عندما تفتقر صلاتك إلى كلمات

يجب أن أعترف أنها أشبه بمعجزة أنك تقرأ هذا المقال.

إن أحد التحديات الدائمة التي تواجهني ككاتب هي انتزاع الكلمات مني، إذ يمتلئ عقلي بأفكار غير مكتملة ويفيض بالمشاعر طوال اليوم. لكن ترجمة هذه الأفكار والمشاعر إلى كلمات ملموسة يمكن أن يشكل تحديًا بالفعل.

أخشى أن أكتشف مقدار الوقت الذي أمضيته في التحديق إلى لوحة رقمية بيضاء، وفي مشاهدة مؤشرٍ يومض كما لو كان ينقر بقدمه علامةً على نفاذ صبره مني. بالطبع، لم تكن كتابة هذا المقال مختلفة. لكنني أتوقع أن تكون هذه الفقرة بمثابة المقدمة التي كنت أبحث عنها.

سواء أكانوا كتابًا أم لم يكونوا، فإنّ المسيحيين يختبرون حالة مشابهة من الجفاء في الصلاة في الكثير من الأحيان. لنستبدل وميض المؤشر بالدقات الخافتة للساعة في الغرفة، مع الثواني التي تتحرك بطريقة آلية على تروس الساعة. وها أنت تجلس، لا تستطيع التكلم في غصّة تسببت بها كتلة من المشاعر المعقدة، تجثو أمام الله ال" مَهُوبٌ هُوَ عَلَى كُلِّ الآلِهَةِ." (مزمور 96: 4)

لا نصلّي كما ينبغي

يعلم الرسول بولس أن هذا الاختبار طبيعي، إذ كتب قائلاً: "لأَنَّنَا لَسْنَا نَعْلَمُ مَا نُصَلِّي لأَجْلِهِ كَمَا يَنْبَغِي." (رومية 8: 26). فهو لا يعطي عذرًا لعدم الصلاة (وبالتالي "كما ينبغي") ولكنه يُقِرّ بالواقع الذي نواجهه. توجد عدة أسباب تجعلنا صامتين أمام الرب، سواء الخجل، أم الارتباك، أم الإحباط، أم الشك، أم الرثاء، أم الرضا عن الذات، أم الخوف، أم الغضب، أم الضيق، أم الضعف. والقائمة تطول.

يشبه عدم القدرة على الصلاة الرغبة في البكاء بدون القدرة على ذرف الدموع، إذ نريد أن نصرخ إلى الله، ولكن الكلمات تهرب منا.

في الكثير من لحظات الحياة، يبدو أن الصلاة هي كل ما نملك، وكأن حياتنا نفسها تعتمد على صلاة واحدة. اذًا، فإن احتمالية عدم القدرة على تجميع الكلمات لملء الفراغ يمكنها أن تغرقنا في اليأس. في بعض الأحيان نقترب من عرش النعمة ونحن نفتقر إلى الثقة (العبرانيين 4: 16). إذاً ماذا الآن؟

عمل الله بدون كلماتنا

عندما نجد أنفسنا بلا كلمات لنصلي بها، فإننا لم نصل إلى طريق مسدود. إذ عندما ننظر إلى من هو الله، توجد تعزية لحياة الصلاة معقودة اللسان هذه. قد تتعرض حياة الصلاة الخاصة بنا للمد والجزر، ولكن من نصلّي إليه لا يتغير. إنّ الله حاضر بقوة في كل الأوقات، حتى عندما تُعوزنا كلمات الصلاة. في الحقيقة، فإن ملء الثالوث ينخرط عاملاً ليساعدنا على طول الطريق. نستعرض في ما يلي بعض التذكيرات التي تستحق الدراسة من الكتاب المقدس:

