١٣. التقديس:
يقول جيه. آي. باكر: بحسب دليل إيمان وستمنستر الموجز (س. ٣٥) فإن
”التقديس هو عمل نعمة الله المجانية، والذي به يتجدد إنساننا بكامله بحسب صورة الله، ونتمكن أكثر فأكثر من أن نموت للخطية وأن نحيا للبر.“
والمقصود ليس أن الخطية يتم استئصالها تمامًا (فهذا تهويل)، ولا أننا فقط نقاومها (فهذا تهوين)، لكنه تغييرٌ يعمله الله في الشخصية فيحررنا من عادات الخطية، ويُشكِّل فينا أحشاءً وميولًا وفضائلَ كالمسيح.
التقديس هو تغيير مستمر، يتم في حالة من التكريس الدائم، يُنشئ برًا حقيقيًا في إطار القداسة العلاقاتية. ينبع التقديس العلاقاتي – أي حالة الكينونة المُفرَزة نهائيًا لله – من الصليب حيث اشترانا الله بالمسيح وامتلكنا لنفسه (أعمال ٢٠: ٢٨؛ ٢٦: ١٨؛ عبرانيين ١٠: ١٠). أما التجديد الأخلاقي، والذي به نتغير عمَّا كنا يومًا عليه، فينبع من عمل وسُكنَى الروح القدس (رومية ٨: ١٣؛ ١٢: ١، ٢؛ ١كورنثوس ٦: ١١، ١٩، ٢٠؛ ٢كورنثوس ٣: ١٨؛ أفسس ٤: ٢٢- ٢٤؛ ١تسالونيكي ٥: ٢٣؛ ٢تسالونيكي ٢: ١٣؛ عبرانيين ١٣: ٢٠، ٢١). فالله يدعو أولاده للقداسة ويعطيهم بالنعمة ما يأمر به (١تسالونيكي ٤: ٣؛ ٥: ٢٣).
التجديدُ ولادةٌ، أما التقديسُ فهو نموٌ. في التجديد، يزرع الله فينا رغبات لم تكن موجودةً قبلاً: الرغبة في الله وفي القداسة وفي تقديس اسم الله وتمجيده في هذا العالم، والرغبة في الصلاة لله وعبادته ومحبته وإكرامه وإرضائه، والرغبة في إظهار المحبة للآخَرين وفي نفعهم. وفي التقديس يعمل الروح القدس فينا لكي "نريد ونعمل" بحسب مشيئة الله، فيستنهضنا "لنتمم خلاصنا" – أي نُظهره بأعمالنا – بتتميم هذه الرغبات الجديدة (فيلبي ٢: ١٢، ١٣)، ويتزايد تشبّه المؤمنين بالمسيح بالتشكل التدريجي لصفات المسيح الأخلاقية – أي ثمر الروح – فيهم (٢كورنثوس ٣: ١٨؛ غلاطية ٤: ١٩؛ ٥: ٢٢- ٢٥). ويستخدم بولس لفظة "المجد" في ٢كورنثوس ٣: ١٨ ليُرينا أنه يرى أن تقديس الشخصية هو بداية التمجيد، ثم يكتمل التمجيد عندما تتغير الأجساد ونُعطى جسدًا كجسد المسيح يتلاءم مع شخصيتنا تامة التغيّر ويُظهرها إظهارًا تامًا (فيلبي ٣: ٢٠، ٢١؛ ١كورنثوس ١٥: ٤٩- ٥٣).
كان التجديد – في الماضي – عملاً لحظيًا أحاديًا لإحياء الموتى روحيًا. وبهذا المعنى، فقد كان عمل الله وحده. أما التقديس فهو – على وجهٍ ما – عمل مشترك؛ إنه عملية تعاون مستمر يلتزم فيها الأفراد المتجددون – الأحياء لله والأحرار من سلطان الخطية (رومية ٦: ١١، ١٤- ١٨) – بالاجتهاد في طاعة مستمرة. وطرق الله في التقديس لا هي الجهادية (النشاط المُعتمِد على الذات)، ولا هي التواكلية (السلبية المُتكلة على الله)، بل الاجتهاد المعتمد على الله (٢كورنثوس ٧: ١؛ فيلبي ٣: ١٠- ١٤؛ عبرانيين ١٢: ١٤). فلذلك "نلزم محلنا" (أي نبقى ونثبت) في المسيح، نطلب معونته باستمرار ونحصل عليها، عالمين أننا بدون أن يُمكنّنا المسيح لا يمكننا أن نفعل شيئًا أخلاقيًا كما ينبغي، وعالمين أنه مستعد أن يقوينا لكل ما ينبغي أن نفعله (فيلبي ٤: ١٣).
