أخلَى نفسه حتى الموت

سلسلة: 

(متى ٢٧: ٢٧-٣١)

"فَأَخَذَ عَسْكَرُ ٱلْوَالِي يَسُوعَ إِلَى دَارِ ٱلْوِلَايَةِ وَجَمَعُوا عَلَيْهِ كُلَّ ٱلْكَتِيبَةِ، فَعَرَّوْهُ وَأَلْبَسُوهُ رِدَاءً قِرْمِزِيًّا، وَضَفَرُوا إِكْلِيلًا مِنْ شَوْكٍ وَوَضَعُوهُ عَلَى رَأْسِهِ، وَقَصَبَةً فِي يَمِينِهِ. وَكَانُوا يَجْثُونَ قُدَّامَهُ وَيَسْتَهْزِئُونَ بِهِ قَائِلِينَ: «ٱلسَّلَامُ يا مَلِكَ ٱلْيَهُودِ!».  وَبَصَقُوا عَلَيْهِ، وَأَخَذُوا ٱلْقَصَبَةَ وَضَرَبُوهُ عَلَى رَأْسِهِ.  وَبَعْدَ مَا ٱسْتَهْزَأُوا بِهِ، نَزَعُوا عَنْهُ ٱلرِّدَاءَ وَأَلْبَسُوهُ ثِيَابَهُ، وَمَضَوْا بِهِ لِلصَّلْبِ." 

يعني إيه إتضاع؟ إمتى بنقول إن فُلان ده متواضع؟ غالبًا لما بنبقى عارفين إن الشخص ده في مكانة كبيرة، لكن بيعمل حاجات ماتتناسبش مع مكانته.

يعني تخيل مثلًا رئيس جمهورية يزور مكان عام علشان ياكُل فيه، ويبدأ يخدم الناس الموجودة ويجيب ليهم الأكل، وبعد ما ياكُل يقوم يغسل الأطباق... منظر غريب مش كده؟ مين ممكن يتوقعه؟ يمكن الناس ماتقولش إن ده تواضع لكن جنان.

مفيش تواضع ممكن يتقارن باللي عمله المسيح، الرسول بولس بيقول إن المسيح وهو مُعادل لله أخلى نفسه وأخد صورة عبد. أخلى نفسه مش معناها إنه بطّل يبقى الله، لكنه بقي إنسان.

إتضع وإتحد بالبشر وأخد طبيعتهم وبقي عليه التزامهم!

المُذهل إن إتضاع المسيح ماوقفش لحد هنا، مش بس جه علشان يبقى واحد مننا، ده جه علشان يحمل عارنا وخطايانا ويتحمل دينونة شعبه علشان يخلّصُه.

لما بنوصل لمشهد المحاكمة والصلب، بنشوف إتضاع المسيح ووداعته في أقوى صورة ليهم.

الأناجيل بتحكي لينا شوية تفاصيل عن اللي حصل في المسيح، بعد محاكمته بيتسلم لعساكر رومان في منتهى القسوة والوحشية، في مقر الحكم بتاع بيلاطس بيجمعوا عليه كتيبة رومانية علشان يستهزأوا بيه ويهينوه، يعروه ويلبسوه عباية ويعملوا له تاج شوك، ويمسِّكوه عصاية علشان يتريقوا عليه، ويقولوا السلام يا ملك اليهود، وبعدها ياخدوا العصايا دي ويضربوه بيها على دماغه ويتِفّوا عليه، وبعدها يقطّعوا هدومه ويعملوا عليها قُرعة، حتى هدومه أخدوها منه!

تخيلوا حجم الإهانة والتهزيء، الصليب مكانش بس ألم جسدي، لكن ألم نفسي رهيب، مفيش حد إتضع أو إتهان زي المسيح، لإن مفيش حد في عظمة المسيح.

الفرق بين مكانته الحقيقية واللي حصل فيه مايتقارنش بأي حد...

وبعد ما يترفع على الصليب، يسمع تريقة وإحتقار من كل الموجودين، كل اليهود اللي عدوا عليه يتريقوا عليه، رؤساء الكهنة والناس اللي ليها مكانة في المجتمع يعيَّروه، حتى المجرمين المصلوبين جنبه ماسلِّمش منهم، المسيح كان وحده خالص بيتحمِّل تعيير وإهانة غير عادية…

من ضمن الكلمات اللي إتقالت له «يعني قدر يخلّص ناس تانية، لكن مش عارف يخلّص نفسه، لو هو فعلًا ملك إسرائيل، لو هو فعلًا ابن الله، ينزل وإحنا نؤمن بيه».

المسيح كان يقدر يخلَّص نفسه، كان يقدر ينزل ويوقّف كل ده، لكنه ماعملش كده، لإنه كان مصمم يخلَّص شعبه، مصمم يمشي الطريق لآخره، لغاية ما يتعلق على الخشبة ويتحمِّل لعنتنا.

من أجل السرور الموضوع أمامه، إحتمل الصليب مستهينًا بالخزي،

مين ممكن يتكبّر قدام المشهد ده؟!