هل الله لطيف؟

 كثيرًا ما يُطرح هذا السؤال في مجلتي. بل وردَّدته مرات عديدة في حياتي عندما كنت أصارع المصاعب وخيبات الأمل في الحياة.

كثيرًا ما سألت نفسي هذا السؤال عينه عندما أخبرني الأطباء أنى لن أكون قادرة على إنجاب أطفال، وعندما فقدت وظيفتي، وحين اجتزت ظروفًا صعبة على مستوى الأسرة، وبشكل عام؛ كلما اجتزت العديد من المواقف المُحبطة في خضم الحياة اليومية الاعتيادية.

كان لسان حالي يردد: "يا إلهي، لا أشعر أنك لطيفٌ رحومٌ في ذلك الموقف. إن لم تُسرع إلى نجدتي، فلا أعلم ماذا أفعل! يا الله، لقد انتظرت طويلًا هذه البركة، أرجوك لا تتركني، ولا تنساني...لا تنساني من رحمتك ونعمك." 

شكوى كُتّاب المزامير

غالبًا ما تفوّه البعض منّا بصلوات مماثلة لما ذكرته في أوقات المحن والصعوبات. والواقع أن صرخاتنا الواهنة تلك هي صَدى لصلوات صادقة حميمة لكتبة المزامير حين كانوا يرفعون شكواهم إلى الله:

  • اسْتَمِعْ يَا رَبُّ وَارْحَمْنِي. يَا رَبُّ، كُنْ مُعِينًا لِي. (مزمور ١٠:٣٠).
  • تَعِبْتُ مِنْ صُرَاخِي. يَبِسَ حَلْقِي. كَلَّتْ عَيْنَايَ مِنِ انْتِظَارِ إِلهِي. (مزمور ٣:٦٩)
  • يَا إِلهَ الْجُنُودِ أَرْجِعْنَا، وَأَنِرْ بِوَجْهِكَ فَنَخْلُصَ. (مزمور ٧:٨٠)
  • لاَ تَحْجُبْ وَجْهَكَ عَنِّي فِي يَوْمِ ضِيقِي. أَمِلْ إِلَيَّ أُذُنَكَ فِي يَوْمِ أَدْعُوكَ. اسْتَجِبْ لِي سَرِيعًا.    (مزمور ٣:١٠٢)

عندما نجتاز في وادي ظل الموت، نصرخ للرب تلقائيًا طالبين العون، وغالبًا ما تمتزج صلواتنا بالدموع إذ نتساءل: "كيف سيأتي الرب لأجلنا؟"

يعترف العديد من الناس بأنهم كثيرًا ما صارعوا لفهم صلاح الله في أوقات التجارب، ولكن ما أظنه حقًا السبب الجوهري في حيرتهم ليس بالضرورة صراعهم لفهم صلاح الله، بل لُطف الله.

 فنحن نعلم أن أي أب أرضي صالح يؤدب أولاده لخيرهم. وغالبًا ما يسمح الآباء لأولادهم أن يجتازوا في صراعات من أجل نمو شخصياتهم وتعلمهم دروسًا لا يمكن تعلُّمها إلا خلال المصاعب. يميل العديد منّا أن يرى الآب السماوي بنفس الطريقة. يُعلّمنا الكتاب المقدس أن الله يستخدم تجاربنا ويفدينا منها، لكن غالبًا ما تُخبرنا قلوبنا أمرًا آخر، ونتيجةً لطريقة تفكير قلوبنا هذه، كثيرًا ما نَصرّ بأسناننا وسط المعاناة من عمق الألم ونحن نَحني رؤوسنا ونحاول فقط الصمود متكلين على حقيقة أن التجربة بطريقةٍ أو بأخرى ستعمل في النهاية لخيرنا.

