الاختيار لدور أم مقام أم للخلاص؟

يُعلّم الكتاب المقدس، بشكل لا يمكن إنكاره، عن الاختيار. ومع هذا، قد يعني الاختيار في الكتاب المقدس أكثر من أمر. في هذا المقال، ندعوك أيها القارئ الكريم للتفاعل مع فكرة ما إذا كان الاختيار هو لدور ووظيفة مُحدَّدة (سواء لأفراد أو للجماعة)! أم هو لمقام ومكانةٍ أعلى تُهدى للبعض! أم أنه اختيار للخلاص والحياة!؟ 

فعلى سبيل المثال، يمكن أن يكون الاختيار متعلق بدور مُحدَّد في تاريخ الخلاص وليس بالضرورة متعلق بالخلاص الأبدي. أي أن اختيار الله لأشخاص بعينها أو لجماعة ما يمكن أن يكون لتأدية دور معين وليس مرتبطًا بخلاصهم. لقد اختار الله شاول ليكون أول ملك لشعب إسرائيل (١ صموئيل ٩: ١٦-١٧) ولكنه رفضه بعد ذلك (١ صموئيل ١٥: ١١). وقد اختار الله إرميا ليكون نبيًا له (إرميا ١: ٥)، كما اختار بولس الرسول في العهد الجديد ليكون إناء مختار ليحمل اسم الله أمام أمم وملوك وبني إسرائيل (أعمال ٩: ١٥). بل إن اختيار الله شمل ملوك وثنيين لأداء أدوار محددة متعلقة بشعبه مثل اختياره لكورش ليحرر شعبه (إشعياء ٤٤: ٢٨؛ إشعياء ٤٥: ١). لقد اختار الرب يسوع التلاميذ الاثني عشر بما فيهم يهوذا (لوقا ٦: ١٣)، وقد اختار يهوذا وهو يعرف أنه سوف يخونه. مما سبق نرى أن الاختيار يمكن أن يكون معنيًا بدور ما أو وظيفة محددة في تاريخ الخلاص وليس بالضرورة الخلاص الأبدي للشخص المُختار، ولعل الملك شاول ويهوذا وكورش أدلة واضحة على ذلك.

لا يتكلم الكتاب المقدس فقط عن اختيار أفراد ولكن أيضًا عن اختيار جماعة. إن العهد القديم يؤكد لنا بأن الله قد ميَّز شعب إسرائيل دونًا عن كل شعوب الأرض، " لأَنَّكَ أَنْتَ شَعْبٌ مُقَدَّسٌ لِلرَّبِّ إِلهِكَ. إِيَّاكَ قَدِ اخْتَارَ الرَّبُّ إِلهُكَ لِتَكُونَ لَهُ شَعْبًا أَخَصَّ مِنْ جَمِيعِ الشُّعُوبِ الَّذِينَ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ" (تثنية ٧: ٦)، ويقول أيضًا في عاموس: "إِيَّاكُمْ فَقَطْ عَرَفْتُ مِنْ جَمِيعِ قَبَائِلِ الأَرْض" (عاموس ٣: ٢). وقد اختار الله هذا الشعب ليس لأي فضل فيهم (تثنية ٧: ٧-٨) ولا لسبق معرفته بأي طاعة أو استقامة من قبلهم، بل إن اختيار الله لهم حدث وهو على علم تام بعصيان إسرائيل.

لا أحد يمكن أن يُنكر اختيار الله لشعب إسرائيل، لكن هل كان هذا الاختيار متعلّقًا بخلاصهم الأبدي؟ أم أنه لدعوة خاصة أو لدور محدد لهذا الشعب؟

