مُقدِّمة إنجيل يوحنا

كاتِب الإنجيل:

لا يُعرِّف كاتِبُ هذا الإنجيل عن نفسِه بالاسم وإنَّما فقط أنّه ”التِّلْمِيذُ الَّذِي كَانَ يَسُوعُ يُحِبُّهُ“ (٢١: ٢٠، ٢٤)، إلَّا أنّ هناك أدلَّةً قويَّة تؤيِّد أنّ الكاتِبَ هو الرسول يوحنَّا، واحدٌ من ابني زَبْدِي. إذ كان شاهِدَ عِيانٍ على حياةِ يسوعَ المسيح (١: ١٤) وكان حاضِرًا في العَشاء الأخير، مُتَّكِئًا بجانب يسوع على العَشاء (١٣: ٢٣). هذا يُعرِّفه أنّه واحدٌ من الرُّسُلِ الاثني عشَر (مَرقس ٤: ١٧). أيضًا قد يدُلُّ هذا على أنّه كان أحدَ الرُّسُل الثلاثة الذين قرَّبَهم المسيحُ إليه أكثر من الآخرين، الذين هُم بطرس ويعقوب ويوحنَّا بحسب الأناجيل (مَرقس ٥: ٣٧؛ ٩: ٢؛ ١٣: ٣؛ ١٤: ٣٣). يذكر هذا الإنجيلُ أسماءَ رُسلٍ آخَرين كانوا موجودين على العَشاء، ممَّا يقتضي ضِمنًا أنّ التلميذَ الذي لم يُذكَر اسمُه لم يكُن توما ولا فيلبُّس ولا يهوذا الآخَر (يوحنَّا ١٤: ٥، ٨، ٢٢). لقد اختار المسيحُ التلميذَ الحبيب ليقومَ على رعايةِ أُمِّه مريم (١٩: ٢٦)، وهذا دليلٌ آخَرُ على أنّه كان يحظى بقُربٍ من الربِّ أكثر من الآخَرين. ويمكن تمييزه عن بطرس بوضوحٍ (١٣: ٢٤؛ ٢١: ٢٠). أمَّا يعقوب بن زَبْدِي أخوه فقد مات صغيرًا (أعمال الرُّسُل ١٢: ١، ٢)، لذلك فمِن غير المُرجَّح أن يكون قد كتبَ هذا الإنجيلَ. ومع أنّه من المُمكِن نظريًّا أن يكون أحدُ الرُّسُل الأقلِّ شهرةً هو مَن كتبَ الإنجيلَ، فإنّ الأدلَّةَ تؤيِّد وتدعم بشدَّة أن يكون يوحنَّا، الابن الآخَر لزَبْدِي، هو كاتِب الإنجيل (٢١: ٢، ٧). وهذا ما تؤكِّده شهادةُ الكُتَّاب اللاحِقين، مثل إيرينايوس (القرن الثاني الميلادي).

عندما نتحدَّث عن كِتابةِ أسفار الكتاب المُقدَّس يجب أن نُذكِّر أنفسَنا دائمًا بأنّ الكُتَّابَ كانوا مَسوقين بوحي الروحِ القدس (٢بطرس ١: ٢١)، فالله هو المُؤلِّف الرَّئيسي للأسفار. لذا فإنّ كتابًا نَظْمُه سامٍ مثل إنجيل يوحنَّا لا نقدِر أن نشرحَ سُموَّه سوى بأنّه مُوحًى به الله. هكذا يجب أن يُنظَر إلى كَتبَةِ الكتاب المُقدَّس. فقد كانوا مُوجَّهين ومُهيمَنًا عليهم بواسطة الله في كُلِّ ما كتبوه، حتّى إنّه يجب أن يقبل الناسُ كِتاباتِهم بصفتها معصومةً من الخطإ ومِن ثَمَّ جديرة بالثقة من كلِّ وجهٍ.