لكن طريقة تفكيرنا هذه لا تكرم الله حق إكرامه، ولا هي حتى تساعد نفوسنا كما ينبغي. بل في الواقع تشوِّه صورة الله في أذهاننا. فلا يُوصينا الكتاب المقدس ببساطة أن ننتظر انتظارًا سلبيًا حتى يمرّ وقت التجربة. بل نحن مدعوّون خلالها لاختبار علاقة غنية مع أبينا. في لحظات التجربة والحزن، فإن ما تشتاق قلوبنا حقًا أن تعرفه وتتيقّن منه هو لطف الله الحميم الشخصي نحونا. فالسؤال الذي علينا أن نفكر فيه حقًا هو: "كيف يمكننا أن ننتقل من معرفتنا العقلية عن الله إلى اختبار لطف الله حتى في أشد اللحظات ظُلمة؟"

 حضور الله

ستأتي أوقات يجتاز فيها المسيحيون المِحَن والتجارب. في يوحنا ١٦ يُخبر المسيح تلاميذه أنهم سيواجهون الضيق في العالم. وفى الوقت نفسه يُذّكر المسيح التلاميذ أن يتشدّدوا لأنه قد غَلَب العالم. 

لقد غيّر هذا الوعد كل شيء في حياتنا كمسيحيين، إذ يُمكننا أن نُلقي رجاءنا بالتمام على وعد المسيح أنه قد غلب العالم وأنه سيكون دومًا حاضرًا معنا. في حياتنا على الأرض، سيكون هناك العديد من الأمور لا يمكننا استيعابها. وبكل صراحة، لا يبدو هذا أمرًا لطيفًا ومريحًا لنا. مع هذا، لا يمكننا أن نسمح لظروفنا أن تُخبرنا عن لطف الله. إذ أن مشاعرنا وظروفنا غير جديرة بالثقة ومتغيرة باستمرار، بينما الله ثابت وجدير بالثقة. إن الوعد بحضور الله لهو حقّ أعمق من أي معاناة وحضوره المعزي هو أعظم لطف في العالم.

عزيزي القارئ:في وحدتك، الله حاضر... في عُقمكِ، الله حاضر... في مرضك بالسرطان، الله حاضر...عندما تفقد وظيفتك، الله حاضر...عندما تواجه الإغراءات والتجارب الجنسية، الله حاضر...في أزماتك المالية، الله حاضر...في عمق الإحباط، الله حاضر...في وقت الانتظار، الله حاضر...حتى في الموت، فإن الله حاضر. لكن حضور الله ليس حقيقةً مجردةً تعلن وقوفه بجانبنا وقت التجارب والإغراءات وكأنه يكتفي بالمشاهدة، بل هو حاضرٌ ليقدّم لنا ثروة غنية ومعونة وافرة.

 صلِّ بكلمات الكتاب المقدس

واحدة من أكثر الحقائق المذهلة المتعلقة بكوننا مسيحيين، هي أنه يمكننا أن نتحدّث مع أبينا السماوي في أي وقت نريد. يُخبرنا الكتاب المقدس أننا "لا نمتلك لأننا لا نطلب" (رسالة يعقوب ٢:٤-٣). اطلب من الله أن يُظهر لك لطفه في لحظاتك الصعبة. اسأله رؤية أوضح وتصوُّر أفضل لما يفعله الله في وقت مسيرك في وادي ظل الموت. قد لا يستجيب دائمًا بالطريقة التي نُفضّلها. وحقيقةً، فإنه قليلًا ما يكشف لنا الله عن إجابات يقينية، ولكن عندما تنخرط في صلوات صادقة، فإنك تنمو في علاقة حميمة معه.

