١٠ أمور ينبغي معرفتها عن الصليبِ

هذه المقالة جزء من سلسلة  "١٠ أمور ينبغي معرفتها"

١- الصليب حدثٌ ثالوثيٌ.

ما يُميِّز الإيمان المسيحيّ إنَّهُ إيمان ثالوثي محوره الصليب. لذلك، يجب أنْ يَكْشف الصليب عن الثالوث. حيث أرسلَ الله الآب الابن ليُخلِّص العالم، وخَضَعَ الابن لمشيئة الآب، والروح القُدس يُطبِّق ويُفعِّل عملَ الفداءِ على أتباعِ يسوع. بكلماتٍ أخرى، لقد عُيِّنَ الفداء مِن قِبل الآب (أفسس ١: ٣- ٦)، وتحقَّقَ بواسطة الابن (أفسس ١: ٧- ١٠)، وطُبِّقَ بالروح القدس (أفسس ١: ١٣، ١٤). لم يُمسِك الله ابنه، وخَضَعَ الابن للآب. ومع ذلك، فإنَّ الآب لم يُقدِّم الابن ذبيحة [دون إرادة الابن]. الآب والابن والروح القُدس جميعهم يمتلكون إرادة واحدة. ومعَّ أن الذبيحة هي عمل الابن الفريد، إلَّا إنها أيضًا إرادة الأقانيم الثلاثة.

٢- الصليب مركزُ قِصَّةِ الكتابِ المقدسِ.

كتاب مقدس بلا صليب هو كتاب مقدس بلا ذروة، وبلا نهاية، وبلا حلّ. كان يجب أن توقَف دوامة الخطيَّة التي بدأت في (تكوين ٣)؛ وموت المسيح أوقف هذه الدوامة المُنحدرة... عِندَ الصليبِ ظَهَرَ آدم الجديد (والذي هو نفسه إبراهيم وموسى وداود الجديد) لِيَخلِق بشريَّة وعائلة وملكوت جديد. لهذا السبب لم يقُل بولس أنَّه لَمْ يعْزِمْ أَنْ يعْرِفَ شَيْئًا إلاَّ تَجسُّد وقيامة وصعود يسوع، لكن "...إلاَّ يَسُوعَ الْمَسِيحَ وَإِيَّاهُ مَصْلُوبًا." (١كورنثوس ٢: ٢). بالحق لم تُوجَد الحكمة وراء الصليب، ولا فوق الصليب، ولا أسفل الصليب، بل في الصليب. 

٣- الصليب يعيدُ تعريف معنى القوَّةِ في ملكوتِ اللهِ.

إنَّ تصريح يسوع بأنَّ "... مَلَكُوتَ اللهِ قَدْ أَتَى..." (مرقس ٩: ١)  يُعلَن بشكل مؤكَّد في وقت مَوْت المسيح على الصليب. يَروي الكتاب المقدس الكيفيَّة التي سيُظهِر بها الله مُلكهِ على الأرضِ. لقد أعطى آدم وحواء مُهمة الحُكمِ والتسلُّطِ على الأرضِ كممثِّلين له، لكنهم حاولوا الاستيلاء على السُلطة لأنفسهم (تكوين ٣: ٥). في الواقعِ، كلِّ أبنائهم يفعلون نفس الشيء. إنَّ بابل هي المدينة التي عارضت حُكم الله. وقد أتى يسوع باعتباره الابن الحقيقي وأعاد تعريف معنى القوَّةِ بإظهارِ القوَّةِ من خلال الضَعْفِ. إنَّه لم يستغل قُوَّته مِثل آدم، لكِنَّهُ أَخْلَى نَفْسَهُ (فيلبي ٢: ٥، ٦). لقد أصبحَ عبدًا وخادمًا للجميع، وبالتالي رُفِّعَ كحاكمٍ وسيِّدٍ على الجميع (فيلبي ٢: ٩- ١١).

٤- الصليب يؤسِّسُ العهدَ الجديدَ.

