بكُلِّ اجتِهادٍ...
إنّ دراسةَ كلمة الله تستحقُّ أن نبذُل كلَّ اجتِهادٍ نستطيعه؛ لأنّها صوتُ الله لنا القادِر أن يُحكِّمنا للخلاص، ويُؤَهِّلنا لكي نعيشَ حياةَ المحبَّة (٢تيموثاوس ٣: ١٦، ١٧). لكن، كيف ندرُس كلمةَ الله بأكثر عُمقٍ؟ مِن أين نبدأ؟ وما الذي يجب أن نبحثَ عنه في النصِّ؟ فيما يلي سَبْع خُطواتٍ أستَخدِمُها عندما أدرُسُ كلمةَ الله.
واحدة من أفضل الطرائِق للتعرُّف على شخصٍ ما هي طرح الأسئلة عليه واستمرار الرغبة الجادَّة في معرفة الإجابة. وقد اكتَشَفْتُ أنّ هذه الطريقة فعَّالة أيضًا في دراسة كلمة الله. ولهذا السبب، أصبحْتُ أطرَحُ في كلِّ خُطوةٍ سؤالًا رئيسيًّا أو اثنين. واكتَشَفْتُ أنّ طَرْحَ هذه الأسئلة، بهذا الترتيب، يُقدِّم لنا طريقًا مُثمِرًا لدراسة كلمة الله.
اِقترِبْ إلى كلمة الله بالصلاة
قبل أن نبدأ أيَّ شيءٍ، نحتاج إلى أن نُصلِّي. فدون الصلاةِ، ندرُس كلمةَ الله بشعورٍ مُتكبِّر بالاكتفاء الذاتي. لكنّ كلمةَ الله تقول: ”وَإِلَى هذَا أَنْظُرُ: إِلَى الْمِسْكِينِ وَالْمُنْسَحِقِ الرُّوحِ وَالْمُرْتَعِدِ مِنْ كَلاَمِي.“ (إشعياء ٦٦: ٢). لذلك، نحن لا نقترب من الكتاب المُقدَّس لكي يخضع لنا، بل لكي نخضع نحن له. ويجب ألّا يكون الغرض من دراسة كلمة الله هو الانتفاخ بالمعرفة، بل أن نتواضع قُدَّام الله. لذلك، نحتاج إلى أن تكون صلاتنا ونحن أمام كلمة الله: ”اكْشِفْ عَنْ عَيْنَيَّ فَأَرَى عَجَائِبَ مِنْ شَرِيعَتِكَ.“ (مزمور ١١٩: ١٨).
1- اُنظُرْ إلى بِنية النصِّ
اِبدَأْ بالبحث عن بِنية الفِقرة، فالسؤال الأساسي الأوَّل هو كيف ركَّب ونظم الكاتِبُ هذا النصَّ؟
مُعظَم النصوص لها بِناءٌ تنظيمي. فكلُّ نوعٍ أدبيّ، له معاييرُ بِناءٍ تنظيميَّة خاصة به. فمثلًا، غالبًا ما تتبع القصصُ في الكتاب المُقدَّس الحبكةَ السردية بتوضيح الوضع القائم، والتوتُّر المُتصاعِد في أحداث القصة، والذُّروَة، ثم الحلِّ والظروف الجديدة. وأيضًا الرسائل التي تبغي إقناعَنا بحقيقةٍ ما، غالبًا ما تطرح فكرةً وتطوِّر حُجَّتها بواسطة نقاط رئيسية وتنتهي باستنتاج. فكُلَّما انتبهنا إلى بِناء النصِّ، نستطيع أن نجدَ الأفكارَ الرئيسية التي يُقدِّمها الكاتِبُ.