التاريخ:

مات الرسول يوحنَّا في العَقد الأخير من القرن الأوَّل الميلادي. وليس معروفًا بدقَّةٍ تاريخُ كِتابة يوحنَّا هذا الإنجيل، ولكن من المُحتمَل أنّه كَتبَه في آخِر سِنِي حياته (٩٠- ١٠٠ م).

الموضوع:

يسوع هو المسيح، ابن الله، الله الظاهِر في الجسد الذي أرسلَه الآبُ ليُعطي حياةً أبديَّة لكُلِّ مَن وهَبَه إيَّاهُم الآبُ.

القصد والهدف:

دعوة الناس إلى الإيمان بالمسيح لتكون لهم حياةٌ أبديَّة (٢٠: ٣٠، ٣١).

المُلخَّص:

الإسهام الذي يقدِّمه يوحنَّا في إعلان الفداء

نُشير إلى الأناجيل الثلاثة الأولى من العهد الجديد أنّها الأناجيل الإزائيَّة ”المُتشابِهة“ لأنّ بينهم أمورًا مُشترَكة كثيرة. (الكلمة اليونانية ”synopsis“ تعني ”أن نرى معًا“). أمَّا إنجيل يوحنَّا فإنّه يختلف اختلافًا ملحوظًا عن الأناجيل الثلاثة الآخرين، غير أنّه لا يتعارض معهم. بل إنّه يكمِّل الأناجيلَ الثلاثة الإزائيَّة ويلقي ضوءًا رائِعًا على شخص الربِّ يسوع المسيح المجيد الذي نزل من السماء.

يسوعُ الناصريّ هو الله وإنسانٌ (١: ١، ١٤). أظهرَ مجدَه بمعجزاتِه (٢: ١١؛ ١١: ٣٩- ٤٤) وبقدرتِه على القيامة من الأموات (١٠: ١٧، ١٨؛ ٢٠: ١- ٣١). وكشفَ عن هُويَّتِه بواسطة تعليمه أنّه الابنُ الذي يتمتَّع بعلاقةٍ فريدة مع الآب، إذ يشتركان في الجوهر الإلهيِّ الواحد، وفي القوَّة والمعرفة والحياة (١: ١٨؛ ٥: ١٧- ٢٠، ٢٦؛ ١٠: ٢٨- ٣٠). إنّه كلمةُ الله الآب الأزليَّة (١: ١)، ومَن رآه فقد رأى الآبَ (١٤: ٩). لذلك فيسوع يعمل أعمالَ الله، كالدينونة وإقامة الأموات (٥: ٢١، ٢٢)، ويقبل العبادةَ إذ هو الله (٢٠: ٢٨)، ليس بصفته نِدًّا ينافِس الآبَ ولكن بصفته الشخص الذي به يمكننا أن نعرف الآبَ ونكرِمه (٥: ٢٣؛ ١٤: ٩؛ ١٧: ٣).

أعطى يسوعُ أمثلةً توضيحيَّة بسيطة يسبقها التعبيرُ ”أَنَا هُوَ ...“ ليُعلِّمَنا عن جوانبَ من نعمتِه وقدرتِه المُخلِّصة، على سبيل المثال ”أَنَا هُوَ نُورُ الْعَالَمِ.“ (٨: ١٢). ومع أنّها كلماتٌ بسيطة فقد استطاع بواسطتها أن يُوصِلَ حقائِقَ عميقة. إنّ تَكرارَ التعبير ”أَنَا هُوَ“ (باليونانية إيجوو إيمي egō eimi) في مواضعَ رئيسيَّة من هذا الإنجيل يُطابِق هُويَّةَ المسيح بيهوه (٨: ٥٨)، الربِّ الذي معنى اسمه ”أَنَا هُوَ“ (خروج ٣: ١٤). يخرج هذا التعبير من شَفَتَي المسيحِ (في النصِّ اليونانيِّ) أحيانًا عندما كان يُظهِر قدرةً ومعرفةً خارِقتيْنِ للطبيعة (٤:٢٦؛ ٦: ٢٠؛ ١٣: ١٩؛ ١٨: ٥، ٦). وهكذا فكُلَّما استخدمَ يسوعُ تعبيرَ ”أَنَا هُوَ“ ليُعلن أنّه خُبزُ الحياة، ونور العالَم، والباب، والرَّاعي الصالِح، والقيامة والحياة، والطريق والحقُّ والحياة، والكرمة الحقيقية (٦: ٣٥؛ ٨: ١٢؛ ١٠: ٧، ١١؛ ١١: ٢٥؛ ١٤: ٦؛ ١٥: ١)، كان يعلِن أنّه هو مِلء الله الذي أتى ليملأ كُلَّ احتياجٍ في شعبِه (٤: ١٤؛ ٦: ٣٥؛ ٧: ٣٧).