  • الآب يَعلَم قبلنا. إن مزمور 139 هو تذكير مذهل لنا بالعلاقة الحميمة التي نشترك فيها مع الآب، والآية 4 جديرة بالملاحظة بشكل خاص: "لأَنَّهُ لَيْسَ كَلِمَةٌ فِي لِسَانِي، إِلاَّ وَأَنْتَ يَا رَبُّ عَرَفْتَهَا كُلَّهَا." يمكن للغوص في هذه الحقيقة أن يقينا من الوقوع في اليأس عندما يكون لدينا القليل من الكلمات لنقدّمها. إنّ فوضى مشاعرنا المتشابكة وأفكارنا المبعثرة معروفة تمامًا حتى قبل أن نتمكن من صياغتها.
  • الابن يشفع فينا.نحن لا نبتهج بالمسيح المقام فقط والذي " يَبْقَى إِلَى الأَبَدِ" (العبرانيين 7: 24)، ولكننا نستمد تعزيتنا من عمل المسيح الحاضر من أجلنا: "إِذْ هُوَ حَيٌّ فِي كُلِّ حِينٍ لِيَشْفَعَ (فينا)." (العبرانيين 7: 25). فالآن، يقف نيابةً عنا شخص يرفع توسلاتنا للآب، ولا يتعلق الأمر بتوجُّب كلماتنا لكي نُسمع على الإطلاق. فنحن بالفعل يتم التحدث بالنيابةِ عنّا.
  • الروح يئن معنا.إنّ مسؤولية الروح القدس عينها هي أن يكون مساعدنا (يوحنا 14: 26). يؤكد بولس على هذا الأمر في رومية 8: 26: " وَكَذلِكَ الرُّوحُ أَيْضًا يُعِينُ ضَعَفَاتِنَا، لأَنَّنَا لَسْنَا نَعْلَمُ مَا نُصَلِّي لأَجْلِهِ كَمَا يَنْبَغِي. وَلكِنَّ الرُّوحَ نَفْسَهُ يَشْفَعُ فِينَا بِأَنَّاتٍ لاَ يُنْطَقُ بِهَا." إنّ أنّات الروح القدس هذه تُماثِل أنّاتنا الداخلية الشخصية (رومية 8: 23). لا يتخلى الروح القدس عنا عندما نكون بلا كلمات. إنّه موجود في حالة الصمت هناك، يئن معنا.

كلمات الله بمثابة كلماتنا

ولأنّ الله ما زال يعمل في خضم فشلنا في إيجاد الكلمات، يمكننا أن نتشجع. ولكن ما يبدو جليًا أيضًا أن الله ما زال يريد أن يسمع صلاتنا وهي تُقام أمامه (2 كورنثوس 7: 14، يوحنا 16: 24، فيلبي 4: 6-7، يعقوب 1: 5-8، 4: 2). كيف يمكننا سدّ هذه الثغرة القائمة؟ بالإستناد إلى نَصّين في الكتاب المقدس، ندرك بساطة الأمر.

الصلاة الربانية!

من الجدير بالملاحظة أنه عندما سأل التلاميذ يسوع أن يُعلّمهم وسائل الصلاة، لم يعطهم محاضرة عن التقنيات الملائمة  لذلك، ولكنه بدلاً من ذلك أعطاهم كلمات (لوقا 11: 1-4). توقف وفكر في هذا الأمر لدقيقة. لقد أسّس يسوع هنا صلاة لشعبه يمكنهم أن يلجأوا إليها دائمًا، واثقين في ملائمتها أمام مَلِكهم.

عزيزي المسيحي، إن وجدت نفسك صامتًا، مرتابًا في ما عليك التفوّه به، اطمئن إلى هذه الحقيقة: لقد أتى الكلمة ليعطينا كلمات! لن يميل إلينا أكثر لكوننا مسهبين أو مبدعين، فالكلمات القديمة الموجودة في الصلاة الربانية -والتي نجحت في اختبار الزمن- لها الأهمية عينها. لقد رأى جون كالفن في الصلاة الربّانية خطًّا رأسيًا [زيجًا] نقيس عليه باقي حياة صلاتنا. ومع ذلك يمكننا أن نثق أنه حتى هذه الكلمات كافية في حد ذاتها.

عندما نصلّي الصلاة الربانية، فإننا نشغِّل سلّم النغم الكامل ل"كيفية الصلاة". ننسج معًا صلاة العبادة مع الاعتراف والشكر والتضرعات. نصلّي من أجل التزويد والحماية،  ولا ننسى أيضاً التسبيح  والإعلان. إنّ الصلاة الربانية تحافظ على صلاتنا كيلا تفقد اتزانها.