لكن، في بعض الأحيان، لا يوضِّح الكاتِبُ بِنيةَ النصِّ، لذلك يجب علينا أن نُدرِّب أعيُنَنا لكي نراها. فالقارِئ البصير ينظُر بأعيُنٍ تُشبِه الأشعة السينية (X-ray) لكي يرى بناء النص الذي يدرُسه. إذا كنْتَ تقرأ قصةً، حدِّد أجزاء المشهد أو الحبكة. وإذا كنْتَ تدرُس جزءًا من رسالة، اِتَّبِع تتابُع الأفكار. في أثناء دراستك لكلمة الله، اصنع مُخططًا يحتوي على جُملٍ مُختصرة توضِّح ما فهمته من النصِّ والأعداد الكتابية المُرتبِطة بكُلِّ جُملةٍ. فمثلًا، عندما كُنْتُ أدرُس مزمور ١٩، كتبتُ هذا المُخطَّط:
- السماء تعلن مجدَ الله في كلِّ مكانٍ (مزمور ١٩: ١- ٦).
- كلمة الله قوية وثمينة (مزمور ١٩: ٧- ١١).
- صلاة استجابةً للغفران والقوة المُغيِّرة (مزمور ١٩: ١٢- ١٤).
2- اِقرَأْ سياقَ النصِّ
بعد النظر إلى بناء النصِّ، لاحِظ السياق الأدبي (القرينة القريبة والبعيدة) للنصِّ. فكُلُّ نصٍّ مُرتبط بالسياق المُباشِر للسفر الموجود به (القرينة القريبة) وكذلك السياق الأوسع (القرينة البعيدة) وهو الكتاب المُقدَّس بأكمله. لذلك، اِسأَلْ، ماذا يُخبرنا السياقُ المُباشِر للنصِّ وسياق الكتاب المُقدَّس بأكمله عن معنى هذا النصِّ؟
أوّلًا، بواسطة السياق الأدبي المُباشِر للنصِّ، يجب أن نسعى لفهم الدور الذي يؤدِّيه هذا النصُّ في فَهم رسالة السفر بأكمله. ولكي نفعل هذا نحتاج إلى أن ننظر إلى النصوص التي على جانبي المقطع، المقطع السابِق والمقطع التالي للنصِّ الذي ندرُسه. فيجب أن نفهم كيف يتَّسق هذا النصُّ في تكوين البِنية والغرض من السفر الموجود فيه. لذلك، من المُهمِّ أن نقرأ فقراتٍ من الكتاب المُقدَّس، ونفكِّر في كُلِّ فِقرة وعلاقتها بالأخرى.
ثانيًا، يجب أن ننظرَ إلى سياق الكتاب المُقدَّس بأكمله، ونلاحظ كيف يتَّسق النصُّ مع تتابُع قصة الكتاب المُقدَّس. لذلك، وأنت تقرأ النصَّ، حدِّد الاقتباسات والتلميحات المأخوذة من أجزاءٍ كتابية أخرى [مثل اقتباس أو تلميح أحد كُتَّاب العهد الجديد لنصٍّ من العهد القديم]. وكذلك، حدِّد إنْ كان هناك [في النصِّ الذي تدرُسه] ”موضوعٌ“ (theme) من الموضوعات الرئيسية التي تجدها في قصة الكتاب المُقدَّس بأكمله [مثلًا، إنْ كُنْتَ تقرأ ٢صموئيل ٧ ومزمور ٨٩ تجد موضوع ”العهد“ المُتكرِّر في أماكنَ كثيرةٍ في الكتاب المُقدَّس]. تأمَّل كيف أنّ ذُروةَ الإعلان في التاريخ الفدائي في المسيح، تسهم في توضيح معنى النصِّ. على سبيل المثال تجِد فكرةُ ”الفداء“ في العهد الجديد جذورَها في فداء شعب إسرائيل من العبودية في أرض مِصر، وهي الصورة التي يستخدمها الأنبياء ليتنبَّأوا بالفداء الأعظم، من العبودية الأعمق [عبودية الخطية].
3- ضَعْ في الاعتبار الخلفيةَ التاريخية للنصِّ
كَتبَ كُلُّ كاتِبٍ في إطار ظروفٍ تاريخية مُعيَّنة. فعلى الرَّغمِ من أنّ الكتابَ المُقدَّس هو في النهاية كتابٌ واحد، فإنّه يضمُّ مجموعةً من سِتَّةٍ وَسِتِّين كتابًا أصغر. كُتِبَت أسفارٌ مُختلِفة في ظلِّ ثقافات وظروف مُختلِفة. لذا فعليك أن تسأل ماذا كانت الخلفية الأصلية، والظروف الأصلية للكاتِب والقُرَّاء؟
لاحِظ أيَّ شيءٍ يعكس ثقافةَ الكاتِب أو القُرَّاء الأصليِّين أو الظروف المُحيطة. على سبيل المثال، نعرف من رسالة فيلبِّي أنّ بولس الرسول كتبَ هذه الرسالة وهو في سجن روما، وكان من المُحتمَل إعدامه قريبًا. وهذا يجعل موضوع ”الفرح“ في الرسالة مُدهِشًا!
