النص الكتابي
”جِئْتُ لأُلْقِيَ نَارًا عَلَى الأَرْضِ، فَمَاذَا أُرِيدُ لَوِ اضْطَرَمَتْ؟ وَلِي صِبْغَةٌ أَصْطَبِغُهَا، وَكَيْفَ أَنْحَصِرُ حَتَّى تُكْمَلَ؟ أَتَظُنُّونَ أَنِّي جِئْتُ لأُعْطِيَ سَلاَمًا عَلَى الأَرْضِ؟ كَلَّا، أَقُولُ لَكُمْ: بَلِ انْقِسَامًا. لأَنَّهُ يَكُونُ مِنَ الآنَ خَمْسَةٌ فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ مُنْقَسِمِينَ: ثَلاَثَةٌ عَلَى اثْنَيْنِ، وَاثْنَانِ عَلَى ثَلاَثَةٍ. يَنْقَسِمُ الأَبُ عَلَى الابْنِ، وَالابْنُ عَلَى الأَبِ، وَالأُمُّ عَلَى الْبِنْتِ، وَالْبِنْتُ عَلَى الأُمِّ، وَالْحَمَاةُ عَلَى كَنَّتِهَا، وَالْكَنَّةُ عَلَى حَمَاتِهَا“
(لوقا ١٢: ٤٩- ٥٣)
ما الذي جاء المسيح ليتمِّمه؟
يأتي غرض إرسالية المسيح (لوقا١٢: ٣٥- ٤٨) بعد الحديث عن أهمية إخلاصنا وطاعتنا كتلاميذ. إنّ المسيح بقولِه إنّه جاء ليلقي نارًا على الأرض ورغبته في أن تُضرَم تلك النار، كان يشير بالطبع إلى الدينونة. غالبًا ما كانت ترمز النار في العهد القديم إلى الدينونة. على سبيل المثال، كانت كلمات إرميا النبي مثل النار التي تلتهم الشعب (إرميا ٥: ١٤؛ ٢٣: ٢٩). كما يحذِّر عاموس إسرائيل ليطلبوا الربَّ خوفًا من أن ”يَقْتَحِمَ...كَنَارٍ تُحْرِقُ“ (عاموس ٥: ٦). من ناحية أخرى، تشير النار أيضًا في كتابات لوقا إلى عمل الروح القدس المُغيِّر (أعمال الرسل٢: ٣)، وفي (إشعياء ٤: ٤) يعمل الروح مثل النار التي تغسل وتنقِّي. إذن فالفكرتان – [النار كرمز للدينونة أو للتنقية] - مرجَّحٌ وجودهما هنا في النصِّ. يتوقَّع الربُّ يسوع، كما في العدد التالي، موتَه وقيامته، أي اكتمال عمله. لن يأتي اليوم الأخير للدينونة على الفور، لكنّ الدينونة والخلاص سوف يبدآن عندما يكتمل عملُ المسيح على الأرض.
تتطلَّع الإشارة إلى المعمودية قُدمًا إلى الصليب، إلى عمل الخلاص والدينونة العظيم في خدمة المسيح. وفي هذه القرينة من المحتمَل أنّ الصورة تشير إلى حادثة الطوفان (تكوين ٦- ٩)، حيث يُدان العالم نتيجةً لشرِّه. تشير معمودية الربِّ يسوع هنا إلى موتِه، عندما غطَّتْه، إنْ جاز التعبير، مياهُ غضبِ الله، عندما غمرَتْه واندفقَتْ عليه الدينونة. لقد رأينا أنّ رحلة المسيح إلى أورشليم حدثَتْ في توقُّعٍ ليوم الدينونة هذا. كان يسوع حزينًا لأنّه سيختبر غضبَ الله، من أجل شعبِه. إنّ معموديته سوف تتمِّم خُطَّةَ الله للخلاص (قارن مع لوقا ١٨: ٣١)، ومِن ثَمَّ تتعلَّق خدمة المسيح بالكامل على هذا الحدث العظيم.
لن تؤثِّر النار القادِمة والمعمودية في يسوع وحده بل في كلِّ البشرية. لقد جاء ليجلب سلامًا، لكن السلام ليس النتيجة الوحيدة لمجيئِه. نتيجةً لناره ومعموديته سيحدث السلام والانقسام، التناغم والصراع، الفرح والنزاع. لن يكون هناك سلامٌ إلّا مع الذين قبلوا نعمتَه (لوقا ٢: ١٤). ولكن سيعارض البعض ويقفون ضِدَّ المسيحِ (٢: ٣٤).
كان معظم اليهود يعتقدون أنّه على الأرجح عندما يأتي المسيح، سيُرحَّب به بذراعٍ مفتوحة، لكن الواقع أكثر تعقيدًا واحتوى على تفاصيل أكثر دقَّة، حيث ستنقسم البيوت بشدَّة، ولن يأتي الملكوت بملئِه في الحال. ستأتي فترة من الغربلة والامتحان أوّلًا، فيها يفترق الناس في طُرقٍ مختلفة. ستدخل هذه الانقسامات حتّى إلى العائلات؛ لن يكون السلام العائلي ممكنًا، حيث سيختلف الآباء مع الأبناء، والبنات مع الأمهات، والكَنَّة مع حماتها. يقتبس يسوع هنا كلمات (ميخا ٧: ٦)، يتطلّع ميخا (النبي) في هذا الأصحاح إلى اليوم الذي سيخلص فيه إسرائيل. يشير ميخا، مع ذلك، إلى أنّ الأعداء سوف يستمرّون في مضايقة شعب الله. ولن تكون النجاة في الحال أو فورية.
لا تفرط في التبسيط
يجب أن نحترس من تبسيط رسالة المسيح. يعتقد الكثيرون أنّ المسيح جاء ليجلب السلام والوئام – وهذا صحيح بالطبع – ولكنّه جاء أيضاً ليُحضر الانقسام. إذا لم يقِف أفراد أُسرتنا في صفِّ المسيح، سيكون علينا أن نقرِّر إمَّا أن نقف مع المسيح وإمَّا أن نقف مع أفراد عائلاتنا. قد تفصل الانقسامات حتّى بين أفراد الأسرة: الآباء والأبناء، والأمهات والبنات. إنْ تحوَّلَتْ عائلاتنا ضِدَّ الله أو لم تتَّجه إليه من الأساس، ووقفنا معهم لإرضائهم، نكون بذلك مُعارِضين للمسيح. ليت الربَّ يعطي نعمةً، فليس هناك ما هو أجمل أو أكثر بهجة من معرفة المسيح. يجب ألّا نجعل من عائلاتنا أوثانًا لنا. العائلات جميلة، ولكننا نُجهَّز لمقابلة يسوع فقط عندما يكون هو الأوَّل في قلوبنا.
تُرجِم هذا المقال ونُشِر بالاتفاق مع موقع Crossway.org ، ويمكنك قراءة المقال الأصلي باللغة الإنجليزية من الرابط التالي: Did Jesus Come to Bring Peace or a Sword? (Luke 12)