الميلاد العذراوي (2)

التأكيد على عقيدة الحبَل العذراوي للمسيح والدفاع عنها ليس مُجرد تمسُّك بأصالة العقيدة الكتابية، لكِنّه إقرارٌ بتاريخية الأحداث كما وصفها الله الصادق في كلمته، وأيضًا اعترافٌ بحكمة الله في تدبيره للطريقة التي أتَى بها الابن إلى عالمنا.

يؤكِّد هيرمان بافينك Herman Bavinck أهميةَ ميلاد يسوع العذراوي قائلًا، "الحبَل فوق الطبيعي... ليس مسألة عديمة الأهمية، دون قيمة، لكِنَّه مُرتبِط ارتباطًا وثيقًا بألوهية المسيح، ووجوده الأزليّ [قبل التجسُّد]، وخُلوّه المُطلَق من الخطية، وبالتالي له أهمية كبيرة لإيمان الكنيسة."[1]  كذلك، يُقدِّم واين جرودم Wayne Grudem ثلاثة أسبابٍ تشير إلى أهمية الحبَل العذراوي:[2]

السبب الأول: يرجع بنا الميلاد العذراوي إلى وعد الله أنّه مِن "نسل اِمرأة" سيأتي لنا الخلاص (تكوين ٣: ١٥). وبهذا، فالحبَل العذراوي كان إحدى الطرُق التي بها يساعدنا الله لرؤية الوحدة في تاريخ الخلاص،كما نرى قدرته على تحقيق وعوده.

السبب الثاني: "التأكيد على ألوهية المسيح وبشريته": فَلَوْ خلق الله طبيعةَ المسيح البشرية دون حبَلٍ أو ولادة مِن أُمٍّ بشرية، لكان صعبًا تصديق أنّ المسيحَ إنسانٌ حقيقي. لو أخذ اللهُ الابن طبيعةً بشرية من تزاوج طبيعي بين رجل وامرأة، لكان صعبًا تصديق أنّ المسيحَ هو الإله الحقيقي وكُنَّا ظَنَنَّاه مجرد إنسان. لذلك، فولادة يسوع من أُمٍّ بشرية تُسلِّط الضوء على ألوهية المسيح وبشريته.

لكن هذا لا يعني أنّه لم يكُن باستطاعة الله أن يأتي لنا في يسوع المسيح (كطبيعتين في شخص واحد) بطريقة أخرى، لكن الله رأى في حكمته أنّ الميلادَ العذراوي هو أفضل طريقة تجعلنا نفهم أنّ المسيحَ إنسانٌ كامل وإلهٌ كامل.

السبب الثالث: يؤكِّد الحبَل العذراوي أنّ المسيحَ لم يتلطّخ بالخطية الأصلية، فالمسيح لم يأتِ من زواج عادي. فسقوط آدم أثَّرَ في كلِّ نسله الذي يأتي من التزاوج بين رجل واِمرأة. لذلك، استنتج الكثير مِن علماء اللاهوت أنّه لو وُلِد المسيح بهذا الشكل ستلوِّثه الخطيةُ الأصلية كَأيِّ مولود. لذلك، كان الميلاد العذراوي هو طريقة اتِّحاد الله الابن بالطبيعة البشرية دون أن يُلطَّخ بالخطية الأصلية.

هذا لا يعني أنَّ آدم وحده يُعطي الخطية الأصلية، ولا يعني أنّ الرجال يحملون الخطيةَ الأصلية وينقلونها دون النساء. كما لا يستلزم ذلك بالضرورة القَول بأنّ الخطية الأصلية تنتقل بالتزاوج البشري. لكن الإشارة هنا هي إلى حقيقة أنَّ آدم "مُمثِّل البشرية" أو "الرأس العهدي" لها (رومية ٥: ١٢-٢١)، لذا اختار الله في حكمته ألّا يتدخَّلَ رَجلٌ في ميلاد المسيح البشري.

السبب الأخير: دخول المسيح إلى العالم وولادته بطريقة معجزية، وكذلك خروجه من العالم بطريقة معجزية (القيامة والصعود)، كلاهما "غير مستطاع عند الإنسان ومستطاع فقط لدى الله"، وذلك يلقي ظِلالًا على حقيقة قبولنا الحياة الروحية، وولادتنا الروحية، وقيامتنا الروحية من الأموات، فكُلّ هذه الأمور لا يُمكن أن تَحدُث إلّا كمعجزة إلهية من فوق.

نعم، الخلاص في المسيحية ليس شيئًا نفعله بقوتنا، لكِنّه شيءٌ نناله بمعجزة مِن فوق. فالإله الذي جعل الحبَل العذراوي مُمكِنًا هو نفسه الذي يستطيع أن يَلِدَك من فوق، بالإيمان بالمسيح يسوع ربًّا ومُخلِّصًا. ولذا فلا عَجَب أن تُشير الكلمة المُقدَّسة إلى المولودين من الله على أنّهم وُلِدوا ليس بمشيئة جسد، ولا من مشيئة رَجل، بل بمشيئة الله: "وَأَمَّا كُلُّ ٱلَّذِينَ قَبِلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ سُلْطَانًا أَنْ يَصِيرُوا أَوْلَادَ ٱللهِ، أَيِ ٱلْمُؤْمِنُونَ بِٱسْمِهِ. اَلَّذِينَ وُلِدُوا لَيْسَ مِنْ دَمٍ، وَلَا مِنْ مَشِيئَةِ جَسَدٍ، وَلَا مِنْ مَشِيئَةِ رَجُلٍ، بَلْ مِنَ ٱللهِ." (يوحنا ١: ١٢-١٣). فهل وُلِدتَ من الله؟

 __________________________________________________________________

 [1] Bavinck, Sin and Salvation in Christ, 290

[2] Grudem, Systematic Theology, 2nd edition, 530