والمعيار الذي يتجه نحوه عمل الله في التقديس هو ناموسه الأخلاقي المُعلَن كما شرحه ومَثّله المسيح نفسه، فمحبة المسيح واتضاعه واحتماله الصعاب هو ما يجب أن نقتدي به اقتداءً واعيًا (أفسس ٥: ٢؛ فيلبي ٢: ٥- ١١؛ ١بطرس ٢: ٢١) لأن حفظ الناموس يشتمل على روح وعقلية التشبه بالمسيح.
يجد المؤمنون في نفوسهم دوافع متناقضة: الروح يؤازر رغباتهم ومقاصدهم المتجددة، وغرائزهم الآدمية الساقطة (الجسد) – ولو أنها أُزيحَت من على العرش، لكنها لم تتلاشى بعد – تُشتتهم باستمرار عن عمل مشيئة الله وتستميلهم إلى طُرق تؤدي إلى الموت (غلاطية ٥: ١٦، ١٧؛ يعقوب ١: ١٤، ١٥). ولكي يُوضّح العلاقة بين الناموس والخطية، يُحلل بولس تحليلاً شخصيًا دراميًا شعور العجز عن الحفظ التام للناموس وعبودية الإنسان لسلوك يمقته، وهو الشعور الذي يُفضي إليه الصراع بين الروح والجسد (رومية ٧: ١٤- ٢٥). وسيبقى هذا الصراع والإحباط مع المؤمنين ما داموا في الجسد، إلا أنه بالسهر والصلاة ضد التجارب وبإنماء الفضائل يمكنهم بمعونة الروح "إماتة" عادات سيئة بعينها (أي استنزاف الحياة منها، وإضعافها بغرض قتلها)، وبذلك المعنى يموتون للخطية أكثر وأكثر (رومية ٨: ١٣؛ كولوسي ٣: ٥). سيختبر المؤمنون الكثير من الخلاص والانتصار على خطايا بعينها في معركتهم الدائمة مع الخطية، ولن يتعرضوا أبدًا لتجارب يستحيل عليهم مقاومتها (١كورنثوس ١٠: ١٣) (اللاهوت الموجز Concise Theology).
١.١٣ طبيعة التقديس
"يتقدس أولئك الذين دعاهم الله دعوة فعّالة وجدَّدهم –أي خلق فيهم قلبًا وروحًا جديدين– قداسةً أكثر بفعالية موت المسيح وقيامته، وبكلمته وروحه الساكن فيهم، حتى أن سلطان الخطية عليهم ينكسر، وتَضعُف رغباتهم الخاطئة وتُقتَل، وتزداد فيهم الحياة والقوة أكثر فأكثر في كل نِعَم الخلاص لممارسة القداسة الحقيقية التي بدونها لن يرى أحد الرب."
- إقرار إيمان وستمنستر الفصل ١٣-
هؤلاء الذي دعاهم الله مرةً دعوةً فعالةً وجددهم، لهم قلب جديد وخُلِق فيهم روح جديد، يتم تقديسهم أكثر، تقديسًا شخصيًا حقيقيًا بقوة موت المسيح وقيامته، وبكلمته وبروحه الساكن فيهم: ينكسر سلطان كل جسد الخطية وتضعف وتموت أكثر فأكثر شهواته المتعددة، أما هم فيحيَوْن ويتقوون أكثر فأكثر في كل نِعَم الخلاص لممارسة القداسة الحقيقية التي بدونها لن يرى أحدٌ الرب.
يُعد هذا بندًا في غاية الأهمية في إقرار إيمان وستمنستر من منظور رعوي لأن الكثير من الخدمة هو في مجال معونة المؤمنين أن ينمو ويتغلبوا على الصراعات والمخاوف والإحباط وخيبة الأمل والإخفاقات في عملية النمو. ويُبيّن لنا بند ١.١٣ مَن هم المستهدفون بالتقديس وطبيعته وأساسه ووسائطه ونتائجه وضرورة عمل الله فيه.
