ميلاد قَسَمَ التَّاريخ

نجد في العهد القديم طريقة ذِكْر توقيت أحداثٍ مُحدَّدة في حياة شعب الله مرتبطة بعدد السنوات التي تُحسَب منذ بداية مُلك أحد الملوك على شعب الله. فمثلًا، نقرأ في ٢ملوك ١٣: ١ «فِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ وَالْعِشْرِينَ لِيُوآشَ بْنِ أَخَزْيَا مَلِكِ يَهُوذَا...» حدث هذا الحدث وذاك؛ أو في ٢ملوك ١٥: ١: «فِي السَّنَةِ السَّابِعَةِ وَالْعِشْرِينَ لِيَرُبْعَامَ...» حدث هذا الحدث وذاك. نعم، كلُّ أحداث المملكة تُقاس بمرجعيَّة واحدة: سنة تأسيس مملكة هذا الملك أو ذاك.

هناك تقويمات كثيرة يتبعها الناس حول العالم اليوم. لكنَّ الغريب هو أنَّ التقويم العالميَّ الأهمَّ اليوم ارتبط بميلاد المسيح. نحن في سنة ٢٠٢٤ من ميلاد الملك يسوع المسيح. هو الملك الذي قَسَمَ ميلادُه التاريخَ إلى ما قبل الميلاد وما بعد الميلاد.

لكنَّ الأعجب هو أنَّ انقسام التاريخ هذا بميلاد المسيح كان بحسب نبوَّات سبقت مجيء المسيح بمئات السنين. فقد تنبَّأ دانيال، قبل مجيء المسيح متجسِّدًا إلى عالمنا بنحو ٧٠٠ سنة، بمجيء مملكة المسيح. نعم، تنبَّأ دانيال أنَّ مملكة بابل التي كان يعيش فيها دانيال، سيعقبها ثلاث ممالك أُخَر (مملكة مادي وفارس، ثمَّ المملكة اليونانيَّة، ثمَّ المملكة الرومانيَّة). هذه الممالك الأربع تمَّ تصويرها في سفر دانيال مرَّة بأربعة وحوش ( دانيال ٧)، ومرَّة أخرى بأجزاء مختلفة مكوَّنة من موادَّ ومعادن مختلفة لتمثال كبير (دانيال ٢). لكن في دانيال ٢، نجد مملكة مصوَّرة كحجر كبير سيأتي ليهدم الأربع ممالك كلَّها، وهذه المملكة ستبدأ، وتثبُت إلى الأبد. فنقرأ: «وَفِي أَيَّامِ هَؤُلَاءِ الْمُلُوكِ، يُقِيمُ إِلَهُ السَّمَاوَاتِ مَمْلَكَةً لَنْ تَنْقَرِضَ أَبَدًا، وَمَلِكُهَا لَا يُتْرَكُ لِشَعْبٍ آخَرَ، وَتَسْحَقُ وَتُفْنِي كُلَّ هَذِهِ الْمَمَالِكِ، وَهِيَ تَثْبُتُ إِلَى الْأَبَدِ» (دانيال ٢: ٤٤).

في بداية خدمته، جاء المسيح مُعلِنًا بداية هذه المملكة، قائلًا: «قَدْ كَمَلَ الزَّمَانُ وَاقْتَرَبَ مَلَكُوتُ اللهِ، فَتُوبُوا وَآمِنُوا بِالْإِنْجِيلِ» (مرقس ١: ١٥). ولاحقًا، وصف المسيح تأسيس مملكته بالحجر تمامًا مثلما نجد في دانيال ٢: «فَنَظَرَ إِلَيْهِمْ [أي الفرِّيسيِّين] وَقَالَ: ‹إِذًا مَا هُوَ هَذَا الْمَكْتُوبُ: الْحَجَرُ الَّذِي رَفَضَهُ الْبَنَّاؤُونَ هُوَ قَدْ صَارَ رَأْسَ الزَّاوِيَةِ؟ كُلُّ مَنْ يَسْقُطُ عَلَى ذَلِكَ الْحَجَرِ يَتَرَضَّضُ، وَمَنْ سَقَطَ هُوَ عَلَيْهِ يَسْحَقُهُ!›» (لوقا ٢٠: ١٧). 

لقد أسَّس المسيح بميلاده مملكةً فيها يضمُّ الخطاة المعترفين بخطيَّتهم والمتَّكلين عليه وحده للخلاص. لذلك، فنفس المسيح الذي قسم تاريخ البشريَّة كلِّها إلى "ما قبل الميلاد، وبعد الميلاد"، هو قادر أن يقسم تاريخ حياتك أنت إلى "ما قبل معرفة المسيح، وما بعد معرفة المسيح"، أو إلى "قبل الميلاد الثاني، وبعد الميلاد الثاني".

إنَّ ميلاد المسيح في حياتك يقسمها نصفين.

قبل المسيح كنت تدير حياتك بنفسك، ولكن بعد المسيح صرت منتميًا إلى الملك صاحب الملكوت الذي لا يزول.

قبل المسيح أنت عبدٌ للخطيَّة، لكن بعد دخول المسيح حياتك يجعلك خليقةً جديدةً، عبدًا للبرِّ.

قبل المسيح أنت تحبُّ الخطيَّة، لكنَّ المسيح يعطيك بغضة لها ومحبَّة للقداسة والشركة معه.

قبل المسيح كنت ابنًا لإبليس، لكنَّ المسيح يجعلك ابنًا أو بنتًا لله.

قبل المسيح أنت تحبُّ العالم أفكاره وشهواته، لكنَّ المسيح جعلك مُحبًّا لله كلمته وعبادته وشركة المؤمنين مع شعبه.

ويبقى السؤال هل قَسَمَ حياتَك مَنْ قَسَمَ التاريخَ؟