يلقَى الروحُ القدس، مع الآب والابن، قَدرًا كبيرًا من الاهتمامِ في هذا الإنجيل. تحدَّث يسوعُ عن الروح أنّه ”مُعَزِّيًا آخَرَ“ (١٤: ١٦)، الذي سوف تشبِه خدمتُه خدمةَ المسيح وسوف يواصِل عملَه بعد أن رجِعَ إلى الآب (١٦: ٧). قال يسوعُ أنّ الآبَ سيُرسِل الروحَ ”بِاسْمِي“ (١٤: ٢٦)، ليس بصفته طرَفًا ثالِثًا مُستقلًّا بل كمَنْ يحمل الأشياءَ التي أخذَها الابنُ من الآب إلى نفوس البشر حتّى يتمجَّد المسيح (١٦: ١٣، ١٤). وبما أنّ الروحَ هو الربُّ فهو يُعطِي الحياةَ (٦: ٦٣)، إذ يُحدِث الولادةَ الجديدة في حياةِ الخُطاة بحسب إرادته المُطلَقة (٣: ٣- ٨)، حتّى إنّ الأشرارَ تغيَّروا وأصبحوا عابِدين وبدَّلوا الشهواتِ العالَميَّة بشبعٍ أبديٍّ في الله (٤: ١٠، ١٤، ٢٣، ٢٤؛٧: ٣٧- ٣٩). يعمل الروحُ القدس هذا العمل بكلمتِه (٦: ٦٣)، لأنّه روحُ الحقِّ (١٤: ١٧؛ ١٥: ٢٦؛ ١٦: ١٣). إنّه الشاهِدُ الذي يُبكِّت العالَمَ على ذنبِه (١٦: ٨- ١١) والمُرشِد الذي يُعلِّم المُؤمِنين كُلَّ مَشورةِ الله (١٦: ١٣). يُعطينا يوحنَّا لاهوتًا مجيدًا عن الثالوث وثيقَ الصِّلَة بالكرازة والعبادة والحياة المسيحيَّة.

يظهر اللهُ الثالوث في إنجيل يوحنَّا بوصفِه إلهًا في إرساليَّةٍ. لا تأتي تعاليمُ يوحنَّا الرَّائِعة عن الله في سياقِ أُطروحةٍ لاهوتيَّة مجرَّدة، بل كخبرٍ سارٍّ عن إرساليةِ الله إلى العالَم الهالِك. يظهَر هذا في استخدام يوحنا لكلمتيْنِ يونانيَّتيْنِ، تُرجِمَتا ”يُرسِل“ أو ”أَرسَلَ“ (سِتِّين مرَّةً تقريبًا). أَرسَلَ الآبُ الابنَ ليُخلِّصَ من العالَمِ خُطاةً هالِكين (١٦: ١٦، ١٧؛ ٦: ٣٨، ٣٩)، والروح يمسح المسيحَ ويُؤيِّده في عملِه (١: ٣٢، ٣٣؛ ٣: ٣٤). الآبُ والابنُ يُرسِلان الروحَ القدس ليُظهِرَ ويمجِّدَ الابنَ (١٤: ٢٦؛ ١٥: ٢٦؛ ١٦: ٧). أيضًا أَرسَلَ الابنُ تلاميذَه إلى العالَمِ ليشهدوا له بقوَّةِ الروح (١٥: ٢٦، ٢٧؛ ١٧: ١٨؛ ٢٠: ٢١، ٢٢). مِن ثَمَّ فإنّ مَهمَّةَ الكنيسة ثالوثيَّةٌ، ومركزُها الله. فالله هو مَن يُكلِّف بها، وهو مَن يُنجِزها، وهدفها هو تمجيد الله (١٧: ١- ٥، ١٠).

