
حُكم بيلاطس
صار يسوع بديلًا عنَّا بطريقة هائلة.
في آخر يوم ليسوع على هذه الأرض، قُبِضَ عليه في بُستانٍ، وأُخِذَ إلى المُحاكَمة. لقد كانت مِحنة قصيرة، لأنَّه لم يكن هناك دليلٌ حقيقيٌّ. لم يكن هناك مُحامٍ ومعه عرضٌ ما أو شاهدٌ في الدقيقة الأخيرة ليَعتلي المِنصَّة والذي قد يَحسم الحُكمَ. على الأرجح استمرَّتْ كلٌّ من المُحاكمات الثلاث الصوريَّة بضعة دقائق. تَنقَّل يسوع بين بيلاطس ثُمَّ هيرودس ثُمَّ رجوعًا إلى بيلاطس مرَّةً أخرى.
إنَّ المُحاكَمة الأخيرة هي التي حُكم على يسوع بالموت فيها. يبدو كما لو أنَّ بيلاطس لم يرغب بالضرورة في إرسال يسوع إلى الموت، لكنَّه خضع لِضغط اليهود (متَّى ٢٧: ٢٢- ٢٤). بصفته الحاكم الرومانيَّ لأورشليم، كان لبيلاطس علاقةٌ صعبةٌ بالشعب اليهوديِّ. لقد سبق له أنْ عالَجَ نقصًا في الميزانيَّة عن طريق نَهب أموال خزانة الهيكل. غضِبَ اليهود بشدَّة، وقام كثيرون بإثارة الشغب. إنَّ الجنود الذين أرسلهم بيلاطس لإيقاف الشغب قاموا بِضرب الكثير من اليهود حتَّى الموت. إنَّ ذلك سيَجعلك بالتأكيد عدوًّا للشعب. في حادثةٍ أخرى، اغتاظ اليهود بشدَّة من بيلاطس بسبب تَزيينه للقصر بالصور الوثنيَّة، ورفعوا بالفعل دعواهم إلى قيصر. كان الحاكم مُستاءً من المُشاحنات وطلبَ من بيلاطس أن يُزيل الصور. كان من المفترض أن يُبقي بيلاطس اليهودَ تحت السيطرة، لكن يبدو أنَّه لم يَستطِع ذلك.
مع ذلك، واجَه بيلاطس قضيَّةً مُفخَّخةً أخرى: كيف ينبغي أن يتعامل مع يسوع؟ كان من شأن أعمال شغب أخرى أن تُكلِّفه الكثير. في ضوء ضربتين لصالح خصومه، كان من شأن سَقطة أخرى أن تُبعِد بيلاطس عن عمله وتَرمي به إلى الشوارع بشكلٍ دائم. وَصلَ موقفُ يسوع إلى مرحلة الغليان في أثناء عيد الفصح. كان من عادة الإمبراطوريَّة الرومانيَّة أن تَسمح إلى أحد المُجرمين المُدانين بأن يخرج حُرًّا، وكان بإمكان اليهود أن يَختاروا مَن سيكون هذا الشخص. يُسجِّل لنا نَصُ متَّى ٢٧: ١٥-١٨ هذه اللحظة:
وَكَانَ الْوَالِي مُعْتَادًا فِي الْعِيدِ أَنْ يُطْلِقَ لِلْجَمْعِ أَسِيرًا وَاحِدًا، مَنْ أَرَادُوهُ. وَكَانَ لَهُمْ حِينَئِذٍ أَسِيرٌ مَشْهُورٌ يُسَمَّى بَارَابَاسَ. فَفِيمَا هُمْ مُجْتَمِعُونَ قَالَ لَهُمْ بِيلاَطُسُ: «مَنْ تُرِيدُونَ أَنْ أُطْلِقَ لَكُمْ؟ بَارَابَاسَ أَمْ يَسُوعَ الَّذِي يُدْعَى الْمَسِيحَ؟» لأَنَّهُ عَلِمَ أَنَّهُمْ أَسْلَمُوهُ حَسَدًا.
ربَّما قال بيلاطس: "إنَّ هذه هي فرصتي لكي أُطلِق سراح يسوع. سنُقدِّم أسوأَ مُجرمٍ، قاتلٍ، وسنُقدِّم يسوع. بالتأكيد لن يَرغبوا في إطلاق سراح الرجل الآخر". لكنَّهم فعلوا ذلك. أقنعَ رؤساءُ الكهنة والشيوخ الجمعَ بأن يُطلقوا سراح باراباس. لقد تَفاجأ بيلاطس بشدَّة، لدرجة أنَّه سألهم مرَّةً ثانيةً، "مَنْ مِنْ الاثْنَيْنِ تُرِيدُونَ أَنْ أُطْلِقَ لَكُمْ؟ فَقَالُوا: بَارَابَاسَ" (متَّى ٢٧: ٢١). وفقط من أجل أن يستوضح الأمرَ، سألهم بيلاطس مرَّةً أخيرة قائلًا: "فَمَاذَا أَفْعَلُ بِيَسُوعَ الَّذِي يُدْعَى الْمَسِيحَ؟ قَالَ لَهُ الْجَمِيعُ: لِيُصْلَبْ! فَقَالَ الْوَالِي: وَأَيَّ شَرّ عَمِلَ؟ فَكَانُوا يَزْدَادُونَ صُرَاخًا قَائِلِينَ: لِيُصْلَبْ" (متَّى ٢٧: ٢٢، ٢٣).
