يَشتَهر الكُتَّاب التطهِيريّون (Puritans) مثل "جون أوين" (John Owen) بتعْلِيم المسيحييِّن أن يسعوا نحو حَياةِ القَدَاسَة وقتل الخطيَّة. وبالطبع هذا أمر مُفيد، لكن التطهيريّون مثل "أوين" أدركوا أيضًا، أن هذا يُمكن أن يُؤَدِّي أيضًا إلى سوءِ فهمٍ خطيرٍ من جانبِ المسيحييِّن. ففي السعي نحو حَياةِ القَدَاسَة، يَنجذِب المسيحييِّن إلى التَّفْكِيرِ كثيرًا في خطايَاهِم، ونسيان إِحسان أَبِيهم السَّمَاوِيّ.
فَكِّر معي منطقيًّا، نحنُ نَعلم أنَّ الله يكره الخطيَّة. وعلى الرغم مِن أنَّنا نُحارب الخطيَّة، السَّاكِنَة فينا، إلّا أننا مهما حاولنا جاهدين، سَنجِد دائمًا مُستوى مؤسِف مِنْ الخطيَّة الُمتبقيَّة داخلنا الَّتي لا تتناسب مَ تلك الحالة المجيدة الَّتي ينبغي أن نكون عليها كأبناءٍ مُقدَّسين لله. وتباعًا، يتوجب على الله أنْ يَغضب منِّا دائمًا، أليس كذلك؟
الآن، يُمكنك أنْ تَرى كيف يُمكِن أنْ يُؤَدِّي هذا النوع مِنْ التَّفْكِيرِ إلى الناموسيَّة وأيضًا إلى أفكار قاسيَّة عن الله.
إذًا، كيف يُمكن لله أن يكُون في صَفّنا بالكامل وفي نفس الوقت أيضًا ضد خطايانا بالكامل؟
الجواب بالطبع مُتَجذِّر في رسالة الإنجيل: وهو النِعمة غير الُمستحقَّة الممنوحة لنا في حَياة المسيح الكاملة وموته وقيامته. والجواب مُتَجذِّر أيضًا في عملِ الرُوح القُدس.
قام اللاهوتي "ب. ب. وارفيلد" (B.B. Warfield) بهذا الربط -أثناء دراسته للنص- بين رومية 7 (رُعب الخطيَّة السَّاكنة) ورومية 8 (مجد الروح القدس السَّاكن)، وقال في عِظةٍ عن هذه الإصحاحات: الحَياة المسيحيَّة على الأرضِ هي صِراع مع الخطيَّة، وهُنا تظهر فَظاعة وضعنا على الأرضِ، لكنَّنا لم نُتركْ لخوضِ المعركة وحدنا. فالحَياةِ المسيحيَّة هي صِراع الله مَعَّ الخطيَّة، وليس صِراعنا. وهُنا يَتَجلَّى الفرح والمجد في وضعنا على الأرض.
"فكخطاةِ نحنُ في ورطةٍ مُرعبةٍ، أمَّا كخُدامِ الله، فنحنُ في حالة مجيدة، لأنَّ المعركة معركته."مِن كتاب (الإيمان والحياة، لندن، 1916، ص202)
هذا هو المِفْتَاح: إنَّ "صِراع الخطيَّة" ليس صِراع الله ضدَّنا، إنَّما "صِراع الخطيَّة" هو بشكل جوهري وأساسي معركة الله، معركة وقعنا فيها. نحنُ نُصارع ونُقاتل مَعَّ الله لأجل حَياة القداسة لأنَّه لا يُوجد أحد مُنخرط في قداستنا أكثر من الله. لا أحد يهتم بقداستِنَا الشخصيَّة أكثر مِمَّا يهتم الله، وحقيقة أن الروح القدس يسكن فينا هي أعظم بُرهان لاهتمامِ الله بقداستِنَا.
الأمر الَّذي يشير إليه "وارفيلد" أمرٌ مهم، فسعينا نحو حَياةِ القَدَاسَة أصبح في الإمكانِ حدوثه، يُمكنَّنا أنْ نصنع الُمعجزة، لأنَّ الله لنا ومَعَّنا وفينا. فنحنُ نُصَارع الخطيَّة ونحنُ مُتَّحدون في عملِ الله ولأجلِ أهدافه ومقاصده. لذلك النصر النهائي مُؤكَّد. وبهذه الطريقة، يدعونا "وارفيلد" بحكمة إلى إماتةِ أجسادنا، ويمنحَّنا دافعًا مليئًا بالرَّجَاءِ لأجلِ خوض المعركة، الَّتي هي في النهايةِ من اختصاصِ أَبِينا السَّمَاوِيّ الُمحِب.
تُرجِم هذا المقال ونُشِر بالاتفاق مع هيئة "الاشتياق إلى الله" desiring God، وضمن سلسلة من المقالات القيّمة التي ستقوم خدمة "الصورة" بنشرها باللغة العربية تباعًا في إطار الشراكة مع الهيئة.
يمكنكم قراءة المقال الأصلي باللغة الإنجليزية من خلال الرابط: Fighting with God in Sanctification