كاتِب الإنجيل:
على الرَّغم من أنّ هذا الإنجيل لا يذكر كاتِبَه، فإنّ تاريخَ الكنيسة يربط دائمًا بين يوحنَّا مَرقس وهذا الإنجيل الثاني القانونيّ. رُبَّما تكون أقدم وثيقة مكتوبة لدينا تُشير إلى أنّ يوحنَّا مَرقس هو كاتِب هذا الإنجيل موجودةً في كِتابات پاپياس، أحد آباء الكنيسة (تقريبًا ٧٠- ١٥٠ ميلادية). وقد أكَّد آباءُ الكنيسة الذين جاءوا بعده، مثل يوستينوس الشهيد وإيرينايوس ويوسابيوس صحَّةَ هذه الإشارة المُبكِّرة.
لا يُخبِرنا العهدُ الجديد إلّا قليلًا عن يوحنَّا مَرقس، إذ يأتي ذكرُه أوَّل مرَّةٍ بين أولئك الذين كانوا يجتمعون مع الكنيسة الأولى في بيت أمِّه الغنيَّة في أورشليم (أعمال الرُّسُل ١٢: ١٢- ١٧). ونحن نعلم أنّ مَرقس كان رفيقًا مقرَّبًا من بولس وبرنابا وبطرس (أعمال الرُّسُل ١٥: ٣٧، ٣٩؛ كولوسي ٤: ١٠؛ ٢ تيموثاوس ٤: ١١؛ فِليمون ٢٤).
للعلاقة بين مَرقس وبطرس أهميَّةٌ عظيمة. معروفٌ أنّ مَرقس وبطرس خدما معًا في روما في أواخر الخمسينيَّات أو أوائل الستينيَّات (١ بطرس ٥: ١٣). ويُعتقَد أنّه بواسطة بطرس قد عرَف مَرقس عن خدمة يسوعَ الأرضية، غير أنّ مَرقس نفسَه رُبَّما يكون قد رافَق يسوع وهو حيٌّ بَعدُ. غالبًا ما تُذكَر أوجه التشابُه بين عِظة بطرس في أعمال الرُّسُل ١٠: ٣٤- ٤٣ وإنجيل مرقس باعتبارها دليلًا يؤيِّد أنّ إنجيلَ مَرقس هو -في جوهرِه- نقلٌ عن سِجلِّ بطرس عن حياة المسيح وموتِه وقيامتِه.
التاريخ:
واجهَتِ الكنيسةُ طَوال تاريخِها بعضَ الصعوبات في تأريخ كتابة إنجيل مَرقس. يبدو أنّ المحور الأساسي هو كيف يجب أن يُفسَّر أحدُ المصادرِ من خارج الكتاب وهو يتحدَّث عن كتابة مَرقس لإنجيله بعد ”خروج“ “the exodus” بولس وبطرس. بينما يفترض بعضٌ أنّ خروجَهما يعني ”موتَهما“ (٦٧- ٦٨ ميلادية)، وهذا احتمالٌ حقيقيٌّ، يعتقد البعضُ الآخر أنّ خروجَهما ما هو إلَّا إشارةٌ إلى مغادرتِهما روما. ويُوجَد في كِتاباتِ الكنيسة الأولى دفاعٌ عن الرَّأيَيْن.
أيَّد إيرينايوس الرَّأيَ القائِل بأنّ مَرقس كتبَ إنجيلَه بعد موتِهما. وقد دافع عن استنتاجاتِه پاپياس ووثيقةٌ من خارج الكتاب بعنوان مُقدِّمة ضِدَّ مارسيون١ The Anti-Marcionite Prologue. غير أنّ اكليمندس السكندري وأوريجانوس حاجَّا أنّ مَرقس كتبَ وبطرس حيٌّ بَعدُ. إنّ مسألةَ تحديد تاريخ الكتابة معقَّدة نسبيًّا.
من المُحتمَل أن يكون مَرقس قد كتبَ إنجيلَه من روما. إذ فضَّلَ أن يستخدم في بعض الأحيان تعابيرَ لاتينيَّة بدل نظائرها في اللغة اليونانية، وشرَحَ أيضًا العاداتِ اليهوديَّة لقُرَّائِه الأُمميِّين (مَرقس ٣: ١٧؛ ٥: ٤١؛ ٧: ١١، ٣٤؛ إلخ.). تُوجَد في مَرقس ١٥: ٢١ إشارةٌ إلى رُوفُس، الذي نعلم أنَّه عاش في روما وكان عضوًا في كنيسة روما (رومية ١٦: ١٣). هذا يُرجِّح أن تكون كتابة مَرقُس قد تمَّت في وقتٍ ما في أثناء خدمة بطرس ومَرقس في روما، إلّا أنّ هذا لا يحُلُّ مشكلةَ تحديد تاريخ الكتابة. لقد كان التاريخ المقبول عمومًا هو من ٦٥ إلى ٦٨ ميلادية، غير أنَّ بعضَ الباحِثين اقترحوا تاريخًا مُبكِّرًا من ٤٥ إلى ٦٠ ميلادية.