4- اِفهَمْ الفكرةَ الرئيسية للنصِّ
اِجتهِدْ أن تُحدِّد الفكرةَ الرئيسية للكاتِب عند دراسةِ نصٍّ ما. لذلك نطرح السؤالَ، ما هي الفكرة الأساسية التي يُثيرها الكاتِبُ؟ الهدف من ذلك هو إعادة صياغة فكرة الكاتِبِ بطريقةٍ يتَّفق هو معها. فالهدف أن نقول، ”أيُّها الكاتِبُ، إذا كُنْتُ أقْرَأُ هذا النصَّ قراءةً صحيحةً، فهذا ما تقوله: ” ...... “؛ فيردُّ الكاتِبُ، ”نعم، هذا بالفعل ما أعنيه.“
هذه العملية تتطلَّب التواضعَ، فنحن نضع جانبًا ما نريد أن يقوله النصُّ، لكي نتبنَّى ما قاله الكاتِبُ بالفعل.
علينا أيضًا التركيز على تحديد الفكرة الرئيسية. إنّ التواصُلَ بشكلٍ عام مُعقَّدٌ للغاية. فعادةً يكون لنا عِدَّة أفكارٍ نريد توصيلها. لكن عادةً تكون لنا فكرةٌ واحدة رئيسية [من خلال كُلِّ هذه الأفكار الفرعية]. وبنفس الكيفية، النصوص الكتابية مليئة بمواضيعَ شائِقةٍ مُتعدِّدة وعِدَّة نقاطٍ فرعية مُهمَّة. لكن واحدة من أهمِّ مَهامِنا هي فَهم الفكرة الرئيسية التي تُكمِلها الأفكار الأُخرى.
5- حدِّد غرضَ النصِّ
بمجرد فَهم ما قاله الكاتِبُ، نحتاج إلى أن نعرف لماذا قاله. فنطرح السؤالَ، ما غرض الكاتِبُ من كتابة هذا النصِّ؟ بهذا السؤال ننتقل من فكرة الكاتِب الأساسية إلى غرضِه. فإذا كانت الفكرةُ الرئيسية سهمًا، فإنّ الغرضَ هو الهدف، وهو ما يسعى الكاتِبُ للوصول إليه بواسطة كلماته. يمكن أن نُشير إلى هذا بالأجندة أو التثقُّل الرعوي للكاتِب. فعلينا ملاحظة كيف يُريد أن يُجدِّد الكاتِبُ ذهنَ القارِئ وإيمانَه وأسلوبَ حياتِه.
واحدة من أفضل الطرائِق لفَهم الغرض من النصِّ هو أن تبحث عن الغرض الأكبر للسفر الموجود فيه النصُّ. فمثلًا، يُعطينا يوحنَّا الغرضَ من ذِكْرِ الآيات التي صنعَها يسوعُ في إنجيله وهو: ”... لِتُؤْمِنُوا أَنَّ يَسُوعَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ، وَلِكَيْ تَكُونَ لَكُمْ إِذَا آمَنْتُمْ حَيَاةٌ بِاسْمِهِ" (يوحنَّا ٢٠: ٣١). وهذا يُساعدنا على فَهم غرض النصوص المُختلِفة في بقية السفر.
6- اِفهَمْ النصَّ في ضوء رسالة الإنجيل
قد نرى بالفعل كيف يرتبط النصُّ برسالة الإنجيل، لكِنَّنا نحتاج إلى أن نُعطي هذه الخُطوة كثيرًا من الاهتمام. اِطرحْ هذا السؤالَ، ما هي بعض النواحي التي يرتبط بها هذا النصُّ بالأخبار السارَّة عن نعمةِ الله للخُطاة والمُتألِّمين؟ أَعِدْ قراءةَ النصِّ واِبحَثْ عن الإشارات المُباشِرة عن يسوعَ وموتِه وقيامتِه: اِبحَثْ عن عباراتٍ فيها رسالة الإنجيل بشكلٍ مُباشِر، مثل ”الْمَسِيحَ يَسُوعَ جَاءَ إِلَى الْعَالَمِ لِيُخَلِّصَ الْخُطَاةَ“ (١تيموثاوس١: ١٥).