- المستهدفون بالتقديس – يتم تقديس كل المَدعوّين دعوةً فعّالةً والمتجددين: ”هؤلاء الذي دعاهم الله مرةً دعوةً فعّالةً وجددهم“ أو، بتعبير آخَر، فإن الدعوة الفعّالة والتجديد والتبرير والتّبني والتقديس لا تنفصل (وإن كانت تتمايز) وتوجد معًا في الحياة المسيحية.
- طبيعة التقديس (الشرعي والتدريجي) – يخلق الله قلبًا وروحًا جديدين في التقديس المبدئي (أو الشرعي)، ثم يُقدِّس الله المؤمنين أكثر فأكثر في التقديس اللاحق (أو التدريجي): ”[الذين] لهم قلب جديد وخُلِق فيهم روح جديد، يتم تقديسهم أكثر، تقديسًا شخصيًا حقيقيًا“ أو، بتعبير آخَر، فإن الله يجدد القلوب ويدعو دعوة فعّالة في بداية الحياة المسيحية ثم يستمر في تقديسه إياهم أكثر فأكثر.
- أساس التقديس – عمل الله في التقديس مؤسس على فاعلية موت المسيح وقيامته: ”بقوة موت المسيح وقيامته “ أو بتعبير آخَر، فإن الله يُغيّرنا ويُحوّلنا ويُنمينا ويُنضِجنا بما اكتسبه موت المسيح الكفاري وقيامته.
- وسائط التقديس – يتم عمل الله في التقديس بواسطة كلمة الله وروحه الساكن في المؤمن: ”بكلمته وبروحه الساكن فيهم“ أو، بتعبير آخَر، فإن الله ينمينا بالكتاب المقدس – كلمة الله – وبالروح القدس الذي يسكن في القلب سُكنَى دائمةً ويتزايد تأثيره عليه مع الوقت.
- نتائج التقديس:
- يُحطّم عملُ الله في التقديس سلطانَ الخطية: ”ينكسر سلطان كل جسد الخطية وتضعف وتموت أكثر فأكثر شهواته المتعددة“ أو، بتعبير آخَر، فإن الله يكسر قيود الخطية ويحررنا من عبوديتها.
- يُضعف عمل الله في التقديس شهواتِ الخطية ويقتلها: ”وتضعف وتموت أكثر فأكثر شهواته المتعددة“ أو، بتعبير آخَر، فإن الله يحارب الخطية من جذورها أي شهوات الخطية ويُضعِفها ويقتلها.
- يُحيي عمل الله في التقديس أكثر فأكثر نتائج عطايا الخلاص فينا ويوطّدها: ”أما هم فيحيَوْن ويتقوون أكثر فأكثر في كل نِعَم الخلاص“ أو، بتعبير آخَر، يعمل الروح القدس فينا باستمرار ويُنشّط ويوطد في حياتنا التجديد الأخلاقي الذي كان قد بدأه بنعمة الله المُخلّصة.
- ضرورة التقديس – يُنتج عمل الله في التقديس الممارسة الضرورية للقداسة في الحياة المسيحية: ”لممارسة القداسة الحقيقية التي بدونها لن يرى أحدٌ الرب“ أو، بتعبير آخَر، فإن القداسة أمر مطلوب في الحياة المسيحية، وليست اختيارية أو عارضة، ومَن ليست عنده قداسة ليس مؤمنًا حقيقيًا.
داوف(١) س٧٥ ما هو التقديس؟
ج. التقديس هو عمل نعمة الله الله، والذي فيه يتجدد في الزمان الحاضر – في الذين اختارهم الله من قبل تأسيس العالم ليكونوا قديسين بعمل روحه المقتدر حاسبًا لهم موت وقيامة المسيح – في هؤلاء يتجدد الإنسان بالكامل بحسب صورة الله، وإذ قد زُرِعَت في قلوبهم بذار التوبة التي تؤدي للحياة وكل عطايا الخلاص التي تُستَنهَض وتزداد وتتوطد، يموتون أكثر فأكثر للخطية ويقومون للحياة الجديدة.
تشرح هذه الإجابة التقديس شرحًا مفيدًا باستخدام لغة استرداد وتجديد صورة الله. وفي الواقع، فإن فيها ثلاثة مظاهر بارزة:
- تضع أصل التقديس في القضاء الإلهي.
- تتحدث عن التقديس كتجديد الإنسان بكامله بحسب صورة الله.
- تستخدم صورة البذار التي تُزرَع وتنمو لتُصوّر لنا عملية النضوج في الحياة المسيحية.
(١) دليل إيمان وستمنستر المُفصَّل Westminster Larger Catechism