على الرَّغم من أنّ السِّفرَ يحتوي تعاليمَ سامية ورفيعة، فإنّه يُصوِّر يسوع بطريقةٍ شخصيَّة للغاية، ويُسجِّل مُحادثاته مع عددٍ من الأشخاص. أظهَرَ يسوعُ ذاتَه قدَّام مجموعةٍ عريضة من الناس: لتلاميذه الأوَّلين (١: ١- ٥١)، لنيقوديموس رئيس اليهود (٣: ١- ١٦)، لاِمرأةٍ سامريَّة (٤: ١- ٥٤)، لمريض بِرْكَة بيت حِسدَا (٥: ١- ٤٧)، إلخ. بينما كان المسيحُ يتحدَّث مع الناس، أوضحَ أنّه ليس أحدٌ له الحياة الأبديَّة إلَّا أولئك الذين وُلِدوا ولادةً ثانية وهكذا يملكون إيمانًا مُخلِّصًا بالمسيح. فالديانة النِّظاميَّة وحدها لا تُرضِي اللهَ. إذ إنّ إعلانَ الإيمانِ بالمسيح والمُجاهَرة به دون محبَّةٍ حقيقيَّة له باعتباره ابنَ اللهِ الحبيب باطِلٌ لا قيمةَ له في النهاية. لذلك يُطالِبنا الإنجيلُ أن تكون استجابتُنا ليسوعَ المسيح استجابةً شخصيَّة، كما صرَّح يوحنَّا بوضوحٍ: ”وَأَمَّا هذِهِ فَقَدْ كُتِبَتْ لِتُؤْمِنُوا أَنَّ يَسُوعَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ، وَلِكَيْ تَكُونَ لَكُمْ إِذَا آمَنْتُمْ حَيَاةٌ بِاسْمِهِ.“ (٢٠: ٣١).

موجَز مُحتوى الإنجيل:

أوَّلًا: المسيح، ابن الله الأزلي (١: ١- ١٨)

ثانيًا: المسيح يُظهِر مجدَه بخدمته العلنيَّة (١: ١٩- ١٢: ٥٠)

  1. خدمة المسيح المُبكِّرة (١: ١٩-٤: ٥٤)
  2. غير المؤمنين يرفضون المسيح (٥: ١- ٦: ٧١)
  3. في عيد المظالّ (٧: ١- ٥٣)
  4. المرأة التي أُمسِكَت في زنًى ونور العالم (٨: ١- ٥٩)
  5. شفاء المولود أعمى (٩: ١- ٤١)
  6. الرَّاعي الصالح (١٠: ١- ٤٢)
  7. إقامة لعازر (١١: ١- ٥٧)
  8. خِتام الخدمة العلنيَّة (١٢: ١- ٥٠)

ثالثًا: المسيح يُظهِر مجدَه بآلامِه وموتِه وقيامتِه (١٣: ١- ٢١- ٢٥)

  1. يسوع يغسل أرجُلَ التلاميذ (١٣: ١- ٣٨)
  2. حديث يسوع في العُلِّية وصلاة رئيس الكهنة (١٤: ١- ١٧: ٢٦)
  3. القبض على يسوع ومحاكمته وصلبه ودفنه (١٨: ١- ١٩: ٤٢)
  4. قيامة يسوع من الأموات وظهوراته (٢: ١- ٢١: ٢٥)

تُرجِم هذا المقال ونُشِر بالاتفاق مع REFORMATION HERITAGE BOOKS، مُقدمات أسفار الكتاب المقدس الدراسي THE REFORMATION HERITAGE STUDY BIBLE