واِبحَثْ أيضًا عن استجابتِنا لرسالة الإنجيل بالتوبة والإيمان. اِبحَثْ عن ”الدوافع“ النابعة من مركزية الإنجيل، مثل ”وَاسْلُكُوا فِي الْمَحَبَّةِ كَمَا أَحَبَّنَا الْمَسِيحُ أَيْضًا وَأَسْلَمَ نَفْسَهُ لأَجْلِنَا..“ (أفسس ٥: ٢).
عندما تُصبِح على درايةٍ بالموضوعات الرئيسية الموجودة في قصة الكتاب المُقدَّس، لاحِظ إذا كان أيٌّ من هذه الموضوعات موجودًا في النصِّ الذي تقرأه، وكيف وصلت إلى ذُروَتِها في شخص يسوعَ المسيح (موضوعات مثل المُلْك والملكوت، العهد، الهيكل، الكهنوت، والذبيحة، الخروج والفداء، السبي والعودة، وما إلى ذلك). وأخيرًا، تأمَّل كيف يُصوِّر لنا هذا النصُّ قلبَ اللهِ الرحيم، والذي نراه أيضًا مُعبَّرًا عنه في شخص المسيح وبواسطة الإنجيلِ.
7- اِستجِبْ لما أعلَنَه اللهُ لك من خلال النصِّ
الخُطوة الأخيرة هي أن نستخلصَ تداعياتِ أو تطبيقات النصِّ ونتجاوب معها. فالآن نسأل، ما هي تداعيات وتطبيقات النصِّ لنا اليوم؟ لم نبدأْ بهذه الخُطوة لأنَّنا إنْ لم نفهمْ النصَّ بطريقةٍ صحيحة أوّلًا، رُبَّما نفقد الطريقةَ الفريدة التي بها يدعونا النصُّ للتجاوب معه. لكن بعد الصلاة والدراسة الأمينة للنصِّ، علينا أن نتجاوب. فقد فَهمنا المعنى وسمِعنا صوتَ الله، لذلك نستطيع الآن أن نطلب قوةَ الروحِ القدس المُجدِّد والمُغيِّر.
اِقْضِ وقتًا هادئًا للتأمُّل وفكِّر في بعضِ الأمور في حياتِك:
- على المستوى الشخصي، كيف يجب أن يُغيِّرَ هذا النصُّ طريقةَ تفكيرِك، ومشاعرك، وسلوكك؟
- على المستوى المُجتمعي، ما هي تداعيات هذا النصِّ على علاقاتك؟
- على المستوى المهني، كيف يجب أن يغيِّر هذا التعليمُ عملَنا وكيف نؤثِّر في الثقافةِ المُحيطة بنا؟
- على المستوى المُرسَلي، ما هي تداعيات هذا النصِّ على صُنْع تلاميذ من أقربائِنا ومن الأمم؟
في كُلِّ هذا، تفكَّر في كيفية التفاعل مع ما تعلَّمته في روح الصلاة. صلِّ كي ما يُجدِّد الروحُ القدس ذهنَك وقلبَك وسلوكَك. دَعْ النصَّ يقودك إلى تمجيد الله والاعتراف بالخطية الاتِّكال على نعمته والفرح بوعوده. اُطلُبْ من الله أن يُحرِّك قلبَك لتُحِبَّه وتحبَّ الآخرين بعُمقٍ أكبر. ثم اُخرُجْ إلى بقية يومِك لتعكس صلاحَ اللهِ للآخرين.
تُرجِم هذا المقال ونُشِر بالاتفاق مع موقع Crossway.org ،
ويمكنك قراءة المقال الأصلي باللغة الإنجليزية من الرابط التالي: A 7-Step Approach to In-Depth Bible Study