لنُحَارِب قَانُونِيًّا وحَتَّى الدَّمِ!

المؤمن الحقيقي في حرب، حرب من الدرجة الأولى مع الخطية الساكنة فيه. وحتى ينتصر المؤمن في هذه الحرب، عليه المحاربة قانونيًا أي بحسب المعايير التي وضعها الله في كلمته المقدسة، وكذا المحاربة باستماته حتى الدَّم.

هذا ما قاله بولس لتيموثاوس، "وَأَيْضًا إِنْ كَانَ أَحَدٌ يُجَاهِدُ، لاَ يُكَلَّلُ إِنْ لَمْ يُجَاهِدْ قَانُونِيًّا" (٢ تيموثاوس ٢: ٥)، وما ذكره كاتب رسالة العبرانيين عندما قال لمستمعيه "لَمْ تُقَاوِمُوا بَعْدُ حَتَّى الدَّمِ مُجَاهِدِينَ ضِدَّ الْخَطِيَّةِ" (عب ١٢: ٤).

ولأن هذه المعركة ضد الخطية هي معركة حياة أو موت، فلا مسيحيًا حقيقيًا مُعفىً من هذه الحرب! فإن كُنَّا في الحياة العادية ندفع بعضًا من ضرائبنا للجيش الذي يحارب أفرادُه نيابةً عن الشعب، إلا إن هذا الوضع لا ينطبق على الحياة الروحية. إذ لا يُمكن لآخر أن يحارب بدلًا عنك.

يقينًا نحن لا نحارب بمفردنا، فقد منحنا الرب إخوة ومرشدين لمساعدتنا. ويقينًا لسنا نحن مُحرزي النصرة ولا ضامنيها، بل الرب هو المحارب عنَّا (خروج ١٥: ٣) وهو نصرتنا. لكن لا يُمكن لأي مؤمن القول: "أنا نلت الخلاص، و سأستريح الآن وآخرون سيحاربون الحرب التي يجب أن أخوضها أنا." عليك أنت أن تقتل خطيتك بقوة الله الممنوحة لك في الإنجيل (رومية ٦: ١٤). هذا ما أشار إليه (جون أوين) في جملته الشهيرة، "إمَّا تقتل الخطية أو تقتلك الخطية".

الكثير من المسيحيين - للأسف - إمَّا لا يدركون حقيقة الحرب أو لا يجاهدون قانونيًا حتى الدَّم في هذه الحرب. لكن الكتاب المقدس يُعطينا تفاصيل كثيرة وعملية عن حقيقة الحرب وكيفية خوضها. وهنا سنتحدث عن أربعة منها

(أشجعك عزيزي القارئ أن تقضي الأيام الأربعة القادمة - يومًا لكل حقيقة - متأملًا كل منها والأعداد الكتابية المرتبطة بها ومصليًا بشأنها).

1. تذكر أن جذر أي خطية ظاهرة في حياتك هو "القلب النجس"، والحل يبدأ بنوال "القلب الجديد".

قال إرميا: "اَلْقَلْبُ أَخْدَعُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ نَجِيسٌ، مَنْ يَعْرِفُهُ؟" (إرميا ١٧: ٩). وأكَّد المسيح، "لِأَنَّهُ مِنَ ٱلدَّاخِلِ، مِنْ قُلُوبِ ٱلنَّاسِ، تَخْرُجُ ٱلْأَفْكَارُ ٱلشِّرِّيرَةُ: زِنًى، فِسْقٌ، قَتْلٌ..." (مرقس ٧: ٢٠). لذلك فمحاولة السيطرة على أعراض الخطية الخارجية دون التعامل مع جذر المشكلة وأصلها - "القلب" - يشبه محاولة تطهير مجرى نهر من قاذورات تنتج من منبع النهر دون إصلاح المنبع. هذه المحاولات - مهما بدت ناجحة في البداية - ستبوء بالفشل حتمًا في النهاية.

لذلك، فبداية أي نصره في الحرب هو إدراك أن القلب بطبيعته نجس ويحتاج لمعجزة إلهية للتغيير. هذه المعجزة هي ما يمنحه إيانا الله عندما يأخذ القلب الحجري الذي يُحب ما يكرهه الله ويكره ما يحبه، معطيًا إيانا قلبًا جديدًا، يحب ما يحبه الله ويكره ما يكرهه (حزقيال ٣٦: ٢٦-٢٨). هذا ما يتمِّمه الله عندما يوحِّد الخاطئ بموت المسيح وقيامته (أفسس ٢: ٤-١٠)، الأمر الذي يحدث عندما يتجاوب الإنسان مع رسالة الإنجيل بتوبة وايمان (مرقس ١: ١٤-١٥).

2. اقتل الخطية بشكل عملي في حياتك

لا تقُل: "المشكلة في القلب، وأنا أصلي إلى الله ليُغيِّر قلبي، لذا فأنا لا احتاج التعامل بطريقة حاسمة مع خطيتي".

