صورة الله وحياة المحبة

 عندما يُعلن الرسول بولس فى رسالة رومية إصحاح ٣ أنه "أَنَّهُ لَيْسَ بَارٌّ وَلَا وَاحِدٌ"، فإنه يُرسى إعلانًا جريئًا. ولا يمكن لأحد إنكار حقيقة توغل الآثار المدمرة للخطية في جميع تفاصيل الخليقة. وإذا نظرنا للجنس البشري، فيمكن القول أن مقارنة أنفسنا بالنموذج الأصلي للكمال الأخلاقي لهو ضرب من السخف. ففي البداية، خلق الله الإنسان على صورته، ذكرًا وأنثى خلقهما، ووضعهما فى جنة، وكلفهما بالسيادة على كل ما خلقه ودعاه "حسن جدًا"  (تكوين ١: ٢٧- ٣١). أثنى الله على عمله، بما فيه تاج خليقته: آدم و حواء. يرسم لنا الكتاب المقدس في بدايته الله وصنعة يديه المُميزَين يحيون كلهم في انسجام تام. ولكن إذ تتكشف القصة، نجد الأمر يحيد عن تلك الصورة (تكوين ٣: ٢٤).  

  وعلى الرغم من أن الخطية الأولى كتبت نهاية قصة كمال خليقة الله، إلا أن مجده لا يزال يُشع من السموات (مزمور ١٩: ١)، والخليقة تُعلن عن صفاته لكيما يراها الجميع (رومية ١: ٢٠). فبالرغم من التشويه الذي ألحقته الخطية بالخليقة، إلا أن رؤية إبداع صنعة يد الله في شروق شمس كل يوم وتلاطم أمواج المحيطات لا تزال ممكنة، لكن كأنما في مرآة قاتمة (١كورنثوس ١٣: ١٢). وعلى غرار هذا التشبيه، يستمر حاملو صوره الله يعكسون صورته الآن لكن بشكل مشوه.

*المحبة: الإنعكاس الإلهى  

  وإذ يلهث العالم من حولنا خلف سراب مُضلِّل، فإن هؤلاء المفديين بذبيحة المسيح يملكون فرصة فريدة لرسم الصورة الحقيقية الجميلة لتصميم الله لشعبه. و على الرغم من إمكانية انعكاس هذه "الصورة" فى مجالات الحياة المتعددة، إلا أنَّ "المحبة" هى أكثر الطرق عمليةً، وبها نتمكن نحن - صورة الله - من الاشتراك في مُصالحته الكل لنفسه (كو ٢٠:١). يٌعَّلم المسيح أن أعظم وصيتين هما أن تحب الرب إلهك وأن تحب الأخرين (متى ٣٧:٢٢- ٣٩). يخبرنا يوحنا أن الله محبة، وأنَّ من يعلنون أنهم يحبونه عليهم أن يعكسوا ذلك من خلال الحب (١يوحنا ٨:٤). إنها ليست عبارات جوفاء ولكنها هائلة الأثر.

تجلب الخطية الموت والدمار على الإنسان وتؤدي إلى هوة انفصال عميقة بينه وبين الله. وحيث أن المحبة إحدى صفات شخصية لله المميِّزة، فإن حاملي صورته لابد وأن يُعرَّفوا و يُميَّزوا بهذه المحبة. ويظهر هذا في مقابلة الإهانة بالصفح، والقسوة باللطف، والعنف والإساءة بالحب والعطف، والسخرية بالتشجيع. فبينما يدفعنا الشيطان إلى الانغماس في الذات، يدفعنا الله إلى أعمال جذريّة في خدمة الآخرين. كما يحثنا جيف فاندرستلت قائلًا:

"يجب علينا أن نحيا حياة لا يُفسِّرُها [أي لا يُفسِّر جمالها وقوتها] إلا رسالة الإنجيل."