المزامير!

تُشكّل المزامير مجموعة أخرى من الكلمات التي يمكننا أن نعتمد عليها عندما نجد أنفسنا نفرغ من الكلمات. لا يحتقر الله صمتنا. بل بالأحرى يبتهج بالروح المتواضعة والساكنة، ويقدم لها الغذاء الذي تحتاجه لتنمو (المزامير 131: 2). لقد ثَبُتَ أنّ الصلاة بواسطة المزامير هي مصدرٌ غنيٌ مُقدمٌ للحياة المسيحية.

يذكّرنا أثناسيوس بأن المزامير تتحدّث [بالنيابة] عنّا، بينما يتحدث معظم الكتاب المقدس لنا.

في رسالته إلى مارسيلينوس، يكتب أثناسيوس قائلاً: "في (المزامير)، تجد أن الكلمات التي تريدها مكتوبة من أجلك، ويمكنك أن تستخدمها ككلماتك الشخصية." إنّ كتاب الصلوات الموحى به من الله هذا، والمتضمن في كلمة الله المُعلَنة، جاهز لنأخذه في صلواتنا الشخصية. لآلاف الأعوام، تمحورت حياة الصلاة الخاصة بكنيسة المسيح حول هذه المزامير. مهما قُلنا، لا يمكننا أن نُفرِط في ذكر أهميتها من أجل حيويّتنا الروحية.

عندما لا نعلم ماذا نصلّي، فإن الحلّ في بعض الأحيان يكمن ببساطة في ترديد هذه الترانيم والتأمل في الحقائق الموجودة فيها. هاك طريقة سهلة: إلى جانب قراءتك المعتادة للكتاب المقدس، إقرأ مزمورًا واحدًا في اليوم، أو إقرأ مزمورًا في الصباح وآخر في المساء. صلِّ هذه المزامير. اجعلها كلماتك الشخصية.

توجد عدة أساليب ومصادر لمساعدتك على الصلاة بواسطة المزامير، لكنّ يوجين بيترسون يعطينا أفضل نصيحة على الإطلاق في أربع كلمات: "بدون تعقيد. افعلها فقط."

أشجعك أن تستمع إلى نصيحة بيترسون، ثم انظر ما سيفعله الله. لقد كتب داود في المزمور الخامس قائلاً: " يَا رَبُّ، بِالْغَدَاةِ تَسْمَعُ صَوْتِي. بِالْغَدَاةِ أُوَجِّهُ صَلاَتِي نَحْوَكَ وَأَنْتَظِرُ." (عدد 3). كلّما تدربت أكتر على ذهنيّة "بدون تعقيد" هذه، أيقنتُ أن المزامير تقرأني بدلاً من أن أقرأها أنا.

صلِّ إلى أن تصلي

لقد تعلّمت درسًا عظيمًا آخر من التطهيريين Puritans الذين ينصحونا أن "نصلي إلى أن نصلي". في الكثير من الأحيان لا نصل إلى "عصارة" الصلاة لأننا نتوقف مبكرًا. نعطي أنفسنا ثلاث دقائق كحدّ أقصى، أو يقاطعنا ما يلهينا فنتعثّر ونتوه، أو قد لا نعرف بالضبط ما يجب علينا أن نصلي من أجله. ولكن كارسون ينصحنا قائلاً: "صلِّ إلى أن تصلي". تعامل مع كل الشكليات، والمشتتات، والجحور والحفر واستمر. مع مرور الوقت ستدرك أنك تصلي بالفعل في النهاية.

تذكر أن الله عامل في ضعفنا في الصلاة وأنّ "الكلمة" موجودة أمامنا، في انتظار أن تُصبح كلماتنا.

بدون تعقيد. افعلها فقط.


تُرجِم هذا المقال ونُشِر بالاتفاق مع موقع Gospel-Centered Discipleship وضمن سلسلة من المقالات القيّمة التي ستقوم خدمة "الصورة" بنشرها باللغة العربية تباعًا في إطار الشراكة مع خدمة "تلمذة مركزها الإنجيل".

يمكنكم قراءة المقال الأصلي باللغة الإنجليزية من خلال الرابط: WHEN YOUR PRAYERS LACK WORDS