في العشاءِ الأخير، فَسَّرَ يسوع موته بأنَّه سيجلِب العهدَ الجديدَ. فبجسدهِ ودمهِ يَتَشكَّلَ مُجتمعه الجديد. مِثلما رُشَّ شعب إسرائيل بالدَّمِ عندما دخلوا في عهدٍ معَّ يهوه، كذلك التلاميذ هم أعضاء في المُجتمع الجديد بسفكِ دَمِ يسوع. والآن في مُجتمعِ العهد الجديد كُتِبَت الشريعة على قلوبهم وكلَهم يَعرفون الرَّبِّ بسبب عطيَّة الروح القدس (إرميا ٣١: ٣٣، ٣٤). لا يَكمُن الصليب فقط في دَفْعِ ثَمَنِ خطايانا، ولا في سَحْقِ إبليس، لكنه محور كلّ المسيحيَّة.

٥- الصليب ينتصرُ على الخطيَّةِ والموتِ.

يمحي الصليبُ الصَّكِّ الَّذِي كَانَ ضِدًّا للبشريَّة (كولوسي ٢: ١٤). حَمَلَ يسوع خَطَايَانَا فِي جَسَدِهِ عَلَى الصليبِ، لِكَيْ نَمُوتَ عَنِ الخطيَّةِ والموتِ (١بطرس ٢: ٢٤). لقد وُضِعَت لعنة الخطيَّةِ والموتِ على يسوع لننال بركات إبراهيم (غلاطية ٣: ١٣). إنَّ فهْم الصليب والقيامة كحدثٍ واحدٍ هو مهم للغاية، لأنَّ بموتِ المسيح وقيامته ابْتُلِعَ الْمَوْتُ إِلَى غَلَبَةٍ (١كورنثوس ١٥: ٥٤، ٥٥). 

٦- الصليب ينتصرُ على إِبْليسَ. 

على الصليبِ، لم ينتصر المسيح على الخطيَّة والموتِ فحسب، بل انتصرَ على جيوشِ الظُلمة الروحيَّة. لقد حَدَثَ انْفجَار كونيَّ في الجلجثة. دخلَ جيشٌ رؤيويَّ جديد (apocalyptic force) إلى العالمِ حيث هُزِمَ السحر القديم بواسطة من هو أقوى. "إِذْ جَرَّدَ الرِّيَاسَاتِ وَالسَّلاَطِينَ أَشْهَرَهُمْ جِهَارًا، ظَافِرًا بِهِمْ فِيهِ." أي فِي الصليب (كولوسي ٢: ١٥). عِندما قام المسيح مِن بين الأموات جلس عن يمين الآب في السماويات، "فَوْقَ كُلِّ رِيَاسَةٍ وَسُلْطَانٍ وَقُوَّةٍ وَسِيَادَةٍ،..." (أفسس ١: ٢٠، ٢١).

٧- الصليب حدثٌ نيابيٌ (بَدَليٌ).

الصليب لأجلنا، مكاننا، ونيابة عنَّا. لقد بَذَلَ يسوع حياته مِن أجل خِرَافِهِ. هو الحمل ذبيحتنا. كما قال المعمدان: "... «هُوَذَا حَمَلُ اللهِ الَّذِي يَرْفَعُ خَطِيَّةَ الْعَالَمِ!" (يوحنا ١: ٢٩). تمامًا كما رَفَعَ إِبْرَاهِيمُ عَيْنَيْهِ وَنَظَرَ وَرأى كَبْشًا ليقدِّمه كذبيحة مُحْرَقَةِ عِوَضًا عَنِ ابْنِهِ (تكوين ٢٢: ١٣)، كذلك نحن أيضًا ننظر إلى الأعلى ونرى يسوع كبديلٍ عنَّا "...، إِذْ صَارَ لَعْنَةً لأَجْلِنَا،... " (غلاطية ٣: ١٣)، مما يعني أنه يحل محل من هُم عبيد للخطيَّة، متمردين، وثنين، وقتلة.  إذا كان انتصار القوى الروحية هو الهدف، فإن البدليَّة هي القاعدة أو الأساس لهذا الانتصار (غلاطية ١: ٤). "لا يُمثِّل الصليب التبادُل العظيم (الكفَّارةُ البديَّلةُ) فحسب، بل يُمثِّل أيضًا الانتقال العظيم (التحوُّل الأخروي بين الدهور)."

٨- الصَّلِيب جَهَالَةُ العالمِ.