الموضوع:
بشارة إنجيل يسوع المسيح، ابن الله، ابن الإنسان، وعبد الربِّ المُتألِّم، الذي يكشف مجدَه بكلماته وأعماله وبواسطة آلامه ليُخلِّص البشرَ من الخطية.
القصد والهدف:
دعوة الخُطاة إلى التوبة والإيمان بابن الله القويِّ ليُخلِّصهم من الخطية.
المُلخَّص:
الإسهام الذي يقدِّمه مَرقس في إعلان الفداء
يُعرِّف مَرقس سِفرَه صراحةً أنّه ”إنجيل“ (١: ١)، وهو إنْ تُرجِم حرفيًّا يعني ”الأخبار السارَّة“. وبينما يتألَّف إنجيلُ متَّى من أجزاءٍ كبيرة وكثيرة من تعاليم يسوع، فإنّ الأخبارَ السارّة في مَرقس لا يغلب عليها التعليم (مع ذلك اُنظُر ٤: ١- ٤١؛ ١٣: ١- ٣٧) إنَّما أعمال يسوع. (أمَّا لأولئك المُهتمّين بإجراء دراسة مقارنة للأناجيل الإزائية [المُتشابِهة]، فتُوجَد في الملاحظاتِ المدوَّنة على مَرقس إشاراتٌ مَرجعية cross-references للنصوص المتوازية مع متَّى ولوقا.) وبعبارةٍ أخرى، فإنّ الإنجيلَ كما وردَ في مَرقس ليس مجموعةً من المبادئ النظريَّة بل تاريخَ حياةِ شخصٍ وأعماله، تاريخًا نراه معروضًا ومشروحًا هنا وهو في معناه وأهميَّته غنيٌّ جدًّا لإيماننا وطاعتنا. يتحرَّك إيقاع السرد في مَرقس بخُطًى سريعةٍ، وكثيرًا ما يستخدم كلمةَ ”لِلْوَقْتِ“ (التي غالبًا ما تُترجَم في نسخة المَلك ﭼيمس KJV ”في الحال“، أو ”فورًا“، أو ”حالًا“، أو ”حالما“) لينقل الطاقةَ التي بها تمَّم اللهُ عملَه الإلهيّ بواسطة ابنه - تتكرَّر هذه الكلمة أربعين مرَّةً تقريبًا، وتظهر في كلِّ إصحاحٍ ما عدا إصحاحات ١٢، و١٣، و١٦.
بشَّرَ يوحنَّا المَعمَدان بمَجيء يسوعَ تحقيقًا للنبوَّة ودعا [الناسَ] إلى التوبة. وعمَّد يسوعَ، الذي بدورِه سيعمِّد المُؤمِنين بالروح القدس ونارٍ. لقد جرَّب الشيطان يسوع لكنَّه خرج من هذه التجرِبة يكرز بالإنجيل بقوَّةٍ ويصنع المعجزاتِ. بقدرِ ما أظهرَ مجدَ الملكوت مُعلِّمًا وشافيًا، ازدادتِ المقاومة. فضلًا عن الجدال الدائِر حول السبت، ومَن الذي له سلطانٌ أن يغفر الخطايا، اتَّهمه البعضُ أنّه ببعلزبول رئيس الشياطين يُخرِج الشياطين. أمَّا المسيح فقد برهن أنّه هو الأقوى الذي دخل بيتَ القويِّ وربَطَه. بدأ المسيحُ يعلِّم بأمثالٍ، التي بواسطتها أصبح الفرق بين الذين من داخلٍ (التلاميذ) والذين من خارجٍ (الدخلاء) أكثر وضوحًا.
لكن حتَّى التلاميذ كانوا بِطاء في الفَهم. فلم تكُنْ مُضاعفة المسيح الأرغفة للخمسة آلاف والأربعة آلاف إلَّا حدَثًا كشفَ عن غِلاظةِ قلبِ التلاميذ. مع أنّ بطرس اعترف بأنّ المسيح هو ابن الله، وعلى جبل التجلِّي أظهر الآبُ مجدَ المسيح، فإنّ التلاميذ لم يروا بعد هذا المجد، خصوصًا أنه يشمل آلامَ المسيح وموته. دخلَ المسيحُ إلى أورشليم وَسْط تهليل الجموع باعتباره ابن داود، لكنَّه عرَّف التلاميذ سرًّا بنهاية الهيكل [أي خرابه]. تجلَّتْ أهمية آلام المسيح عندما سكبَتْ مريم الطِّيبَ على المسيح وحين أسَّس عشاءَ الربِّ مع تلاميذه. جرى القبض على المسيح ومحاكمته وصلبه في تتابُعٍ سريع بلغ ذُروته عندما اعترفَ قائد المئة الروماني بأنّه كان حقًّا ابن الله (١٥: ٣٩). يُختتَم الإنجيلُ بتقرير عن قيامة المسيح وظهوره، حتّى نراه جالسًا عن يمين الله في السماء (١٦: ١٩)، يعمل بواسطة تلاميذه وهم يكرزون ويُجرون الآياتِ (عدد ٢٠).