يرى الكثيرون أن اختيار الله لشعب إسرائيل كان مرتبطًا بدور محدد بدليل أن الكثير من شعب إسرائيل لم يخلص، "بِأَكْثَرِهِمْ لَمْ يُسَرَّ اللهُ، لأَنَّهُمْ طُرِحُوا فِي الْقَفْرِ" (١كورنثوس ١٠: ٥) ويؤكد كاتب العبرانيين هذه الحقيقة: " فَمَنْ هُمُ الَّذِينَ إِذْ سَمِعُوا أَسْخَطُوا؟ أَلَيْسَ جَمِيعُ الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ مِصْرَ بِوَاسِطَةِ مُوسَى؟  وَمَنْ مَقَتَ أَرْبَعِينَ سَنَةً؟ أَلَيْسَ الَّذِينَ أَخْطَأُوا، الَّذِينَ جُثَثُهُمْ سَقَطَتْ فِي الْقَفْرِ؟  وَلِمَنْ أَقْسَمَ: «لَنْ يَدْخُلُوا رَاحَتَهُ»، إِلاَّ لِلَّذِينَ لَمْ يُطِيعُوا؟  فَنَرَى أَنَّهُمْ لَمْ يَقْدِرُوا أَنْ يَدْخُلُوا لِعَدَمِ الإِيمَانِ." (عبرانيين ٣: ١٦-١٩).

بناء على ما سبق، يرى الكثيرون أن الكتاب المقدس سواء كان يتحدث عن اختيار لأفراد (مثل شاول وكورش) أو اختيار لشعب (مثل اختيار شعب إسرائيل)، فالأمر لا يتعلق بالخلاص الأبدي. فكما لم يضمن اختيار الله الخلاص الأبدي لأي من الأمثلة التي ذكرناها قبلاً، فكذلك لا يتعلق الاختيار في العهد لجديد بالخلاص الأبدي للأفراد. يُلاحَظ هنا أن أصحاب هذا الرأي يؤكدون بأن اختيار الله غير مشروط وأنه مبني على سلطان الله، ولكنهم ينكرون أن يكون متعلقًا بالخلاص الأبدي.

الاختيار للخلاص!

إن مشكلة النظرة السابقة ليست فيما تقوله وإنما فيما تنفيه. فكما قلنا قبلًا، لا يمكن إنكار أن الكتاب المقدس يتحدث عن اختيار تاريخي؛ أي متعلق بأدوار معينة في تاريخ الخلاص وليس بالضرورة عن الخلاص الأبدي. لكن لا يعني هذا أيضًا أن كلمة الله لا تعلِّم عن اختيار إلهي للخلاص الأبدي. لقد كان هذا السؤال عينه مطروحًا في وقت العهد الجديد؛ وخاصة فيما يتعلق بشعب إسرائيل. فأمام رفض غالبية اليهود وقت المسيح لرسالة الإنجيل، كان السؤال المطروح: "هل كلمة الله قد سقطت؟" (رومية ٩: ٦)، هل فشل الله في تنفيذ وعوده لشعب إسرائيل؟ هل تراجع عن اختياره لهم؟ وقد جاءت هذه الأسئلة في الإصحاح التاسع من رسالة رومية بعد أن وصل بولس في نهاية رومية ٨ لذروة وعود الله للمؤمنين. كان السؤال المنطقي بعد رومية ٨: "كيف يمكن أن نتأكد من حفظ الله لهذه الوعود الثمينة إن كان لم يحفظ وعوده لشعب إسرائيل الذي اختاره؟"

مكان رومية ٩ في هذا الجدل!

هل كان كلام بولس في رومية ٩ متعلقًا بالخلاص الأبدي للشعب الذي إليه صارت المواعيد في العهد القديم؛ أم بدور تاريخي لهذا الشعب؟

إن قلب الوعود التي أعطاها الله لشعب إسرائيل في العهد القديم لم يكن فقط عن دور تاريخي لهذا الشعب، ولكنه أيضًا مرتبطًا بالخلاص الأبدي. فهُم الشعب الذين “لَهُمُ التَّبَنِّي وَالْمَجْدُ وَالْعُهُودُ وَالاشْتِرَاعُ وَالْعِبَادَةُ وَالْمَوَاعِيدُ" (رومية ٩: ٤). لذلك ننتقل الآن للسؤال: كيف يمكن أن تكون وعود الله لهم لم تسقط بالرغم من سقوط بني إسرائيل ورفضهم للمسيح؟ يؤكد بولس أن الوعود لم تسقط (رومية ٩: ٦)! والسبب الذي يؤكد به بولس أن كلمة الله لم تسقط هو "أن ليس جميع الذين من إسرائيل هم إسرائيليون." فوعود الله الخلاصية قد تحقّقت بالفعل لمن يُطلق عليهم "إسرائيل الحقيقي"؛ وهم إسرائيليون من ضمن شعب إسرائيل.  فإسرائيل الحقيقي مع كونه من إسرائيل العرقي إلا أنه ليس متطابقاً معه. والهدف من هذا التمييز هو الإشارة إلى أن وعود الله العهدية – والمرتبطة بالخلاص الأبدي - لم تُفعَّل لكل إسرائيل العرقي ولكن لإسرائيل الحقيقي داخل إسرائيل العرقي.

