يوجد اختلاف صارخ بين عيد الميلاد الهادئ المليء بالسعادة الذي تسوّقه الشركات لنا في بداية كل جمعة بيضاء، وعيد الميلاد الذي يختبره الكثير منا فعليًا. إن كنت تقرأ هذا المقال، فأنت بلا شك تبلغ من العُمر ما يكفي لتكون قد اختبرت هذا الفرق. تذكّر الأحباء الذين لم يعودوا موجودين في الاحتفالات، وشعور الغُربة الذي تُضخّمه الأعياد، بل والضغط المادي الذي يتفاقم بسببها. إن كُنّا أمناء، فأنا أشك أن الكثيرين منّا الجالسين في الكنيسة (فضلًا عن أولئك الغائبين عن الكنيسة) يصارعون مع الفجوة بين صورة عيد الميلاد المثالية، واختبار العيد الحقيقي الذي به حزنٌ، أو فَقْدٌ، أو قلقٌ.
الخبر السار هو أن عيد الميلاد "الكتابي" يشرح الفرق. وهذا سبب آخر لوجوب التصاق المسيحيين بالمعنى الكتابي لعيد الميلاد، وإلا فإنّ عيد الميلاد "بحسب ثقافتنا الأمريكية" سيُهيّئنا لإحباط مضاعف.
إن عيد الميلاد الكتابي مليء برجاء عظيم، ولكنه بالكاد يحلّ الحزن والمعاناة المتأصِّلة في خطية العالم. على الأقل لا يحلّ كل شيء بعد.
انظر فقط إلى السَرد الكتابي لقصة الميلاد: الخوف، والخطر، والمشكلات متداخلة في الأحداث. نعم، أعلن الملائكة: "الْمَجْدُ للهِ فِي الأَعَالِي، وَعَلَى الأَرْضِ السَّلاَمُ، وَبِالنَّاسِ الْمَسَرَّةُ!" ولكن هذا بالكاد يحلّ أي مشكلة.
فالمشكلة تبدأ بصَيْرورة ابن الله الأزلي طفلًا، موضوعًا في معلف تغذية في بلدة مغمورة ومنعزلة، ومصيرهُ مِيتَة المجرمين على الصليب. لقد وُلِد "محرومًا" إذ لم تكن هناك غرفة في الفندق. في الغالب وُلِد لأبوين فقيرين، الأمر الذي أشارت إليه تقدمتهم لحمامتين أو يمامتين، وهي أفقر عطية يُسمَح بها في الهيكل.
في لوقا 2، تنبّأ سمعان الشيخ التقيّ أن الطفل يسوع هو المسيا. ولكنّه اعترف أيضًا أن مجيء المسيا عَنِىَ أن الوقت قد آن لموته هو؛ "الآنَ تُطْلِقُ عَبْدَكَ يَا سَيِّدُ حَسَبَ قَوْلِكَ بِسَلاَمٍ". قال سمعان أيضًا لمريم: "هَا إِنَّ هذَا قَدْ وُضِعَ لِسُقُوطِ وَقِيَامِ كَثِيرِينَ فِي إِسْرَائِيلَ، وَلِعَلاَمَةٍ تُقَاوَمُ. وَأَنْتِ أَيْضًا يَجُوزُ فِي نَفْسِكِ سَيْفٌ، لِتُعْلَنَ أَفْكَارٌ مِنْ قُلُوبٍ كَثِيرَةٍ". سيف يجوز في نفس مريم؟ لا عجب أن ترنيمة سمعان (**the Nunc dimittis) هي ترنيمة تقليديّة للجنازات، وليست لخدمة عيد الميلاد!
في معظم الحالات نختم قراءة سرد قصة الميلاد عند متى 2: 12، حيث ختام زيارة المجوس. ولكن عند هذه اللحظة يتحول السَرد لأحلك لحظاته فقط. يجب على مريم ويوسف أن يهربا بيسوع إلى مصر، خوفًا من أن تقطف حمل القتل التي شنّها هيرودس حياة المسيّا. بالفعل أمر هيرودس بقتل كل الأطفال الذكور في منطقة بيت لحم، وهي واحدة من أبشع الأعمال المذكورة في كل الكتاب المقدس. قال متى: "حِينَئِذٍ تَمَّ مَا قِيلَ بِإِرْمِيَا النَّبِيِّ الْقَائِلِ: «صَوْتٌ سُمِعَ فِي الرَّامَةِ، نَوْحٌ وَبُكَاءٌ وَعَوِيلٌ كَثِيرٌ. رَاحِيلُ تَبْكِي عَلَى أَوْلاَدِهَا وَلاَ تُرِيدُ أَنْ تَتَعَزَّى، لأَنَّهُمْ لَيْسُوا بِمَوْجُودِينَ»."
نوح، وبكاء، وعويل، ولا توجد تعزية؟ هذه الأمور تظل جزءًا من سَرد الميلاد أيضًا.
لا تسيء فهمي! أنا لا أنصح كنيستك أن تجعل من هذا العيد، "عيد الميلاد الأكثر كآبة على الإطلاق!" ولكن لا تحاول أن تجعله العيد "الأكثر سعادة" أيضًا. لا تتحرك إلى أبعد مما يُعلّمه الكتاب المقدس عن عيد الميلاد. لقد أتى المسيّا المُنتَظر الذي كنا نتوق إلى مجيئه لوقت طويل، وهي لحظة مذهلة، فارقة في تاريخ الفداء. هذا التجسُّد يجعل القديسين يبتهجون ويتعبدون.
ولكن حياة يسوع الأرضية قد بدأت لتوها، ومازال الصلب ينتظره. ولا حتى عيد القيامة يحلّ كل المشكلات والألم. في عيد الميلاد، نعلم أن وقت حلّ المشكلات بالكامل ووقت المصالحة يكمن في المستقبل، عندما يمسح الله كل دموع القديسين: "وَالْمَوْتُ لاَ يَكُونُ فِي مَا بَعْدُ، وَلاَ يَكُونُ حُزْنٌ وَلاَ صُرَاخٌ وَلاَ وَجَعٌ فِي مَا بَعْدُ، لأَنَّ الأُمُورَ الأُولَى قَدْ مَضَتْ." (رؤيا 21: 4).
** ترنيمة مأخوذة من كلمات سمعان الشيخ، وعنوانها يعني: "الآن تُطلِق عبدك.." - مأخوذ من ترجمة الفولجاتا اللاتينية Vulgate للكتاب المقدس.
تمت الترجمة بإذن من خدمات ائتلاف الإنجيل. يمكنكم الرجوع إلى المقال الأصلي بالضغط على الرابط التالي: Grief, the Holidays, and a Biblical Christmas