موجَز مُحتوى الإنجيل:
أوَّلًا: مُقدِّمة لخدمة يسوع العلنيَّة (١: ١- ١٣)
ثانيًا: بدء الخدمة في الجليل: حول بحر الجليل (١: ١٤- ٥: ٤٣)
- بدء كرازة يسوع (١: ١٤، ١٥)
- دعوة التلاميذ الأوَّلين (١: ١٦- ٢٠)
- معجزات وكرازة (١: ٢١- ٢: ١٢)
- دعوة لاوي (٢: ١٣- ١٧)
- جِدالات في الجليل (٢: ١٨- ٣: ٦)
- أتباع يسوع (٣: ٧- ١٩)
- مقاومة أشدّ (٣: ٢٠- ٣٥)
- المسيح يعظ بأمثالٍ (٤: ١- ٤١)
- إخراجه الشياطين (٥: ١- ٢٠)
- عودة يسوع إلى الجليل (٥: ٢١- ٤٣)
ثالثًا: مرحلة خدمته في الجليل: رحلات أكثر في الجليل (٦: ١- ٩: ٥٠)
- الناصرة ترفض يسوع (٦: ١- ٦)
- يسوع يُرسِل الاثني عشر (٦: ٧- ١٣)
- قطع رأس يوحنَّا المَعمَدان (٦: ١٤- ٢٩)
- إطعام الخمسة الآلاف (٦: ٣٠- ٤٤)
- شفاء مرضى في جَنِّيسارَت (٦: ٤٥- ٥٦)
- الفَرِّيسيُّون يتَّهِمون يسوع (٧: ١- ٢٣)
- خدمته في صور وصيداء والمُدن العشر (٧: ٢٤- ٨: ٩)
- الفَرِّيسيُّون يتحدُّونه في دَلمَانوثة (٨: ١٠- ١٢)
- خمير الفَرِّيسيِّين (٨: ١٣- ٢١)
- شفاء أعمى في بيت صيدا (٨: ٢٢- ٢٦)
- خدمته في قيصريَّة فيلبُّس (٨: ٢٧- ٩: ٣٢)
- عودته إلى كفرناحوم (٩: ٣٣- ٥٠)
رابعًا: مرحلة خدمته في اليهوديَّة (١٠: ١- ١٣: ٣٧)
- يسوع يتَّجه نحو أورشليم (١٠: ١- ٥٢)
- الدخول الظافِر إلى أورشليم (١١: ١- ٢٦)
- تعليم عَلنيّ وأسئلة (١١: ٢٧- ١٢: ٤٤)
- سؤال التلاميذ عن نهاية الأزمنة (١٣: ١- ٣٧)
خامسًا: آلام ابن الله وموته وقيامته (١٤: ١- ١٦: ٢٠)
- التآمر لقتل يسوع (١٤: ١، ٢)
- سكب الطيب على يسوع في بيتِ عَنيا (١٤: ٣- ٩)
- خيانة يهوذا (١٤: ١٠، ١١)
- العشاء الأخير (١٤: ١٢- ٣١)
- القبض على يسوع (١٤: ٣٢- ٥٢)
- محاكمة يسوع (١٤: ٥٣- ١٥: ٢٠)
- موت يسوع ودفنه (١٥: ٢١- ٤٧)
- قيامة يسوع وصعوده (١٦: ١- ٢٠)
١ما يُسمَّى ب The Anti-Marcionite Prologues to the Gospels أو مُقدِّمات الأناجيل ضِدَّ مارسيون هي مُقدِّمات للأناجيل الثلاثة مَرقس ولوقا ويوحنَّا تلخِّص الفِكر ضِدَّ هرطقة مارسيون، وغالبًا كانت هناك مُقدِّمة رابعة لإنجيل متَّى لكنَّها فُقِدَت، وضعها بعضُ المسيحيِّين بعد هرطقة مارسيون أي بعد 150 م تقريبًا. (المُترجِم)
تُرجِم هذا المقال ونُشِر بالاتفاق مع REFORMATION HERITAGE BOOKS،
مُقدمات أسفار الكتاب المقدس الدراسي THE REFORMATION HERITAGE STUDY BIBLE