مزمور 124

يدعو داود شعب إسرائيل لشكر الرب على معيته وانقاذه لهم. لا يمكن التأكد تمامًا من موقف محدد يشير له داود في هذا المزمور. قد تكون الإشارة هنا إلى حادثة الخروج حيث الكلام عن انقاذ الرب من السيل والمياه الطامية (مزمور ١٢٤: ٤-٥). لكن بصفة عامة كلمات هذا المزمور تنطبق على أحداث كثيرة في تاريخ شعب إسرائيل كما تنطبق على الكنيسة اليوم. فمنذ حادثة السقوط في تكوين ٣ والصراع بين نسل المرأة ونسل الحية لا يتوقف. وإلى اليوم مازالت الحية القديمة تهاجم الكنيسة ويصنع حربًا مع نسلها الذين يحفظون وصايا الله، وعندهم شهادة يسوع المسيح (رؤيا ١٢: ١٧).

لكن لنتذكر أن هذا المزمور هو مزمور شكر على معية الرب الدائمة مع شعبه بل وانقاذه المستمر لهم. في الحقيقة، إذا قورنت قوة الحية ونسلها مع قوة المرأة ونسلها، فكفة الحية أقوى. لكن هذه ليست الصورة الكاملة. هناك عنصر هام في المشهد يصنع كل الفارق وهو معية الرب مع شعبه. لهذا يدعو داود الشعب ويدعونا اليوم لنرنم هذه الترنيمة "لولا الرب الذي كان لنا". وهنا نرى ثلاث أمور: أولا: كلمة "لولا" تؤكد أنه بدون تدخل الله لما كان هناك رجاء في النجاة سواء من أعداء ضد شعب الله أو من الكوارث الطبيعية. في عدد ٧ يصور داود المشهد في شكل فخ قد اقتنصنا بالفعل مثلما يقتنص العصفور الضعيف الذي يكون بلا رجاء أو أمل في النجاة حال وقوعه في الفخ. وحده الله القادر أن ينقذنا من الفخ ويتمم خلاصنا. ثانيًا يستخدم داود كلمة "الرب" في الإشارة إلى الله والمميز هنا هو أن كلمة "الرب" هي الاسم العهدي لله وهو يكررها في المزمور أربع مرات (عدد ١، ٢، ٦، ٨). الرب هو إله العهد الذي دخل معنا في علاقة عهدية في نعمته، وهو إله حافظ العهد. وبحسب هذا العهد، الهجوم علينا هو هجوم عليه. الأمر الثالث هو قوله "لنا". فالرب صانع السماوات والأرض ليس محايدًا في المشهد ولكنه في صفنا، الله معنا.

عادة عندما نقدم الشكر لله أو نقول "مبارك الرب" يكون السبب هو أمر إيجابي فعله الله لأجلنا. ولكن في هذا المزمور يقول داود "مبارك الرب الذي لم يسلمنا فريسة لأسنانهم" (مزمور ١٢٤: ٦). يشكر داود الرب على أمر لم يفعله الله، لأنه لم يتركنا. فالله ماسك زمام كل الأمور، لا يوجد شيء يحدث في هذه الحياة خارج عن سيطرته. أي هجوم أو ضرر قد يحدث لنا فهو بالقدر الذي سمح به وأقره الله ولا يمكن أن يتعداه. المذهل هنا إنه حتى هذه الأمور الصعبة التي قد تحدث لنا سواء من أمراض أو اضطهادات أو ضيقات، هي ليست عشوائية ولا هي شر لابد منه، بل خلف المشهد إله العهد الحكيم المحب الذي ينسج بعناية كل هذه الأمور لتشكيلنا وتقويمنا لنكون مشابهين صورة ابنه (رومية ٨: ٢٨).

لا يمكن أن نقرأ مزمور ١٢٤ ولا نذكر كلام بولس في رومية ٨: ٣١-٣٩ "إن كان الله معنا، فمن علينا"، إن كان لم يشفق على ابنه بل بذله لأجلنا أجمعين كيف لا يهبنا أيضًا معه كل شيء". ماذا يمكن أن يشكننا في محبة أو معية الله لنا؟ أشدة أم ضيق أم اضطهاد أم جوع أم عري أم سيف؟ لا يوجد شيء يمكن أن يفصلنا عن محبة الله التي في المسيح يسوع ربنا. "عوننا باسم الرب صانع السماوات والأرض"