٥ أشياء يجب أن يفعلها كلُّ مؤمن في علاقته بكلمة الله

يا لروعة مزمور 119. فهو ليس فقط أطول المزامير ( 176 عددًا)، ولكنّه أكثر مزمورٍ يتناول موضوع الكتاب المُقدَّس. تقريبًا تشير كُلّ أعداده، بطريقةٍ أو بأخرى، إلى كلمة الله.

يستخدم داود -الذي يُرجَّح أنه كاتب المزمور- مجموعة متنوِّعة من المفردات لوصف كلمة الله، مِثل: وصَايَا، شَرِيعَة، فرائِض، أَحْكَام، قَوَانين، كَلَام، شَهَادَات، إلخ.. تشير كُلُّ هذه التشبيهات إلى الكُتب المُقدَّسَة كما كانت موجودة في أيام داود (أي أسفار موسى الخمسة بشكل أساسي).

وهكذا ، فإنّ المزمور 119 هو أحد أفضل الأمثلة على حديث الكتاب المقدس عن الكتاب المقدس. فهو كَلِمةُ الله عن كَلِمةِ الله.

وفيه نجد أن داود يتفاعل مع كلمة الله بخمس طرق، والتي يجب أن تكون نموذجًا لجميع المؤمنين:

1. الثقة بكلمة الله.

مِرارًا وتكرارًا، يعبِّر داود عن إيمانه بأنّ الكُتِب المُقدَّسة هي حقٌّ (ع. 151)، وأنه يؤمن بهم (ع. 66)، وأنه يثق بها لأنها جديرة بالثقة (ع. 42)، فيُعلن ويصرِّح: ”رَأْسُ كَلاَمِكَ حَقٌّ، وَإِلَى الدَّهْرِ كُلُّ أَحْكَامِ عَدْلِكَ.“ (ع. 160)

تُعدُّ هذه الخطوة الأولى مفتاحًا. فإنْ كان مؤمنٌ لا يعتبر حقًّا أن كلمة الله جديرة تمامًا بالثقة، فلن تتمّ أيٌّ من الخطوات الأخرى التالية. لهذا السبب يجب أن تواجه الكنيسة سريعًا الانتقادات المتكرِّرة للكتاب المقدس والتي غالبًا ما تتغلغل في ثقافتنا.

2. دراسة كلمة الله.

لم يكن داود مؤمنًا بالكَلِمَةِ فقط، إنّما كان تلميذًا للكَلِمَةِ. فهو يتعلَّمها (ع. 73)، وهو يلتَمِسها (ع. 155)، وقد حفظها ( ع. 153)، ويتأمّل بها دائمًا.

إنّ خطوة دراسة كلمة الله يجب أن تتبع تلقائيًّا خطوة الوثوق بكلمة الله. فإنْ كانت الكلمة حقًّا بالحقيقة، فيجب أن نُلزِم أنفُسنا بأن نكون مجتهدين في دراسة الكلمة. نحتاج إلى أن نعتنق الكلمة ونتقبّلها بأذهاننا وأيضًا بقلوبنا.

3. استخدام كلمة الله.

إنّ الإيمان بكلمة الله ومعرفتها شيءٌ، أمّا الاتّكال عليها فشيءٌ آخر. كأن ننظر إليها بصفتها المُرشِد في خِضَمّ مصاعب الحياة وتحدّياتها، ونعتمد عليها في التشجيع والرجاء.

يؤكِّد داود مرارًا على أنّه يستخدم كَلِمَة الله باعتبارها ”أَهْلُ مَشُورَتِي“ (ع. 24)، ولتعطيه قوةً ”وتُقِيمَهُ“ (ع. 28)، ولتُعزّيه في مذلَّتِهِ (ع. 50)، ويعلن: ”سِرَاجٌ لِرِجْلِي كَلاَمُكَ وَنُورٌ لِسَبِيلِي.“ (ع. 105). باختصار، فإنّ كلمة الله لداود هي مصدر الحياة (ع. 156).