عزيزي القارئ،إن معرفة مَن معك في أوقات المعاناة لهي أثمن من معرفة سبب المعاناة. أدعوك أن تصلي بكلمات الكتاب المقدس. واحدة من الطرق المفضلة لي عندما أشعر بالحيرة والارتباك حيال لطف الله نحوي هي الصلاة بكلمات المزامير:

  • عِنْدَ دُعَائِيَ اسْتَجِبْ لِي يَا إِلهَ بِرِّي. فِي الضِّيقِ رَحَّبْتَ لِي. تَرَاءَفْ عَلَيَّ وَاسْمَعْ صَلاَتِي. (مزمور ١:٤)
  • ارْحَمْنِي يَا رَبُّ لأَنِّي ضَعِيفٌ. اشْفِنِي يَا رَبُّ لأَنَّ عِظَامِي قَدْ رَجَفَتْ. (مزمور٢:٦)
  • اِلْتَفِتْ إِلَيَّ وَارْحَمْنِي، لأَنِّي وَحْدٌ وَمِسْكِينٌ أَنَا. (مزمور١٦:٢٥)
  • اِسْتَمِعْ يَا رَبُّ. بِصَوْتِي أَدْعُو فَارْحَمْنِي وَاسْتَجِبْ لِي (مزمور٧:٢٧)

غالبًا ما تبدو طرق الرب غامضة بالنسبة لنا. لكن كلمات تشارلز سبرچن تذكرنا أنه: "بينما لا نستطيع أن نتتبّع ما تفعله يد الله، يمكننا دائمًا أن نثق في قلبه." "وعندما لا نعلم مقاصده وخططه لأجلنا، يمكننا أن نثق أنه حاضر، فهو أمين ومتحكِّم في مُجريات الأمور، هو صالح ولطيف." 

لا تستسلم ولا تيأس

في معظم أوقاتي الصعبة، رأيت واختبرت لُطف الرب بطرق متعددة. في اختبار حضوره المعزّي في الصلاة، وأوقات التأمل واللهج في وعوده. من خلال الأصدقاء الأتقياء المحيطين بي، وبشكل حاسم ونهائي في وعده لنا بأنه يومًا ما سيمسح كل دمعة من عيوننا، والحزن والمعاناة لن يكونا فيما بعد.

 اجعل ذلك هدفك وأنت تسعى لسبر أغوار لطف الله. يمكننا أن نرى أمثلة عديدة على نعمة الله العامة للجميع، فَإِنـَّهُ يُشْرِقُ شَمْسَهُ عَلَى ٱلْأَشْرَارِ وَٱلصَّالِحِينَ، وَيُمْطِرُ عَلَى ٱلْأَبْرَارِ وَٱلظَّالِمِينَ (متى٤٥:٥). كما يُمكننا أن نرى لُطف الله لإسرائيل –شعبه القديم المختار– حين خلّصهم ودعاهم لأرض الموعد، أرض الراحة. لكن الأمر الأكثر أهمية في العهد الجديد، حين نرى لُطف الله يصل ذروته عندما أرسل ابنه الوحيد إلى الأرض، والذي وُجِد في الهيئة كإنسان كي يعيش حياة بلا خطية ويموت بدلًا عنا أبشع ميتة، وبعد ثلاثة أيام يهزم الموت والخطية. لقد غلب لأجلنا ويمكننا أن نثق أنه سيكون معنا في كل لحظات حياتنا.

بسبب صلاح ولطف الله العظيم أرسل ابنه، لذلك يَحِقّ لنا للرجاء. في المرة التالية حينما تتساءل عن لطف الله، ثبّت عينيك نحو الصليب وتذكّر أن المسيح حاضر وأنه دفع الثمن وأنه لطيف. 

يا ليت حياتنا تعكس لُطفه. ليت شفاهنا تنطق بلُطفه. يا ليت قلوبنا تثق فيه.


تُرجِم هذا المقال ونُشِر بالاتفاق مع موقع Gospel-Centered Discipleship(link is external) وضمن سلسلة من المقالات القيّمة التي ستقوم خدمة "الصورة" بنشرها باللغة العربية تباعًا في إطار الشراكة مع خدمة "تلمذة مركزها الإنجيل".

يمكنكم قراءة المقال الأصلي باللغة الإنجليزية من خلال الرابط:  Is God Kind?