قال الراوي في مسلسل تلفزيوني على قناة "PBS": "إنَّ المسيحيَّة هي الدين الكبير الوحيد الذي يُركِّز بشكلٍ أساسيّ على مُعاناة وخزي إلهه". ويقرُّ بُولس بأن رسالة المسيح المصلوب هذه ستكون حجر عثرة لليهود وجهالة للأمم (١كورنثوس ١: ٢٣). إنها ليست رسالة جَذَّابة إلا عِندما تُمنح أعين روحيَّة للرؤيَّة. لأنَّ العالم بطبيعته ينظرُ إلى الصليب ويرى الضَعف واللاعقلانية والكراهيَّة والاشمئزاز. لذلك، أكثر ما مَيَّزَ العقودِ الأولى للحركةِ المسيحيَّةِ، هو عار الصليب! لم يكن موتِ المسيح وحده هو العثرة، بل طريقةِ موتهِ المُهِينَةِ أيضًا.

٩- الصليب يَجلِبُ السَّلامَ والمُصالحةَ والوِحدةَ.

عِند الصليبِ، تُتَاحُ للعالمِ كلِّه فرصة المُصالحة معَّ الآب. السلام الذي يسعى له العالم، ووِحدة كلّ الناسِ، تُوجَدُ في الدَّمِ. "لأَنَّهُ هُوَ سَلاَمُنَا، الَّذِي جَعَلَ الاثْنَيْنِ وَاحِدًا، وَنَقَضَ حَائِطَ السِّيَاجِ الْمُتَوَسِّطَ، أَيِ الْعَدَاوَةَ." (أفسس ٢: ١٤، ١٥). لا تأتي مُصالحة العالمِ والسَّلامِ و"الشَالوم" [حالة الراحة النهائية] والوِحدة إلا بدَمِ الصليب (كولوسي ١: ٢٠). فدون الدَّمِ [دم المسيح] لا يوجد انسجام.

١٠- الصليب مُرشِدُ لمَسيرِ المؤمنين.

بَعد أنْ أظْهَرَ يسوعُ لِتَلاَمِيذِهِ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَتَأَلَّمَ، قَالَ لهم: "... إِنْ أَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَأْتِيَ وَرَائِي فَلْيُنْكِرْ نَفْسَهُ وَيَحْمِلْ صَلِيبَهُ وَيَتْبَعْنِي،" (متّى ١٦: ٢٤). يُجسِّد بولس الصليب في خدمتهِ، ليُصبح بولس رائحة موت [المسيح] بينما يُقَاد في موكبِ النُصرةِ الإلهيَّة (٢كورنثوس ٢: ١٤- ١٧)، حتّى أنَّه يقول إنَّه صُلِبَ مَعَّ الْمَسِيحِ (غلاطية ٢: ٢٠). لكن بولس لا يكتفي بتطبيق الصليب على خدمتهِ الشخصيَّة فحسب، لكنه يُرشِدُ ويُوَجِّهُ المجتمع الجديد في فيلبي ليَكُنْ فيهُمْ فِكْرُ المسيح (فيلبي ٢: ٥)، وهذا الفِكْرُ يُعَرَّف: "باتضاعِ المسيح على الصليب" (فيلبي ٢: ٨).

لا يكمن الصليب فقط في دَفْعِ ثَمَنِ خطايانا، ولا في سَحْقِ إبليس، لكنه محور كلّ المسيحيَّة.

كما قَالَ "روتليدج"، "إنَّ صَلْب المسيح هو مَحك الأصالة المسيحيَّة، أنَّه السمة الفريدة التي تُشكِّل كلّ شيءٍ آخر... وتعطي له أهميَّة حقيقيَّة".


عن الكاتب:

باتريك شراينر Patrick Schreiner (دكتوراه، كلية اللاهوت المعمدانية الجنوبية SBTS) هو أستاذ مُساعد في العهد الجديد واللاهوت الكتابي، ورئيس قسم في كلية اللاهوت المعمدانية في الغرب الأوسط في مدينة كانساس سيتي بولاية ميسوري. وهو مؤلف "ملكوت الله ومجد الصليب"، "متّى التلميذ والكاتب"، "صعود المسيح"، و"الكلمة المرئية".


تُرجِم هذا المقال عن الأصل الإنجليزي 10Things You Should Know about the Cross بعد الحصول على إذن من Crossway