على الرغم من أن المسيح علَّم أن المشكلة في قلب الإنسان، وأكدَّ على مركزية معجزة الخليقة الجديدة (يوحنا ٣)، إلا انه أكدَّ أيضًا أن التلميذ الحقيقي يحارب الخطية بلا تراخٍ إذ أنها مسألة حياة أو موت. فنسمعه مرارًا وتكرارًا يقول: "إِنْ أَعْثَرَتْكَ عَيْنُكَ فَٱقْلَعْهَا. خَيْرٌ لَكَ أَنْ تَدْخُلَ مَلَكُوتَ ٱللهِ أَعْوَرَ مِنْ أَنْ تَكُونَ لَكَ عَيْنَانِ وَتُطْرَحَ فِي جَهَنَّمِ ٱلنَّارِ." (مرقس ٩: ٤٧). يُمكننا سماع المسيح يقول لنا في هذه الآية: "إن كانت تلك الصداقة تجعلك تكذب أو تشتم أو تُخطئ بأي شكل، فاتركها لأن "خَيْرٌ لَكَ أَنْ تَدْخُلَ مَلَكُوتَ ٱللهِ "دون هذه العلاقة" مِنْ أَنْ تَكُونَ لَكَ "تلك العلاقة" وَتُطْرَحَ فِي جَهَنَّمِ ٱلنَّارِ". بالطبع يُمكن استبدال "العلاقة" في هذه الجملة بهاتفك المحمول، أو بمكان ما، أو بذكريات معينة، أو بفريق كرة القدم (يجعلك تغضب أو تكتئب!) أو حتى بوظيفة ما، أو بأي شيء يجعلك تخطئ باستمرار. ببساطة المؤمن يأخذ إجراءات كتابية حاسمة للابتعاد عن الخطية ولقتلها، خاصة الخطايا التي مثَّلت سابقًا نقاط ضعف بالنسبة له.

3.حارب لذة الخطية بلذة أعظم، املأ الفراغ بمياه الحياة.

ربما الفشل في إدراك هذه النقطة هو أكثر ما يترك المؤمنين منهزمين في حرب التقديس. قال المسيح بعدما يخرج شيطان ما من شخص (وبالمثل، عندما يُهزم أي شرَّ) ويُتِرَك مكان هذا الشيطان فارغًا، يرجع لاحقًا بسبع أضعاف قوته، "فَتَصِيرُ أَوَاخِرُ ذَلِكَ ٱلْإِنْسَانِ أَشَرَّ مِنْ أَوَائِلِهِ!" (لوقا ١١: ٢٤-٢٦). 

يتسائل (جون بايبر) عن الكيفية التي يُمكن بها إفراغ زجاجة من الهواء بشكل تام. ثم يجيب أن الأمر يظل صعبًا للغاية إلى أن تُملأ الزجاجة بالماء، إذ حينها كل الهواء سيُطرَد خارجًا بالتأكيد! فإن كنت تريد أن تتخلص من الخطية ومحبة العالم (الهواء في هذا المثال)، عليك أن تمتلئ بمجد المسيح، بكلمة المسيح، بروح المسيح، بمحبة الله الثالوث، بشركة مع أحباء الله، بعبادة مستمرة مع شعب المسيح (الماء في هذا المثال).

باختصار، الطريقة الأهم في محاربة لذَّة الخطية هو التلذذ بالشركة مع الله عن طريق معرفته في شخص يسوع المسيح.

لا يكفي أن ترفض الخطية كل يوم، لكن يجب أن تقول نعم للمسيح كل يوم.

4. عظ نفسك بالإنجيل، وذكِّر نفسك بالحقائق الكتابية بشكل مُستمر.

أول فعل أمر استخدمه بولس في رسالة رومية هو "ٱحْسِبُوا (تذكَّر، فكِّر باستمرار) أَنْفُسَكُمْ أَمْوَاتًا عَنِ ٱلْخَطِيَّةِ، وَلَكِنْ أَحْيَاءً لِلهِ بِٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّنَا" (رومية ٦: ١١). بكلمات أخرى، ينصح بولس المؤمنين بأن يعظوا أنفسهم باستمرار برسالة الإنجيل: المسيح مات لأجل خطايانا ونحن متنا معه عن حياة الخطية، المسيح قام من الأموات منتصرًا، ونحن قُمنَّا معه لحياة جديدة لمجد الله. هذه أعظم أدوات الحرب، الوعظ بالإنجيل!

 كذلك، يُشجِّع بولس تيموثاوس الخادم في أكثر من موضع أن يُذكِّر الكنيسة بالحقائق الكتابية الهامة لضمان ثباتهم في الإيمان (١ تيم ٤: ٦). ولعل أكثر الأمور التي أحاول شخصيًا تذكير نفسي بها في المصارعة مع الخطية هي: أنا لم أصبح خبيرًا مُحصَّنًا من الخطية؛ أحتاج أن أحتمي في كلمة الله اليوم بالدراسة والتأمل للمقاومة، أحتاج للهروب من أول عرض أو فكرة للخطية، الحرب لن تتوقف (كما قال أوغسطينوس، سنحارب الشهوة لآخر أنفاسنا!)، أحتاج لله اليوم مثلما كنت أحتاجه أول يوم آمنت فيه، إذ أنه لا صلاة = لا اتكال على الله = كبرياء وسقوط! أحتاج أن أعترف سريعًا بأصغر خطية (بالفكر أو القول أو الفعل) قبلما أستمر في السقوط؛ دم المسيح يطهر من كل خطية. عليَّ الهروب لمحبة الله فهو الملجأ الوحيد، إن كانت خطيتي ما صلب المسيح فكيف أخطئ في حقْ مَنْ صُلب لأجلي؟!

أخيرًا، وإن كانت الحرب عنيفة ولن تهدأ في هذا الجانب من الأبدية، "وَلكِنَّنَا فِي هذِهِ جَمِيعِهَا يَعْظُمُ انْتِصَارُنَا بِالَّذِي أَحَبَّنَا" (رومية ٨: ٣٧).