عمّن يتحدث المسيح في التطويبات؟

يعطينا (مارتن لويد جونز) مبادئ هامة في فهم التطويبات*: 

أولاً، التطويبات تصف "كل" المسيحيين.

فالوصف هنا ليس للمسيحيين [المؤمنين] الاستثنائيين أو الروحانيين. فبينما حاولت الكثير من الحركات المسيحية عبر العصور الفصل بين فئات من المسيحيين: العلمانيين والمكرّسين، الممتلئين بالروح وغير الممتلئين بالروح، نائلي البركات والمجد والمُخلَّصين دون مشاركة في مجد المسيح، المُخلَّصين الكائنين في السماء الجديدة والمُخلَّصين الباقين في الأرض الجديد، تُذكِّرنا الموعظة على الجبل أنه إن كنت مؤمنًا، فذلك هو شكل الحياة المُفترّض أن تحياها.

"فمن المفترض أن كلنا نحيا وفق نموذجها ونرقى لمقاييسها" (ص. ٣٨-٣٩).

ثانيًا، من المُفترض أن يعكس كل المسيحيين المؤمنين "جميع" هذه السمات.

لا يجب أن يُفهَم من أقوال المسيح أن بعض المسيحيين سيعكسون حياة الـ"مساكين بالروح" بينما سيحيا آخرون "حزانى" والبعض "ودعاء"، بل مفترض أن كل مسيحي مُطالَب بإظهار كل هذه الصفات الثمانية في ذات الوقت. يعود أحد الأسباب الهامة وراء هذا الاستنتاج  إلى حقيقة أن كل من هذه التطويبات - بطريقة ما - تتطلب أحدها الآخر وتعتمد على بعضها البعض وتؤدي واحدة للأخرى.

لا يعنى هذا أن الكل سوف يعكس كل المواصفات بنفس الدرجة، فمن الممكن أن تتفاوت درجاتها من شخص لآخر، لكن الروح سيعمل في كل مسيحي مؤمن،

والكل مُطالَب أن يعكس هذه النوعية من حياة أبناء الملكوت ساعيًا للنمو فيها (ص. ٣٩-٤٠).

ثالثًا، لا تشير أي من هذه التوصيفات إلى ما يمكن أن نطلق عليه اتجاهًا أو ميلًا طبيعيًا فينا لأننا ساقطون.

فكل من هذه التطويبات هو توجُّه أثمره عمل الروح القدس (عمل النعمة) وحده. فالوداعة، على سبيل المثال، التي يتحدث المسيح عنها ليست الوداعة الممكن رؤيتها في حياة أحدهم بسبب طبيعته الهادئة، بل ما يصفه المسيح هو عمل النعمة في نفس الإنسان. يمنحني هذا وإياك رجاءً أيًا كانت طبيعة شخصياتنا وخلفية نشأتنا، فالمسيح قادر أن يُثمر فينا الحياة الموصوفة في التطويبات (ص. ٤٠-٤١).

رابعًا، تشير هذه التوصيفات بوضوح إلى الفارق الأساسي والاختلاف الكامل بين المسيحي (المولود ثانية) وغير المسيحي.

ربما يتضح هذا التمايز بين الشخصية المسيحية وغير المسيحية هنا في الموعظة على الجبل أكثر من أي موضع آخر في الكتاب المقدس. فإن أردت معرفة إذا كنت مؤمنًا حقيقيًا من عدمه، يُمكنك البدء بفحص نفسك لترى هل يعمل فيك الروح ليُظهر علامات النعمة التي نراها في التطويبات (ص. ٤٢-٤٣).

*هذا المقال مُلخّص، وبتصرُّف، لبعض الأفكار التي وردت في كتاب مارتن لويد جونز، الموعظة على الجبل: الجزء الأول (سلسلة الكلاسيكيات المسيحية، الطبعة العربية الأولى، القاهرة، ٢٠١٥)، الفصل الثالث.