وهذا إنّما يُذكِّرنا بصفة مهمّة جدًّا تتّصف بها كلمة الله، أنها: حَيَّةٌ. فهي قوية وفعَّالة. وحين نتكلّم عن خصائص الكِتاب المُقدَّس يجب أن نتذكَّر أنه أكثر من مُجرّد كتاب يحوي حقائق (فالموسوعات قد تحتوي على حقائق)، لكنّه كِتابٌ حيٌّ. فالكِتاب المُقدَّس هو المكان حيث يلاقينا ربّ الكون ويُظهِر لنا ذاته.

4. التلذُّذ بكلمة الله.

الأمر المُذهل أن يأخذ داود الأمورَ لبُعد أعمق ممّا قد نتوقّع. فالأمر لا يقتصر على أنه يثق بكلمة الله ويدرسها ويستخدمها، بل يحبّها ويقدِّرها. ولديه تعلُّق عاطفي عميق تجاهها.

فهو يُحِبّ كَلِمَة الله (ع. 159)، ويبتهِجُ بها (ع. 162)، فالكَلِمَة عجيبَةٌ (ع. 18)، فهي خيرٌ له من ألوفِ ذهبٍ وفضَّةٍ (ع. 72)، وهي أحلى مِنَ العسَلِ لفَمِهِ (ع. 103) .

فإني مُتيقِّن أن هذا هو الجانب المفقود عند معظم المؤمنين اليوم. فإن الكثيرين ينظرون إلى الكِتاب المُقدّس نظرة نَفعيّة، على أنه أداة للتعقيم تعمل تلقائيًّا ويُفترض بالمؤمنين أن يستعملوها. إنّه مثل تناول دوائك.

على النقيض، لدى داود شغفٌ وغيرةٌ وحماسةٌ لشريعة الله ووصاياه. وإيجاد السبب وراء هذا ليس أمرًا صعبًا. فإنّ داود يحبّ شريعة الله، ليس لأنه رجل ناموسيّ من الداخل، إنّما يحبّها لأنها تعكس طبيعة الله وشخصيته. فهو يُحب شريعة الله لأنه يحبّ الله، ويحبّ مَن هو الله وصفاته.

إنّ أيّ مؤمن يدَّعي أنه يُحب الله ثمّ يحتقر ناموسه، فهو يعيش في حياة متناقضة. حياة مُغايرة لمزمور 119. فأن تحبّ الله هو أن تحبّ شَرِيعتَه.

 5. طاعة كلمة الله.

ليس مُفاجِئًا أنّ الخصائص الأربع السابقة في العلاقة بكلمة الله تؤدّي بطبيعة الحال إلى هذه الميزة الأخيرة. فيعبّر داود مرارًا كثيرة عن رغبته أن يطيع شريعة الله طاعةً حقيقية. فهو يريد أن يتبعها ويحفظها ويتمِّمها.

في عالمنا اليوم، مبدأ ”طاعة الناموس“ ليس مفهومًا شائعًا، فكثيرون يرون أنه يتعارض مع النعمة. ومع ذلك يجب ألّا يغيب عن بالنا أمران. أولًا، لم تكن طاعة (حفظ) داود للشريعة بهدف أن ينال الخلاص، ولكنّه أطاع بدافع محبّته لله. فطاعته نابعة من قلبٍ يملأه الإيمان.

ثانيًا، يجب أن نتذكَّر أن يسوع نفسه كان حريصًا على ”طاعة الناموس“. وقبل أن نُسرِع في احتقار حفظ الناموس، يجب أن نتذكَّر أن يسوع كان مسرورًا بحفظ شريعة أبيه، وقد أطاع الناموس طاعةً كاملةً بالتمام من أجلنا. لقد أطاعَ بالنيابة عنّا وقد حُسِبَ لنا برُّه بالإيمان.

حقًّا لقد جسَّد يسوع هذه السمات الخمس جميعها. فقد وثق بكلمة الله ودرسها واستخدمها وتلذَّذ بها وأطاعها. في الواقع، إنّ يسوع فعل كُلَّ هذه أكثر من داود الأول. هوذا أعظم من داود ههُنا، وقد أحبَّ كلمة الله.


 

تُرجمت هذه المقالة بعد الحصول على الإذن من موقع canon fodder، المدوّنة الرسمية للدكتور مايكل كروجر MICHAEL J. KRUGER،  ويمكنك قراءة المقال الأصلي باللغة الإنجليزية بالضغط على العنوان التالي 5 Things Every Christian Should be Doing with God’s Word