وإليك بعض النقاط التي تُثبت أن الكلام في رومية ٩ متعلق بالخلاص الأبدي للأفراد:

١. اللفظ الذي استخدمه بولس هنا "الاختيار"، مماثل للمستخدم في رومية ١١: ٥، ٧ ورومية ٨: ٣٣ أو حتى خارج رومية (١تس ١: ٤؛ ٢بط ١: ١٠؛  كو ٣: ١٢؛ ٢تي ٢: ١٠؛ تي ١: ١)

وكل هذه الشواهد تشير للخلاص وليس لأدوار معينة في الخدمة أو في خطة الله، فالاستخدام الشائع لهذا اللفظ يُقصَد به الخلاص والحياة الأبدية، ولكي يستخدم بشكل مختلف يجب أن تدعم القرينة ذلك بقوة.

٢. لو كان كلام بولس فقط معني بإسرائيل كشعب لله، وغير معني بالخلاص، فلماذا أشار إليه بولس في هذا الإصحاح الذي يناقش فيه مشكلة رفض إسرائيل للخلاص؟

لا يناقش الرسول بولس هنا دور إسرائيل التاريخي وإنما القضية المُثارة هنا متعلقة بمصير الشعب الأبدي والانفصال عن المسيح.

٣. القرينة في الأصحاحات ٩ -١١ تتكلم عن الرحمة (رومية ٩: ١٥، ١٦، ١٨، ٢٣) والخلاص (رومية ٩: ٢٧، ١٠: ١) والبِرّ أو بِرّ الإيمان (رومية ٩: ٣٠، ١٠: ٣، ٩، ١٠، ١١، ١٣) وعن البقيّة (رومية ١٠: ٥) ومن الناحية الأخرى عن الهلاك (رومية ٩: ٢٢) وعن القساوة والمقاومة (رومية ٩: ١٨؛ ١٠: ٢١؛ ١١: ٧ – ١٠). فالكلمات الأخرى التي يستخدمها الرسول بولس كلها معنية بالخلاص الأبدي وليس الدور التاريخي أو الخدمي.

٤. من المصطلحات الهامة في الإصحاح التاسع هي كلمة الدعوة (رومية ٩: ١١، ٢٤) وهو المصطلح المرتبط في الأغلب بالخلاص (رومية ١: ٦-٧، ٨: ٣٠).

٥. مع أن الاقتباس من ملاخي ١: ١، ٤ عن محبة الرب ليعقوب وبغضته لعيسو مرتبط ليس فقط بهذين الشخصين ولكن أيضًا ذريتهما، إلا أننا يجب أن نسأل لماذا هذا التمييز بين هذين الشعبين؟

والرد هو لأنه كان هناك تمييز بين يعقوب وبين عيسو كأشخاص.

٦. لو كان المقصود هنا هو اختيار شعوب وليس أفراد، لماذا يفرق بولس بين إسرائيل وإسرائيل الحقيقي؛ بين نسل إبراهيم والأولاد الحقيقيين؟ علمًا بأن كل الأمثلة التي أتى بها بولس كانت من أولاد إبراهيم وليس من الأمم!

لذا نرى أن هناك اختيار بداخل الشعب المختار. إن هدف بولس من ذكر يعقوب وعيسو هنا هو محو أي امتياز للشخص في اختيار الله له. كما أنه ذكرهم كأفراد وتحدث عن ولادتهم كأفراد.

ليس رومية فقط!

يتخيل البعض أن الجدل حول موضوع الاختيار مرتبط بما نراه في رومية ٩ فقط، وهذا غير صحيح بالمرة.