إنَّ أقلَّ ما يُقال عن المشهد هو إنَّه بأكمله مُفاجِئٌ. لقد تمَّ اتِّهام يسوع بجرائم لم يكن من المُمكن إثباتها. وكان هناك باراباس الذي ببساطة يُعتبَر إرهابيًّا. اختار الجمعُ قاتلًا بدلًا مِن الشخص الذي يُحيي الأموات. لقد اختاروا الشرِّيرَ بدلًا مِن الشخص الذي يُحبُّ بشكلٍ كاملٍ. كان بيلاطس يَعرف أنَّ يسوع بريءٌ، لكنَّ الجموع صاحتْ مُطالِبةً بإطلاق سراح باراباس وبِصَلْب يسوع. فاستسلمَ بيلاطس لِمطالِبهم لكي يُنقذ وظيفته.
كثيرًا ما تساءلتُ عمَّا كان يُفكِّر فيه باراباس في تلك اللحظة. لقد كان محكومًا عليه بالإعدام في سجنٍ رومانيٍّ، وبالتأكيد كان مُدركًا أنَّه قد يُعدَم في أيِّ يومٍ. لم تكن هناك عمليَّة واضحة أو بسيطة للإفراج المشروط، أو أيُّ استئنافٍ يستطيع أن يَعتمد باراباس عليه. لم يَتمتَّع المَساجين بأيِّ حقوقٍ. لقد انتهى الأمر بالنسبة إليه. لم يكن هناك رجاء. كان قاتلًا يَستحقُّ الموت، وعلى الأرجح كان في قرارة نفسه يَعرف ذلك. كان كلُّ يومٍ يَمرُّ يُعجِّل بِمَوته الأكيد. ربَّما كان يَتصوَّر أحداثه –الجَلْد، والاستهزاء، والموت النهائيُّ. لقد كان ذلك اليوم آتيًا عن قريب.
ثُمَّ أتى ذلك اليوم. كان يستطيع سماع صدى الصيحات في أنحاء ساحة المَحكمة: "لِيُصْلَبْ، لِيُصْلَبْ!" ربَّما كان يُفكِّر بداخله قائلًا: "إنَّهم قادمون لأجل إعدامي". فتحَ الحُرَّاس بابَ زنزانته وسحبوه إلى الخارج. لكنَّ أمرًا مُذهلًا حدثَ. كان الجميع يَحتفلون بِحُرِّيَّته الجديدة. تمَّ فَك قيوده، وأُطلِقَ سراحه. لقد أصبحَ القاتلُ حُرًّا.
ضَعْ نفسك مكانه لدقيقة. كنتَ تَمشي في قيودٍ نحو موتك، ثُمَّ فجأةً، عندما لم تكن تتوقَّع إطلاقًا، أصبحتَ إنسانًا حُرًّا. ثُمَّ تَسمع الكلمات تبدأ من جديد قائلةً: "لِيُصْلَبْ، لِيُصْلَبْ". ثُم ترى شخصًا آخر ماشيًا بجانبك. إنَّ تلك الصيحات ليست عنك أنتَ. إنَّ الحُرَّاس يَسحبون رجلًا نحو موته –يسوع الناصريُّ. لقد ضُرِبَ، وجُلِد، والآن يُجبَر على حَمْلِ صليبه إلى موته. إنَّه الصليب نفسه الذي منذ لحظات كنتَ تَتصوَّر نفسك حاملًا إيَّاه. فتقول لِنفسك: إنَّ هذا هو موتي الذي سيَموته. إنَّ باراباس هو الشخص الوحيد في التاريخ الذي كان باستطاعته أن يقول إنَّ يسوع حرفيًّا حملَ صليبي.
أخذَ يسوعُ موتَ باراباس، ومُنِحَ باراباس الحُرِّيَّة التي كان يسوع يستحقُّها.
