رسالة الإنجيل في مَرقُس

الوعود المُحقَّقَة

يُقدِّم إنجيل مَرقُس تحقيق وتتميم وعود العهد القديم. ويتضِّح هذا مُنذ البداية بقوَّة، حيث يبدأ مَرقُس روايته الإنجيليَّة بالتركيز على تحقيق (إشعياء ٤٠: ٣) في يوحنا المعمدان، الذي يُجهِّز ويَعِدُّ إسرائيل للوصول المُعزِّي ليهوه لصالح شعبه (راجع ملاخي ٣: ١). الذي سيأتي فيه يهوه ليغفر ويملك على شعبه (إشعياء ٤٠: ١-١١).

تشيرُ خدمة يوحنا المعمدان التمهيديَّة إلى استمراريَّة الله في سعيه الدؤوب والرؤوف نحو شعبه (مَرقُس ١٢: ١- ٦؛ عبرانيين ١: ١).

يرجعُ أصل هذا السعي إلى تأسيس الله لخليقته الحسنة، حيث دخلَ بنفسه في علاقةٍ مع آدم وحواء ونسلهُما، وهذه العلاقة هي علاقة "خلائقيَّة" أي إنها بين الخالق ومخلوقاته البشر (التي تعيش في خليقته)، وهي علاقة "عهديَّة" (يعيش فيها البشر في ضوء أمانة الله ووصاياه)، وكذا هي علاقة مَلكيَّة (يعيش البشر فيها تحت حُكم الله ويسعوا لتتميم المهمة المُوَكَّلة لهم) (تكوين١: ٢٨؛ ٢: ١٦، ١٨). بعد سقوط البشريَّة، سعىَ الله لتحقيق أهدافه، بشكلٍ خاص عن طريق دعوته الفدائيَّة لإبراهيم كأبٍ لشعبهِ. إنَّ الثِقة في أحكام الله ميَّزت نمط الفداء التدريجي، الذي تضمَّن خروج شعب إسرائيل من عبوديتهم في أرض مصر (خروج ١٣- ١٩) وإعطاء الناموس الموسوي (خروج ٢٠- ٢٣). كذلك نرى سعي الله في شكل "الوسطاء المُؤقَّتين" (القضاة والملوك).

حفظَ الله تتميم وعده بأنَّه سيُطهِّر شعبه لنفسه (انظر الملاحظة على مَرقُس ١٤: ٥٣- ٦٥) من خلال تأسيس أمة مُقدَّسة وحُكمه عليها (إسرائيل؛ راجع إشعياء ٤٠: ١٠، ١١). في الحقيقية، فشلت تلك الأمة مرارًا وتكرارًا في دعوتها واختبرت تأديب الرب لها عن طريق انقسام المملكة والسبي، لكن الله لم يتخلَّ عن شعبه أبدًا. فبعد العودة من السبي البابلي (عزرا ونحميا) بقرون، أعلنَ يوحنا المعمدان في البريَّة -مكانًا للإعداد والتطهير والاختبار- التدخُّل العظيم ليهوه الموعود به من الأنبياء. فمثلما يشيرُ إشعياء ٤٠ إلى عودة إسرائيل من السبي كبداية (إشعياء ٤٠: ١، ٢)، يُوضحُ مَرقُس أيضًا أنَّ إشعياء النبي كان يشير بشكل أساسي ونهائي إلى مجيء يسوع (مَرقُس ١: ١- ١٣).

وبينما يواصل مَرقُس روايته الإنجيليَّة، "أتى يهوه بشكلٍ مفاجئ وهو يرتدي حذاء"، لقد أتى في يسوع، الذي من خلاله نرى الألوهيَّة التي وعد بها الأنبياء (مثلاً، مَرقُس ٢: ٥- ١٢؛ ٩: ٢- ١٣؛ ١٢: ١- ١٢). وهكذا أتى يهوه في الحضور الأرضي للابن الأزلي، ليبدأ في تحقيق توقعات الملكوت المسياني للعهد القديم (إشعياء ٤٠: ١٠، ١١).

حيث أعلنَ يسوع ابن الله الأزلي في البداية عن ملكوت الله، ثم أسَّسه لاحقًا بموته وقيامته.

فمن خلال هذه الأعمال التي ستنتصر في النهاية على الخطيَّة وآثار السقوط، يتبرهن أنَّ يسوع هو الحاكم الأبدي، الملك المسياني (٢ صموئيل٧: ١٦).

أخبار سارة 

الهدف النهائي والأساسي لمَرقُس في سياق "سعي الله الفدائي والتاريخي المُتكشِّف لشعبه" هو "الشهادة لدعوة يسوع للنعمة" -أي دعوته للتلمذة. لا تُمثِّل "التلمذة" في مَرقُس شيئًا أقلّ من استرداد الله النهائي "لشعبه الكوني" إلى تصميمه وغرضه الأصلي للخليقة- أي "السير مع الله" (تكوين ٥: ٢٢- ٢٤) واسترداد شعب الله كحاملي صورة الله الحقيقيَّة (رومية ٨: ٢٩؛ ١ كورنثوس ١٥: ٤٩؛ ٢ كورنثوس ٣: ١٨؛ كولوسي ٣: ١٠). هذا الاسترداد يتغلَّب تدريجيًا على آثار السقوط، بناءً على كفارة المسيح البَدَليَّة، وشِفاء المسيح، ومِثَال المسيح، وتعليم المسيح. إنَّ دعوة يسوع السياديَّة "للتلمذة الخاضعة" تُعالج خطيَّة آدم في استقلاله وعصيانه. التلمذة ليست مجرَّد مجموعة من القواعد السلوكيَّة المُحدَّدة للتلاميذ. فكونك تلميذ للمسيح يعني انضمامك إلى شعب الله، في خليقة الله وخضوعك لعهده الأبدي وحُكمه المَلكي، وعيشكَ بالاعتماد والاتكال على الله بدلًا من الاستقلال عنه. نرى في النهاية أنَّ التلمذة في مَرقُس تنبع من الاعتماد على السيِّد الخلَّاب، والشخص المِثالي، والتعليم البنَّاء، والعمل الكفَّاري.

باختصار، يُظهرُ إنجيل مَرقُس أنَّ يسوع أتى كتحقيقٍ لآمال ووعود العهد القديم بأنَّ الله سيسترد شعبه الضال برأفته.  إنجيل مَرقُس هو حقًا "إنجيل". أنَّه أخبارٌ سارة.


تُرجِم هذا المقال ونُشِر بالاتفاق مع موقع Crossway.org، هذه المقالة جُزء مِن سلسلة "المسيح في كلِّ الأسفار"ويمكنك قراءة المقال الأصلي باللغة الإنجليزية من الرابط التالي: The Gospel in Mark