بالطبع لا يلزم استخدام كلمة "اختيار" -بحصر اللفظ- كي نقول إن النص يتكلم عن الاختيار للخلاص. فنرى مثلاً البشير لوقا يتكلم عن هذه العقيدة في سفر الأعمال دون أن يذكر اللفظ، حيث يقول: " فَلَمَّا سَمِعَ الأُمَمُ ذلِكَ كَانُوا يَفْرَحُونَ وَيُمَجِّدُونَ كَلِمَةَ الرَّبِّ. وَآمَنَ جَمِيعُ الَّذِينَ كَانُوا مُعَيَّنِينَ لِلْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ" (أعمال ١٣: ٤٨). وهناك، كما ذكرنا قبلًا، شواهد أخرى في العهد الجديد تستخدم لفظ "الاختيار" ويكون المقصود هو الخلاص الأبدي، منها على سبيل المثال لا الحصر:

١.  " وَأَمَّا نَحْنُ فَيَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَشْكُرَ اللهَ كُلَّ حِينٍ لأَجْلِكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ الْمَحْبُوبُونَ مِنَ الرَّبِّ، أَنَّ اللهَ اخْتَارَكُمْ مِنَ الْبَدْءِ لِلْخَلاَصِ، بِتَقْدِيسِ الرُّوحِ وَتَصْدِيقِ الْحَقِّ." (٢ تسالونيكي ٢: ١٣). يؤكّد بولس هنا أن الاختيار هو للخلاص، وليس فقط أن الله اختار من سيخلصون، لكنه أيضًا حدَّد كيفية حدوث هذا؛ بعمل الروح القدس فيهم وتصديقهم للحق. وبالتالي فهو يقدم الشكر لمن يستحق الشكر وهو الله.

٢. "مُبَارَكٌ اللهُ أَبُو رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي بَارَكَنَا بِكُلِّ بَرَكَةٍ رُوحِيَّةٍ فِي السَّمَاوِيَّاتِ فِي الْمَسِيحِ، كَمَا اخْتَارَنَا فِيهِ قَبْلَ تَأْسِيسِ الْعَالَمِ، لِنَكُونَ قِدِّيسِينَ وَبِلاَ لَوْمٍ قُدَّامَهُ فِي الْمَحَبَّةِ، إِذْ سَبَقَ فَعَيَّنَنَا لِلتَّبَنِّي بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ لِنَفْسِهِ، حَسَبَ مَسَرَّةِ مَشِيئَتِهِ، لِمَدْحِ مَجْدِ نِعْمَتِهِ الَّتِي أَنْعَمَ بِهَا عَلَيْنَا فِي الْمَحْبُوبِ" (أفسس ١: ٣-٦). إن الزمن الذي تم فيه الاختيار بحسب هذه الأعداد هو قبل تأسيس العالم. ومعيار هذا الاختيار ليس بحسب أي شيء في المختارين، وإنما حسب مسرَّة الله. ونتيجة هذا الاختيار هو أن يكون المختارين قديسين وبلا لوم، وأبناء لله بواسطة يسوع المسيح. والهدف النهائي هو مدح مجد نعمة الله. فماذا يمكن أن يكون هذا سوى الخلاص الأبدي؟

اختيار لمقام؟!

لدينا محاولة البعض أيضًا في تفسير النصوص الخاصة بالاختيار (والمرتبطة بالخلاص) بعيدًا عن النجاة من الهلاك، بحيث يكون معناها "الاختيار لمقام أو امتياز معيّن" لبعض من المخلَّصين! فسلطان الله في الاختيار ليس مرتبطًا بالنجاة من الجحيم وإنما ببركات خاصة بالمختارين.

بحسب هذا الفكر يمكن تقسيم الناس إلى هالكين؛ وناجين من النار أي مخلَّصين؛ وإلى فئة ثالثة مخلَّصين ومختارين لامتياز وعلاقة خاصة مع الله في النهاية. فالقديسون في أفسس ١: ٤، والتبني في أف ١: ٥ واقتناء مجد المسيح في ٢ تس ٢: ١٤ ومشابهة صورة الابن في رومية ٨: ٢٩ هي امتيازات خاصة بالمختارين وليس لكل الناجين من النار!!