حملَ يسوعُ الذنبَ، والعار، واللعنة، والخِزي، والموت الذين كان يَستحقُّهم باراباس. حصلَ باراباس على العفو، والحُرِّيَّة، والحياة التي كان يَستحقُّها يسوع. لقد كان ذلك مَشهدًا رهيبًا.[1]
باراباس هو نحن
أتساءلُ ما إذا كان باراباس استطاع نسيان تلك اللحظة. يُمكن تَصوُّر أنَّ صورة يسوع وهو يحمل الصليب الخاصَّ بِباراباس حُفرتْ في ذهنه وقلبه طوال حياته الباقية. توجد مُفارقات أكثر مِن أن يُفوِّتها. إنَّ معنى اسم باراباس هو "ابن الأب". إنَّ كلمة "بار" بالآراميَّة تعني "ابن"، وكلمة "ابا" تعني "الأب". نَعرف من خلال إنجيل متَّى أنَّ اسمه بالكامل كان يسوع باراباس.[2] يسوع، ابن الأب. أشار تيم كيلر Tim Keller إلى أنَّه يوجد لدينا اثنان يسوع في قصَّتنا. كلاهما "ابن الأب"، ولكن كانا مُختلفين بالكامل. كان أحدهما يَملُك عن طريق قتله للآخرين، وكان الآخر يَملُك عن طريق تقديم حياته لأجلهم. أراد أحدهما أن يُطيح بالمَلك، والآخر هو المَلك الشرعيُّ للشعب. كان أحدهما مُدانًا وسيُطلَق سراحه، وكان الآخر إنسانًا بريئًا والذي كان سيُعدَم. إنَّ الابن الحقيقيَّ للآب، الذي كان بريئًا، سيَذهب إلى موته. لقد أطلقوا سراح الابن الخطأ.[3]
كان يسوع سيُعدَم من أجل نوعيَّة الجرائم التي ارتكبها بالفعل الرجلُ الذي أُطلِقَ سراحه. وتَستمرُّ المُفارقات. أَخذَ يسوعُ حرفيًّا عقابَ باراباس بدلًا عنه. مَشى يسوع حتَّى نحو موته مثلما كان سيَفعل باراباس. مَشى يسوعُ طواعيةً وفي هدوءٍ. ومع ذلك، لم يكن الأمر بسبب أنَّ يسوعَ هُزِمَ. لم يتفوَّق أعداءُ يسوع عليه. لم يكن ذلك خطأً أو حادثةً. لم تكن تلك خطَّةً ثانويَّةً في خطَّة الله الأزليَّة للخلاص. لقد كان صَلب حمل الله البريء ضمن خطَّة الله منذ الأزل.
نَقرأ في لوقا ٩ أنَّ يسوع ثبَّتَ وجهه نحو أورشليم لأنَّه كان في مُهمَّة. كانت كلُّ حياته مُتَّجهة نحو الجُلجُثة، نحو تلك التَلَّة التي كان سيموت عليها. كانت حياته مَسيرةً نحو ذلك الصليب. لقد عاش لكي يموت. قال يسوع في إحدى المرَّات: "لَيْسَ أَحَدٌ يَأْخُذُهَا [حياتي] مِنِّي، بَلْ أَضَعُهَا أَنَا مِنْ ذَاتِي" (يوحنَّا ١٠: ١٨).
اختارَ اليهودُ الرجلَ الخطأ، لكنَّ الربَّ قدَّم الرجلَ الصحيح. هذه هي رسالة الإنجيل. "لأَنَّهُ جَعَلَ الَّذِي لَمْ يَعْرِفْ خَطِيَّةً، خَطِيَّةً لأَجْلِنَا، لِنَصِيرَ نَحْنُ بِرَّ اللهِ فِيهِ" (٢كورنثوس ٥: ٢١). أنا وأنت خُطاةٌ. إنَّنا جالسون في سجنٍ روحيٍّ، ومُقيَّدون بلا رجاء، في انتظارٍ لليوم الذي سنَنال فيه العقاب العادل الذي نَستحقُّه. نَجلس في طابور إعدام كلِّ أحكام الإعدام، في انتظارٍ أن نُجَرَّ إلى الموت غير عارفين متى ستُنفَّذ دينونة الله العادلة. لكنَّ الخبر السارَّ هو أنَّه عندما تتوب عن خطاياك وتَثِق بأنَّ يسوع سيُخلِّصك، فإنَّ يسوع يَذهب إلى الصليب بدلًا عنك. يَنال يسوع ما تَستحقُّه؛ وتنال أنتَ ما يَستحقُّه هو. إنَّها أعظم مُبادلة في كلِّ التاريخ. ضحَّى يسوعُ بحياته لكي تنال أنت الحياةَ.
[1] سمعتُ تِيم كيلر يَرسم صورةً رائعةً لهذا المشهد في عظةٍ في هذا النصِّ. Timothy J. Keller, “Mark 15:1–15, King’s Cross: The Gospel of Mark, Part 2: The Journey to the Cross” (New York: Redeemer Presbyterian Church, March 11, 2007).
[2] المرجع السابق.
[3] المرجع السابق.
عن الكاتب:
يَخدم ديڤ فيرمان Dave Furman (ماجيستير اللاهوت، كلِّيَّة لاهوت دالاس) بِصفته راعي كنيسة الفادي في دبي، الإمارات العربيَّة المتَّحدة، والتي زرعها في عام ٢٠١٠. لدى ديڤ وزوجته جلوريا أربعة أولاد.
إنَّ هذا المقال مأخوذٌ من Kiss the Wave: Embracing God in Your Trials بقلم ديڤ فيرمان Dave Furman.
تُرجِم هذا المقال عن الأصل الإنجليزي We Are Barabbas بعد الحصول على إذن من Crossway