يسوع المَلك
يُركِّز إنجيل متَّى على شرح ماهية الإنجيل، وكيف ينبغي تطبيقه في حياة تلاميذ يسوع. بالنسبة لمتَّى، فإن الإنجيل هو الأخبار السارة بأن الله قد افتتح وأسَّس المرحلة الأخيرة لخطَّته ليسترد العالم من دمار الخطيَّة وليؤسِّس مُلكه العادل والرحيم على العالم (متَّى ٤: ٢٣؛ ٩: ٣٥؛ ١١: ٥).
لقد أعطى الله الدور المركزي في هذه المرحلة الأخيرة من عمله ليسوع،
يسوع المَلك المُنتظر طويلًا والمُعيَّن خصيصًا لهذا الدور (متَّى ٢: ٢؛ ٢١: ٥؛ ٢٥: ٣٤).
لأنَّه أينما وُجِدَ المسيح في إنجيل متَّى، وُجِدَ الله وملكوته معه أيضًا (متَّى ١: ٢٣؛ ١٢: ٢٨). ظهر مُلك الله عندما طردَ يسوع الأرواح الشريرة؛ وشفى المرضى والعُرج والعمي؛ وجمعَ مجموعة من الناس تهدفُ حياتهم لإظهار شخصيَّة الله العادلة والرحيمة (متَّى ٤: ٢٣؛ ٥: ١٦؛ ٩: ٣٥؛ ١١: ٤، ٥؛ ١٢: ٢٨).
تَسبَّبت هذه الأمور بفرحٍ واحتفالٍ لأولئك الذين عرفوا أنَّهم بحاجة للخلاص من الخطيَّة – أي لهؤلاء المساكين بالروح (متَّى ٥: ٣)، والْحَزَانَى (متَّى ٥: ٤)، وأولئك الذين تاقوا لرؤية العدالة تتحقَّق (متَّى ٥: ٥، ١٠، ١١)، وأولئك الذين عرفوا أنَّهم بحاجة لغفران خطاياهم (متَّى ٦: ١٢؛ ٩: ١٠- ١٣؛ ١١: ١٩)، وأولئك الْمُتْعَبِينَ وَالثَّقِيلِي الأَحْمَالِ الخاصة بحفظ التقليد الديني المُزيَّف (متَّى ١١: ٢٨- ٣٠). عندما كرزَ يسوع، مثل سابقه يوحنا المعمدان، بضرورة الابتعاد عن الخطيَّة واتِّباع يسوع في ضوء ملكوت الله الآتي (متَّى ٣: ١- ١٧؛ ٤: ١٧)، نرى أنَّ هناك مجموعة من الناس قَبَلوا رسالة الخلاص هذه بدون تردُّد (متَّى ٤: ٢٠، ٢٢) وبفرح (متَّى ١٣: ٤٤).
يرسمُ متَّى أيضًا صورة واقعيَّة لأولئك الذين رفضوا يسوع ورسالته. ومن المثير للدهشة، أن أكثر الخصوم الذين كانوا يقاوموا يسوع بنشاطٍ وبقوَّةٍ هم القادة الدينيُّون، الذين قدِّروا جدًا القرارات التي تصدر من مناصبهم القياديَّة وتفسيراتهم الذكيَّة للكتاب المقدس (متَّى ٢٣: ١- ٧؛ انظر أيضًا متَّى ٦: ٢، ٥، ١٦) للدرجة التي أصبحوا فيها عُمْيَانًا عن المبادئ الأساسية للكتاب المقدس (متَّى ٢٣: ٢٣). حيث فضَّلوا التحدُّث بدِقَةٍ بَالِغةٍ عن بعض الأمور مثل التجديف والسبت وما يقوله الناموس عن العشور، على أن يتحنَّنوا ويتعاطفوا مع المحتاجين (متَّى ٩: ١- ٧؛ ١٢: ١- ١٤؛ ٢٣: ٢٣). وكذا فضَّلوا إيجاد طُرقًا ماكرةً ليتهرَّبوا من حفظ المبادئ الأساسيَّة لناموس الله، مِثل إكرام الوالدين، بدلًا من تقديم التضحيات اللازمة للحفاظ على هذه المبادئ (متَّى ١٥: ٣- ٩). هذا التناقض الجذري بين الشرِّ الموجود في قلوبهم وبين حياتهم التقويَّة الظاهريَّة واهتمامهم بناموس الله، يُظهرُ أنَّهم يتَّجِهون نحو الهلاك الأبدي (متَّى ٢٣: ١٥، ٣٣).