الاختيار هنا يعني أن الله يجود ببركة سامية عُظمى تتعدّى الخلاص من الهلاك. كما أنه امتياز لبعض من مؤمني العهد الجديد وليس لمؤمني العهد القديم لأنه مرتبط فقط بسكنى الروح القدس (الأمر الذي لم يكن حاصلًا، بحسب هذا الفكر، في العهد القديم!)

نرى هنا فصلًا غريبًا عن تعليم الكتاب المقدس بين الاختيار وبين الخلاص من الهلاك.

فبحسب هذا التعليم، لا يمكن لجميع المخلَّصين أن يصلوا قائلين "أبانا الذي في السماوات ..." إذ أن التبني ليس أحد بركات الخلاص تبعًا لهذا التقسيم، وهذا كله عكس ما نراه واضحًا في رومية ٨: ١٤ " لأَنَّ كُلَّ الَّذِينَ يَنْقَادُونَ بِرُوحِ اللهِ، فَأُولئِكَ هُمْ أَبْنَاءُ اللهِ." فهل يمكن أن يكون المرء منقادًا بروح الله ولكنه ليس من أبناء الله؟ سؤال آخر يطرح نفسه في هذا السياق: كيف يمكن لشخص أن يتأكد الآن من أنه ابن لله وليس مجرد ناجٍ من الجحيم؟ ما الأمر الذي يحدث هنا في هذه الحياة ليؤكد لنا هذه الحقيقة؟ وكيف يتفق هذا مع مخاطبة بولس لجميع المؤمنين في رسائله معطيهم لقب "مختاري الله" دون تمييز بين مؤمن وآخر؟!

لاحظ أيضًا الفصل بين مؤمني العهد القديم والعهد الجديد فيما يتعلّق بمصيرهم الأبدي، الأمر الذي يتناقض تمامًا مع تعليم كلمة الله.

فالمؤمنون -كما يصف لنا المسيح- سيتكئون مع إبراهيم واسحق ويعقوب في ملكوت السماوات (متى ٨: ١١). ويدعو بولس الذين هم من الإيمان: أبناء إبراهيم (غلاطية ٣: ٧) ونسل إبراهيم الوارثين بركة إبراهيم (غل ٣: ٢٩). كيف إذًا يمكننا القول بأن بعض مؤمني العهد الجديد سيتمتعون ببركة التبني وإبراهيم أبوهم في الإيمان لن يتمتع بها؟! كيف يستقيم هذا التعليم مع كون إبراهيم وداود هم النماذج التي استشهد بها بولس للتدليل على التبرير بالإيمان في العهد الجديد في رومية ٤. كيف يتفق هذا الفصل مع رؤيا يوحنا للمشهد السماوي الذي يجلس فيه ٢٤ شيخ يمثّلون مؤمني العهد القديم والجديد وهم متسربلين بثياب بيض وعلى رؤوسهم أكاليل من ذهب (رؤ ٤: ٤،؛ ٥: ٨)؟

تأمّل معي ما يقوله الرسول يوحنا وهو يفصل بين غير المؤمنين من جهة والمؤمنين من جهة أخرى: "هؤُلاَءِ سَيُحَارِبُونَ الْخَرُوفَ، وَالْخَرُوفُ يَغْلِبُهُمْ، لأَنَّهُ رَبُّ الأَرْبَابِ وَمَلِكُ الْمُلُوكِ، وَالَّذِينَ مَعَهُ مَدْعُوُّونَ وَمُخْتَارُونَ وَمُؤْمِنُونَ" (رؤيا 17: 14). يرى يوحنا بوضوح أن المؤمنين هم المدعوون وهم المختارون، ويسأل الرسول بولس : "مَنْ سَيَشْتَكِي عَلَى مُخْتَارِي اللهِ؟" (رومية ٨: ٣٣) والإجابة هي لا أحد يمكنه أن يشتكي على المختارين الذين برَّرهم الله في المسيح؛ الذي مات وقام وهو جالس الآن عن يمين الآب يشفع فيهم كل حين.