن كل حاجة تانية في معجزات المسيح؟

علشان نفهم المعجزة الفريدة دي، لازم نفهم الأحداث اللي كانت بتحصل حواليها. المعجزة دي حصلت في الأسبوع الأخير وبالتحديد يوم الإتنين اللي بعد حد الزعف. بعد يوم حد الزعف المسيح راح بيت عنيا، لإن أورشليم بتبقى زحمة جدًا في التوقيت ده، علشان الإحتفال بعيد الفصح اللي هيحصل قريب. غالبًا المسيح والتلاميذ كانوا بايتين في بيت لعازر ومريم ومرثا. ويوم الإتنين الصبح المسيح وهو رايح أورشليم جاع وكان عايز ياكُل من شجرة التين ولما مالقاش فيها تين راح لعنها. 

وبعدين مرقس يكمل ويحكي لينا إن المسيح دخل أورشليم، وراح الهيكل وطرد اللي كانوا بيبيعوا ويشتروا في الهيكل، وطهر الهيكل وقال الكلمات المشهورة "... بَيْتِي بَيْتَ صَلَاةٍ يُدْعَى لِجَمِيعِ آلْأُمَمِ؟ وَأَنْتُمْ جَعَلْتُمُوهُ مَغَارَةَ لُصُوصٍ." (مرقس ١١: ١٧). وفي آخر اليوم خرج برة أورشليم. اليوم اللي بعده عدى المسيح والتلاميذ على شجرة التين مرة تانية فلاقوها يبست ونشفت من الأصول. خد بالك معايا مرقس بيحكي القصة إزاي: لعن شجرة التين – تطهير الهيكل – شجرة التين يبست بعد اللعنة. مرقس بيورينا علاقة واضحة بين شجرة التين وتطهير الهيكل.  

شجرة التين اللي كانت مليانة ورق ولكن من غير ثمر، كانت صورة قوية لأُمة إسرائيل واللي كان بيمثلها الهيكل واللي بيحصل فيه (ميخا ٧: ١). الهيكل كان قلب الأُمة اليهودية وبيعبَّر عن حالتها وحياتها. وفي الوقت ده الهيكل كان بيورينا كل مظاهر التدين الظاهري، من كهنوت وذبايح وأعياد، وعدد كبير جدًا من الناس اللي بتعبُد، وكل أشكال العبادة المختلفة، لكن من غير ما يكون في أي ثمر حقيقي، من غير ما يكون في عبادة حقيقية من القلب.

كلها مظاهر فارغة مليانة خداع وغش. البياعين بيبيعوا الذبايح للناس اللي جاية من مسافات بعيدة بأسعار مُبالغ فيها، ولإن الناس دي مش معاها العُملة المناسبة علشان يشتروا الذبايح، فبقي في ناس بتغيِّر عُملة بإستغلال وسرقة. فالهدف كان العبادة وتقديم الذبايح والإحتفال بعيد الفصح، ولكن اللي بيحصل كان في مُنتهى القُبح وبيعبَّر عن حالة قلب بعيد عن ربنا. وده كان حال إسرائيل، تدين من برة ولكن الحقيقة بعيدة كل البُعد عن العبادة الحقيقية لله، نفس القادة والكهنة اللي موجودين علشان يحتفلوا بعيد الفصح بعد كام يوم هيقتلوا ابن الله المُتأنِّس.

علشان كده شوفنا رد فعل المسيح العنيف وهو بيطهر الهيكل كنوع من الدينونة على اللي بيحصل، وهو بيتحدى سلطة الكهنة، وبكده كان بيدين كل الأمة اليهودية زي ما دان شجرة التين اللي كان باين عليها كل مظاهر الإثمار مليانة ورق، لكن من غير ثمر حقيقي، فكان مصيرها اللعنة، وده بالظبط اللي حصل للهيكل اللي إتدمر تمامًا سنة ٧٠ ميلادية، ومبقاش في ذبايح ولا أعياد زي ما شجرة التين يبست من الأصول.

الموضوع ده مش بس بيمس أمة إسرائيل واليهود وقت المسيح، لكن بيمسنا إحنا كمان النهاردة، كل كنيسة بلا ثمر مهما كانت مليانة ورق، هي في خطر كبير إنها تكون شجرة تين يابسة بعد شوية.

من غير قداسة حقيقية وحياة توبة وإيمان حقيقي من القلب، فمهما كانت حجم الأحداث، والإحتفالات في الأعياد، ومظاهر العبادة والخدمة اللي بتحصل في الكنيسة، هيبقى مالوش لازمة.

ياما كنايس كانت موجودة، لكنها إختفت من التاريخ، وبقيت زي شجرة التين اليابسة، فين النهاردة كنيسة أفسس وساردس وكل كنايس سفر الرؤيا؟ فين كنيسة قرطاج وهيبو (اللي كان في يوم من الأيام بيقودها أغسطينوس)؟ كام كنيسة النهاردة بقيت مُجرد مزار سياحي؟ كنايس كتيرة كان ليها ورق لكن من غير ثمر، والنهاردة بقيت ميتة زي شجرة التين.

خلي بالك، اللي لعن ودان هو المسيح شخصيًا.

والتحذير ده مش للكنايس بس لكن للأفراد كمان، ممكن يكون لينا مظاهر التقوى لكن مُنكرين قوتها، يمكن يكون عندنا ورق زي ورق التين، بنروح الكنيسة ونرنم ونتناول وبنخدم؛ لكن قلبنا ماتغيرش وبالتالي مفيش ثمر

ثمر الروح هو الدليل الحقيقي إننا مُتحدين بالمسيح بجد وفي طريقنا للأبدية معاه.