ولكن الأمر الأكثر إزعاجًا، هو تصوير متَّى لأولئك الذين اِدَّعوا وزعموا أنَّهم "أتباع يسوع"، ولكن جميع ادعاءاتهم ستبطل في يوم الدينونة. ففي هذا اليوم سيظهر أنَّهم فعلوا الكثير باسم يسوع على مِثال تلاميذ يسوع الحقيقيِّين، لكن يسوع سيأمرهم بالابتعاد عنه لأنَّهم كانوا بالحقِ فاعلي الإثم (متَّى ٧: ٢١؛ ٢٢: ١١- ١٤؛ ٢٥: ١١، ١٢) وكذا لأنَّهم أهملوا تلاميذه الذين كانوا بحاجة إلى طعام وملبس ورعاية طبيَّة ودعم أثناء حبسهم في السجن (متَّى ٢٥: ٤١- ٤٦).
اعتمد على المسيح
هذا لا يعني أن متَّى يرى الأعمال الصالحة كأساسٍ لدخولِ ملكوت الله. لكنه يرى أن هذه الأعمال هي الدليل على حالة القلب الفعليَّة وحالة القلب هذه التي تُحدِّد من يدخل ملكوت الله في يوم الدينونة، وستكون أعمال الفرد هي الدليل والإعلان الظاهري لتلك الحالة الداخليَّة. لأنَّ "كُلُّ شَجَرَةٍ جَيِّدَةٍ تَصْنَعُ أَثْمَارًا جَيِّدَةً، وَأَمَّا الشَّجَرَةُ الرَّدِيَّةُ فَتَصْنَعُ أَثْمَارًا رَدِيَّةً" (متى ٧: ١٧- ٢٠؛ ١٢: ٣٣- ٣٧). حيث قال يسوع: إنَّ ما يُنجِّس الإنسان حقًا ليس أفعاله الخارجيَّة، بل حالة قلبه الشريرة، حيث تَظهرُ حالة القلب هذه في الأفكار والكلمات والأفعال الشريرة التي تخرج منه (متَّى ١٥: ١٠- ٢٠). لهذا السبب استطاع يسوع أن يقول: إنَّه في يوم الدينونة، سيكون الناس إمَّا مُبرَّرون بالفعل أو مُدانون بالفعل بكلامهم: لأنَّ هذه الكلمات تكشفُ عن حالة قلبهم الفعليَّة (متَّى ١٢: ٣٦، ٣٧).
كيف يمكن أن يكون قلب الشخص في الحالة الصحيحة؟ يعتبر أهم شيء بالنسبة لاتباع يسوع من أي شيء آخر في الحياة هو إمكانيَّة تأكُّدهم من أنَّهم على طريق الحياة الأبدية (متَّى ١٦: ٢٤- ٢٧). هذا ما قصده يسوع عندما أصرَّ على الكمال من تلاميذه (متَّى ٥: ٤٨؛ ١٩: ٢١). هم بالتأكيد غير قادرين على أن يكونوا كاملين أخلاقيًا في هذه الحياة. في الواقع، لقد تعاطف وتحنَّن يسوع بشدِّة مع الخطاة الذين احتاجوا إلى مغفرته (متَّى ٩: ٩- ١٣؛ ١١: ١٩). وقد وضَّح هذا في اِسترداد تلاميذه بعد فشلهم البائس أثناء القبض عليه وإعدامه (متَّى ٢٨: ٧، ١٠، ١٨- ٢٠). نتيجةً لذلك، أصبح تلاميذ يسوع كاملين بمعنى أن رغباتهم ومشاعرهم انتمت له. لقد أدركوا ضرورة اعتمادهم عليه بشكل كامل ليحصلوا على ما هم في أمس الحاجة إليه -أي المسيح شخصيًا. فهم كانوا مِثل التاجر في المَثل المذكور في (متَّى 13: 45-46)، لقد وجدوا الشخص الوحيد الذي يعطي قيمةً للحياة، وقد وضعوا كل ما لديهم تحت تصرُّفه (انظر أيضًا متَّى ٤: ٢٠، ٢٢؛ ١٣: ٤٤؛ ١٦: ٢٤- ٢٦؛ ١٩: ٢١، ٢٢، ٢٧- ٣٠؛ ٢٦: ٦- ١٣). بالتأكيد لقد فشلوا، ولكن، على عكس يهوذا، فإنَّ الاعتراف بفشلهم ارسلهم إلى يسوع، الذي يبارك المساكين بالروح، ويَعِدُ المتعبين بالراحة، وكذلك الذي ضحَّى بنفسه حتَّى تُغفَر خطاياهم (متَّى ٥: ٣؛ ١١: ٢٨؛ ٢٦: ٢٨).
تُرجِم هذا المقال ونُشِر بالاتفاق مع موقع Crossway.org، هذه المقالة جُزء مِن سلسلة "المسيح في كلِّ الأسفار"ويمكنك قراءة المقال الأصلي باللغة الإنجليزية من الرابط التالي: The Gospel in Matthew