إنَ الميل الطبيعي للقلب البشري هو أن يتقمّص دور الملك. وفي سعي البشر لإيجاد عالمًا تُشكِّله رغباتهم نجدهم يستخدمون أساليب مُخادعة، الأمر الذي نلاحظة في احتقار الآخرين، أو تكديس الممتلكات المادية، أو الشكوى والتذمر من السائقين الآخرين أثناء قيادة سياراتهم، أو العمل ليل نهار لتحقيق أقصى نجاح في مسار حياتهم. فكل هذه الأمور تهدف لتنصيب نفسك ملكًا إذ يدور العالم حول رغباتك الشخصية. لذلك، فعندما يتجاوب شعب الله مع مثل هذه الرغبات الأنانية بإنكار الذات الذي لا يجد العالم تفسيرًا له، فإنهم يشتركون في مصالحة الخليقة. ففي كل مرة نواجه أكاذيب الشيطان بشخصية الله، تقترب الأشياء أكثر فأكثر من الصورة الأصلية، فالمحبة تحفر طرقًا أكثر مما يفعل العنف .

ولكي أكون واضحًا، المحبة لا تعني السير على السحاب، فمن الأهمية بمكان أن نتذكر أن المحبة كثيرًأ ما تُستعلن فى مواجهات الحق حتى عندما تكون تلك المواجهات صعبة. فعندما عارض بطرس خطة الله، استخدم يسوع لغةً غايةً فى القوة "ٱذْهَبْ عَنِّي يَاشَيْطَانُ!" (متى ٢٣:١٦). وفى العدد التالي، يُذكِّر يسوع تلاميذه بأن عليهم التحلي برغبة ترك الكل إن أرادوا اتّباعه. بالطبع لا يعنى هذا أن نُشبّه كل شخص برئيس ملكوت الظلمة، ولكنه تذكار أنه فى بعض الأحيان قد يكون أفضل أفعال المحبة هو توبيخ الآخرين وتوجيههم لما هو أفضل، أى المسيح.                                                                                                                                                                         

*بالرغم من عدم الكمال!

تمامًا كما صرّحنا سلفًا؛ نحن حاملو الصورة الإلهية، برغم عدم كمالنا. نحن لسنا آدم و حواء قبل السقوط، لكننا ما زلنا  تاج خليقة الله. و هذا أمرٌ نافع ومُغيِّر للحياة.

ويعكس (واين جرودم) هذا الأمر بشكل صحيح بالقول:

"إنّ إدراكًا كهذا يمنحنا إحساسًا عميقًا بالقيمة والكرامة إذ نمعن التفكير في سموّ باقى خليقة الله: الكون الممتلئ بالنجوم، والأرض المفعمة بالخيرات، وعوالم النبات والحيوان، والممالك الرائعة والسامية للملائكة. لكن وسط كل هذا، نحن الأكثر مُشابهةً لخالقنا إذا ما قورنا بهذه الأشياء."

وإذ نُقّيم غرض وجودنا وسببه، دعونا نتذكّر أن الله يُجدّدنا لنكون على صورته (كولوسي ٣: ١٠)،  وأن مشيئته من نحونا هي مشابهة صورة ابنه (رومية ٨: ٢٩) مما يمنحنا رجاءً فى صراعنا من أجل أن نحبه، ونحب الآخرين من حولنا. قد لا تعلن هذه المحبة عن نفسها بشكل كامل دائمًا، لكن لدى شعب الله اليقين أن الإنجيل قوي بالدرجة التي معها يُمكِّنهم من الانتصار على ضعفاتهم ويدفعهم لخدمة ملكوت الله الأبدي.


تُرجِم هذا المقال ونُشِر بالاتفاق مع موقع Gospel-Centered Discipleship  وضمن سلسلة من المقالات القيّمة التي ستقوم خدمة "الصورة" بنشرها باللغة العربية تباعًا في إطار الشراكة مع خدمة "تلمذة مركزها الإنجيل".

يمكنكم قراءة المقال الأصلي باللغة الإنجليزية من خلال الرابط: The Image of God and the Life of Love